المدونون السوريون: نشطاء أم مدونون
يحاول البعض، من المتحمسين جداً للتدوين والمهتمين بقضايا معينة، جر التدوين إلى مواقع تناسب تصوراتهم وأهدافهم، التي ربما تكون نبيلة. وهناك كثيرون لا يقيمون وزناً للمدونات وأصحابها، هذا إن سمعوا بها أصلاً.
لا شك لدي أبداً أن المدونة هي مايريد لها صاحبها أن تكون، وأنها تعكس شيئاً من مجال اهتمامه. هذا باختصار شديد رؤيتي الشخصي للمدونة. وأؤمن أن شكل التدوين في منطقة ما، يتأثر بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، والتي لخصها الصديق ياسين السويحة في مدونته (1).
فأين التدوين السوري اليوم؟ وكيف يرتبط بمحيطه ويتفاعل معه؟ وهل تحول المدونون إلى نشطاء مدنيين؟ وهل المدون السوري صاحب مشروع؟ هذه الأسئلة تدور في رأسي صباح كل يوم عندما أقوم بجولتي على المدونات السورية. أشعر ببالغ السعادة عندما أقرأ ما يكتبه المدونون حتى لو كان عددهم قليلاً حتى الآن.
نشط المدونون السوريون بكثافة في دعم اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف (2). ولا أبالغ إن قلت أنه كان لهم بصمة حقيقة وواضحة في هذه المناسبة، التي نتمنى أن تصبح من الماضي. استطاعوا، وبالرغم من قلة عددهم، توظيف مدوناتهم والفيس بوك وتويتر إلى أقصى درجة ممكنة لنشر هذه القضية. وهنا أريد أن أشير إلى أنهم لم يعبروا في مدوناتهم عن رأيهم فقط فيما يخص جرائم العار، بل كان جهدهم مقصوداً وموجهاً لهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من المؤيدين ولإيصال الصوت إلى الآخرين.
وبنفس الفترة الزمنية قاموا بدعم حملة “أكياس الدفء” للمساعدة في تأمين ثياب لـ 500 طفل لتخفيف معاناتهم من برد الشتاء. وكانت النتائج مشجعة جداً واستطاعوا لفت انتباه شرئحة واسعة من الناس وأعتقد أن ذلك ساهم في وصول المساعدات المطلوبة. والأهم من ذلك أنها فتحت أعين الكثيرين على كارثة الجزيرة السورية وجعلت الناس تتساءل عن أسبابها ونتائجها (3).
أعود إلى متابعاتي اليومية للمدونات السورية. فعندما أقرأ في مدونة ما أشعر أن صاحبها مشروع شاعر أو أديب (4) أو يتملكني إحساس أشبه باليقين أن خلف هذه المدونة شخصاُ يملك مشروعاً متكاملاً يريد أن يحققه على أرض الواقع لخدمة المجتمع. ليس في الأمر بطولات، بل أعتقد أن هناك الكثيرين من الأشخاص ممن لديهم هاجس فعل شيء ما مهما كان صغيراً ليساهموا بالإرتقاء بمحيطهم نحو الأفضل. وربما المدونون هم من هؤلاء الأشخاص الذي يتميزون بامتلاكهم الحد الأدنى من المعرفة التقنية لتحقيق هذا المشروع على الأرض. وليست ببعيدة عنا المحاولة الجادة والمبدعة للصديقة ديما لتبسيط بعض الأمراض النفسية وإسقاطها على المجتمع من حولنا (5). وأرى في هذه المحاولة بذرة مشروع إن تحقق فسوف يسهم بشكل كبير في فهم تعقيدات الحال الذي نحن عليه اليوم.
لا أريد أن أعطي انطباعاً خاطئاً عن هدف التدوين وطبيعة المدونات، وأن أضفي عليها صبغة النشاط المدني رغماً عنها. لكني أحاول فقط قراءة الواقع كما هو. ربما أحوال البلد والأزمات العميقة التي يعاني منها هي أحد الأسباب التي تجعل التدوين منصة تساعد الذين يحلمون بواقع أفضل وتساعد الذين يحلمون أن يكون لهم موطئ قدم على الخارطة الفكرية أوالثقافية. ولا أغفل في هذا السياق الدور الذي يلعبه الإعلام السوري بتغذية هذا الحلم. لأن حال هذا الإعلام يرثى له في الحقيقة، ولا يعبر عن نبض السوريين وهمومهم في معظم الحالات، إنه يعبر عن هموم المواطن اللبناني والمصري والأمريكي ويغمض عينيه عامداً متعمداً عما يدور حوله. لذلك أعتقد أن المدونات تحاول ردم هذه الثغرة التي تركها الإعلام السوري، وتحاول تغطية عجزه في تناول القضايا التي تمس المواطن في تفاصيله اليومية أو في مستقبله ومستقبل وطنه.
قالت لي إحدى صديقاتي أن التدوين أصبح “حكلي لحكلك”، أي تبادل مصالح. تقرأ مدونتي فأقرأ مدونتك، تترك لدي تعليقاً أبادلك الفعل نفسه. واحتجت أن لا أحد يقرأ المدونات سوى المدونين أنفسهم. أنا شخصياً أشعر أن هذا الأمر طبيعي في هذه المرحلة من عمر انتشار التدوين في سوريا، وخاصة أن الظروف غير مساعدة على الإطلاق من جميع النواحي. لكن وبنفس الوقت أنظر إلى الأمر بنظرة فيها شيء من التفاؤل وأعتقد أن هذه الأيام تحمل في رحمها بعض التحول الإيجابي. لننظر إلى إحصائيات الزوار في مدونانتا، هل تعبر عن عدد المدونين السوريين أم تتجاوزهم؟ إن كانت تتجاوزهم فهذا يعني أن هناك من يتابع مدوناتنا من خارج دائرة المدونين حتى لو لم يتركوا تعليقاتهم لدينا. كما أن بعض المواقع الصحفية الإلكترونية بدأت مؤخراً تقوم بإعادة نشر مقالات من المدونات السوري. وهناك مواقع أخرى اقتبست بعض المقاطع من المدونات في تغطيها لليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف. الإعلام بحاجة للمدونات بكل تأكيد بنفس القدر الذي تحتاج فيه المدونات لهذا الإعلام، وهذا ما سيفهمه الطرفان في الأيام القادمة.
http://ghrer.net/blog/media/17-2010-05-12-04-46-16/85-syrian-bloggers-activists.html