مهزلة الانتخابات في البلاد العربية
زين الشامي
رغم أن الكثير من المواطنين العرب لا يثقون في العملية الانتخابية التي تحدث في الدول العربية، ورغم أن الكثيرين منهم لا يدلون بأصواتهم الانتخابية لعدم ثقتهم بالمؤسسات السياسية القائمة، لكن الانتخابات تحصل كل عام هنا وهناك، ولا يتغير شيء في حياتنا العامة حيث تبقى الأمور تراوح مكانها، لا بل في أحيان معينة تسير إلى أسوأ.
باختصار شديد وكلام واضح، لا يثق مواطنونا في الانتخابات ونتائجها بسبب غياب الشفافية والديموقراطية في حياتنا العامة وحياتنا السياسية، وبسبب ضعف الحياة البرلمانية، وانتهازية وفساد غالبية ممن يفترض بهم أن يكونوا ممثلين للشعب في البرلمانات العربية. الكل يعرف أن غالبية من هؤلاء الذين يترشحون للانتخابات التشريعية، إنما يفعلون ذلك تطلعاً لامتيازات مالية وسياسية يحصلون عليها بعد انتخابهم. أيضاً فإن غالبية برلماناتنا العربية وأعضاء هذه البرلمانات أو مجالس الشعب، ما كانوا ليصلوا لولا ولاؤهم غير المشكك به للأنظمة العربية الحاكمة.
وعليه، فإننا أمام حالة انتخابية كاذبة، أو بالأحرى عملية ديموقراطية مزيفة وغير حقيقية لا قيمة فيها للصوت الانتخابي ولا للمرشحين، ولا فعالية متوقعة منهم بعد فوزهم بعضوية البرلمان أو مجلس الشعب حيث يفترض أن يمثل العضو المنتخب ويعكس مصالح الفئات والشرائح الانتخابية التي منحته ثقتها وعولت عليه.
لا يمكن توجيه اللوم على النظام العربي الحاكم وحده الذي لا يريد ممثلين حقيقيين للشعب، بل ان المواطنين العرب الذين يشاركون في العملية الانتخابية، يتحملون مسؤولية عما آلت اليه الأمور. هم يتحملون المسؤولية مرتين، أولاً حين يقبلون المشاركة في انتخابات غير نزيهة وغير حرة لاختيار أعضاء لمجالس وهمية وكاريكاتورية، وثانياً حين يقبلون التعاطي مع آليات الفساد التي تحكم العملية الانتخابية، وهي الآليات التي تستخدمها الأحزاب الحاكمة والمرشحون للانتخابات أنفسهم.
فحين يتنازل المواطن عن حقه في التعبير ويقبل بيع صوته بثمن بخس لمرشح يستخدم الفساد والرشوة وشراء الأصوات، فهو يسمح ببساطة بانتهاك حقوقه السياسية وبيعها بثمن بسيط، نحن نعرف أن المرشحين والأنظمة الحاكمة تلعب على وتر الحالة الاقتصادية الصعبة التي تعيشها غالبية من مواطنينا وترزح تحت وطئتها، لكن على المواطن العربي أن يعرف أنه حين يسمح ببيع صوته الانتخابي بمبلغ مالي زهيد أو «علبة سمن» مثلاً، فإنه يساهم في حالة الفساد القائمة ويتنازل عن أخلاقه وكرامته بسهولة، بحيث يقبل أن تنتهك هذه الكرامة لمن يدفع ثمناً أكبر، وعليه فلا يحق لهذا المواطن أن يطالب مرشحه الذي منحه، عفواً… «باعه» صوته، لا يحق له أن يطالب ذلك «النائب» بالعمل على تحقيق مصالح الشعب أو الشريحة الاجتماعية التي انتخبته وصوتت له، لأن الناخب قد قبض ثمن صوته مقدماً وانتهت مسؤولية النائب منذ تلك اللحظة التي دفع فيها ثمن الصوت الانتخابي.
نحن لا نبالغ، لقد حصل ذلك في معظم الانتخابات التشريعية التي شهدتها العديد من الدول العربية اخيراً مثل مصر والأردن على سبيل المثال. ففي مصر، وحسب تقارير إعلامية، «قفزت أسعار الأصوات في الانتخابات البرلمانية إلى الضعف تقريباً قبل إغلاق صناديق الاقتراع بساعتين عما كانت عليه في ساعات الظهيرة التي وصل خلالها سعر الصوت إلى 100 جنيه مصري». وفي إحدى الدوائر الانتخابية لاحظ مشرفوا اللجنة الانتخابية «أن مواطناً حاول إدخال 100 بطاقة انتخابية في صندوق الاقتراع، وحينما هم المشرفون بضبطه لاذ بالفرار دون أن يحاول رجال الشرطة المتواجدون بكثافة اعتراضه».
أيضاً اتهم مرشح أحد الأحزاب، مرشحي «الحزب الوطني» «برشوة الناخبين وقيامهم بدفع مبالغ مالية لكل ناخب بالإضافة إلى توزيع علب سمن».
وفي مقر دائرة انتخابية أخرى «وقعت مشادة طريفة بين إحدى الناخبات ووكيل لمرشح عندما وعدها بإعطائها المبلغ المتفق عليها بعد إدلائها بصوتها، لكنه رفض ذلك فتعدت عليه بالسباب والشتائم». ودخلت المنشطات على قائمة وسائل شراء الأصوات، «حيث لجأ أنصار اثنين من المرشحين بدائرة الخليفة والمقطم إلى شراء أصوات الناخبين بتوزيع أقراص منشطات على الناخبين قبل الإدلاء بأصواتهم».
وفي الاردن الذي شهد انتخابات مماثلة حصل التزوير من خلال القانون الانتخابي ابتداء من قانون الصوت الواحد وصولاً إلى تقسيم الدوائر وخاصة المحافظات الكبيرة إلى دوائر، فهذه التقسيمة نجحت إلى حدّ بعيد في فرز نتائج أبعدت شرائح كبيرة في هذه المحافظات عن تمثيل نفسها في البرلمان الحالي، لتصار نتيجتها نوّاباً في غالبيتهم بلون واحد، ولا ننسى دور المال السياسي الذي فرض نفسه على الفقراء والمحتاجين رغم كل التحذيرات التي أعلنتها وزارة الداخلية الأردنية. لا بل إن بعض المراقبين عن كثب لهذه الانتخابات قالوا إن عملية البيع والمقايضة تمت أمام الجميع وعلى مرأى من غالبية الأجهزة الحكومية!
هذا غيض من فيض مما يجري في الانتخابات في البلدان العربية، فإذا كان هذا هو واقع الحال، وإذا لم يكن هناك جدوى من غالبية البرلمانات العربية التي «لا تكش وتنش» فيما أعضاؤها نياماً طوال أعوام الدورة الانتخابية، وإذا كان هؤلاء الأعضاء لا يستطيعون اسقاط وزير أو حكومة، أو معارضة سياسة الحزب الحاكم، وإذا كانت المجالس النيابية تكلف دافعي الضرائب والفقراء الكثير من الأموال والمصاريف، وأخيراً، إذا لم نكن، ولا العالم جميعه في الخارج يثق فيها وبأهمية دورها، فلماذا نتوجه الى الانتخابات، ولما هذه الانتخابات موجودة بالأصل؟ كاتب سوري
الراي