قراءة بعض النقاط في عالم التدوين السوري
يعاد ُ بين َ فترة ٍ و أخرى طرح موضوع “ التدوين السوري “ من قبل أحد المدونين السوريين ، و في تدوينة ً ملفتة للنظر قام المدوّن الصديق حسين غرير بطرح التساؤول هذه المرّة “ نشطاء أم مدونون “ . برأي الشخصي ، لا يمكن الإجابة بشكل ٍ تام على هذا التساؤول فالمعطيات الموجودة اليوم تفرض أجواء معينة و لكن و بشكل ٍ تقريبي سأقوم بالإجابة على بعض النقاط التي طرحها غرير في مدونته.
بداية ً أطرح ُ على نفسي ، و كلّما قام أحد بالحديث عن التدوين السوري ، سؤال إن كان يجب ُ علينا فعلا ً تحليل ما يجري في عالم التدوين اليوم ، ففي مداخلة للصديق ياسين السويحة في المؤتمر الإعلامي في القاهرة ، سألت سيدة عن فوضوية التدوين ، و كانت الإجابة برأي شافية جدّا ً و رائعة : “اذا تعبّر عن رأي بفوضة يمكن لأنك تعبّر عن شيء فوضوي بالأساس ، اذا المدونين فوضوين فيمكن لأن الواقع فوضوي و الفوضى ممكن تكون خلاقة على فكرة “. و لذلك بشكل ٍ شخصي ّ لا أحب ّ كثيرا ً دراسة التدوين من وجهات النظر العامة – او الخاصة – للمدونين أو المتابعين فلندع السفين تبحر نحو شمسها الخاصة فالتدوين هو فعل عفوي ّ تحليله ُ كظاهرة قد يقيّد عفويته ُ .
و لكن النقاط التي تحدّث عنها حسين هذه المرّة تستحق ّ التوقف عندها لبعض الوقت ،
أين التدوين السوري اليوم ؟ سؤال ٌ يطرح ُ و بقوّة منذ ُ دخولي إلى عالم التدوين من سنين ، لا أعرف ُ إن كان بإستطاعتنا تحديد موقعه فعلا ً فالتدوين السوري اليوم مازال َ في اطواره الأولى ، البدائية جدّا ً و مازال أمامه ُ طريق ٌ طويل ٌ حتى يصل إلى ما هو َ عليه التدوين المصري او اللبناني اليوم في المنطقة. هناك عوامل عديدة تلعب دورها منها المعروف و الواضح من المساحة التي يستطيع فيها المدوّن الحديث عن أمور ٍ معينة دون التعرّض للمساءلة أو الإتهام بـ “ وهن و إضعاف نفسية الأمـّة “ و منها الغير واضح تماما ً و المفهوم و الغير المفهوم . في حديث ٍ لي مع أحد الأقرباء في سوريا قال أن ّ عددا ً كبيرا ً من الناس في الشارع السوري مازالت تخاف من الحديث عن المدونات فبعض الناس مازالت تعتقد أن ّ اي ّ مدوّن هو مشروع معتقل أو “صاحب مشاكل “ أو غيرها ، لذا فحتّى متابعه التدوين أمر ٌ يستحق ّ “ تبيت الإستخارة “ لدى بعض السوريين. و هذا ليس َ بالغريب أبدا ً عن المجتمع السوري اليوم .
و من هنا أنتقل إلى السؤال التالي “ هل تحوّل المدونون إلى نشطاء مدنيين ؟ “
في الواقع لا يمكن الإجابة بـ “ لا “ فهذا ظالم ٌ و لا يمكن الإجابة بنعم فهذا مبالغ ٌ به . إنما يمكن القول أن ّ غياب النشاط المدني المنظم على أرض الواقع يفرض صوتا ً أعلى له ُ في العالم الإلكتروني. فلا يمكن لأيّ مدوّن سوري أن يكتب عن شيء لا توجد له ُ أرضيّة واقعية في المجتمع السوري. سواء كان حملة “ أكياس الدفء “ أم الحملة الخاصة بجرائم الشرف ، أو غيرها ، هي أمور مدنية و لها نشطاء يقومون بدعمها على أرض الواقع و يأتي التدوين ليلعب دور المكمـّل لهذه النشاطات .
أمـّا فيما يخص التجمعات و الشلل و الأحزاب فهناك نوعين يمكن الحديث عنهما في هذا المجال ،
النوع الأوّل هو التجمعات و الأحزاب و الشلل المنظمة و التي تهدف إلى ما أسميه “ تعليب التدوين “ فيصبح هدف جميع المدونين فيها موحد و مدوناتهم متشابهة و المواضيع التي يكتبون عنها متشابهه جدّا ً و الشعارات في مدوناتهم أيضا ً واحدة . هذا النوع من التجمعات التدوينية أنا ضده ُ قولا ً واحدا ً ففي مثل هذه التجمعات سيغيبُ الهدف نفسه و يصبح الهدف الأكبر هو الوصول إلى شعار التجمـّع ( أيّا ً كان ) ، تماما ً كما يحصل في الأحزاب عادة ً ، فالإنتساب إلى حزب ٍ ما يفرض على المنتسب إليه أنه ُ يوافق على جميع أفعال و أعمال و أقوال و مبادئ الحزب ، و هذا غير ممكن في العالم التدويني اليوم فوجود عدد من المدونات تؤمن و ترفع شعارا ً واحدا ً يجعل منهم جميعا ً يوافقون على جميع الأفكار المطروحة في ظل ّ هذا الشعار أو ذاك و بهذا يصبح تصفح أي ّ من المدونات الداعمة لهذا المشروع واحدا ً لا جديد فيه و ندخل مجددا ً في لعبة الشعارات المملّة.
النوع الآخر هو التجمع حول َ فكرة واحدة ، هي نفسها الهدف ، و دعمها بشكل ٍ شخصي ّ في المدونات ، ففي الحملة الخاصة بجرائم الشرف قام العديد من المدونين بالكتابة عن هذا الأمر و رفع الصوت في وجه الجريمة دون الموافقة التامة على ما كتب َ واحد دون الآخر ، فالبعض أعتبر أن ّ القيام ب “الفاحشة “ أمر معيب و يجب منعه ُ عن طريق التوعية و البعض الآخر اعتبر أن ّ الجسد هو ملك ٌ شخصيّ لا يحق ّ لأحد أن يحكمه ُ غير صاحبه و آخرون أعتبروا أن ّ الأمر مبالغ به و آخرون و آخرون ، تفاوتت الآراء و لكن ّ النتيجة كانت أن ّ كل من تضامن كان يقول لا للجريمة . و هكذا فإن ّ عفويّة التجمع حول َ أمر معيّن و الكتابة عنه ُ أمر ٌ ، أعتقد ُ أنه ُ مبدع ٌ جدّا ً ، و يتناغم مع التدوين كفعل ٍ عفوي دون تقيده بأي ّ أفكار أو شعارات .
أمـّا عن الشللية “ مين محسوب على مين “ التي تحدّث عنها أحد المعلقين في مدونة حسين غرير ، فأنا أجد ُ هذا الأمر طبيعيا ً جدّا ً ، في أي ّ مكان ٍ يجتمع ُ فيه ِ عدد من البشر في آن معا ً تنشأ بين البعض صداقات بناء ً على الفكر المشترك أو الإهتمامات المشتركة أو أي ّ شيء ، مهما كان تافه أو مهم ّ ، مشترك بينهم . و بالتالي فإن ّ وجود هذا العامل المشترك سيجعل منهم يقتربون من بعضهم البعض أكثر من أقترابهم و تفاعلهم مع الآخرين و بذا يصبح بالنسبة للمجموعه الأكبر أحدهم “ محسوب “ على الآخر بشكل ٍ تلقائي، و كذلك الأمر في عالم التدوين . لا أنفي أن ّ العلاقات و الصداقات الشخصية التي تنشأ تحمل وجهين أحدهما ناصع ٌ و جميل و الآخر قد يصبح عبء على صاحبه و لكن هذا يعود ُ إلى كل ّ مدوّن ٍ و طريقة تعامله مع الأمر. فأنا لم أواجه هذه المشكلة و لم أشعر بأن ّ أحدهم استهدفني بأن يتابع/لا يتابع مدونتي بناء ً على أنني محسوبة على أحد أو أن ّ أحدهم محسوب علي ّ.
فيما يخص ّ “ حكلي لحكلك “ فهذا أمر ٌ مختلف ولكنه ُ يعتمد ُ أيضا ً على المدوّن نفسه ، فأنا كمدونة لا يجب ُ أن “ أحك ّ “ لأيّ مما لا أرى في مدونته شيء يلفت ُ النظر مهما“ حكلي “ و زاد َ في الحك ّ فالمدونات التي يتابعها المدوّن هي جزء من مدونته و تعكس قراءة خاصة أخرى لمدونته.
أخيرا ً فإن ّ التدوين فعل حر ّ، بكل سلبياته و إيجابياته ، و هذا أجمل ما يمزه ، عسى أن يبقى كذلك .
http://www.freesham.com/2010/12/blog-post_04.html