القوة السورية البناءة؟
جلال بو شعيب فرحي
لا شك أن سورية لاعب أساسي في الصراع الديبلوماسي بين إيران من جهة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي من جهة أخرى, ولذلك نجد أن الرئيس الأميركي جورج بوش في مؤتمره الأخير المشترك مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في باريس يطالب الرئيس السوري بشار الأسد بوقف العمل مع إيران الساعية إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط على حد تعبيره, وشدد على ضرورة وقف دعم سورية لإيران في مسعاها لحيازة السلاح النووي وأن عليها أن تكون قوة بناءةً في الشرق الأوسط من أجل أن تساعد في المضي قدماً في مسار تحقيق هدف إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وأن عليها أن تعمل من أجل مطالبة حركة المقاومة الإسلامية حماس بأن توقف ما سماه بالارهاب من أجل تحقيق السلام, وهذا يؤكد الأهمية التي تلعبها سورية في الصراع بين الطرفين, نجد أيضاً أن تصريحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تصب في نفس الاتجاه فقد عبر في نفس المؤتمر الصحافي أنه يأمل من دمشق أن تقف بأكبر قدر ممكن في دعمها لإيران في سعيها إلى امتلاك السلاح النووي, وهذا يعني أن كلا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدرك أهمية سورية في الضغط على إيران وعلى علم بتأثيرها في الساحة السياسية في كل من لبنان والعراق, وهو فعلاً ما لمح إليه ساركوزي حينما طالب سورية بترك العملية الرئاسية في لبنان تجري بحرية.. ويستنبط من تصريح ساركوزي أنه على علم بوجود تدخل سوري في لبنان وإلا لماذا يطلب من سورية أن تترك العملية الرئاسية تجري في لبنان بحرية? ومهما يكون فقد أصبحت سورية مشجباً يعلق عليه أي فشل للعملية السياسية في لبنان, ولذلك فإن الاتجاه الأوروبي الأميركي الآن هو التركيز على دور سورية في المنطقة باعتبارها حليفاً ستراتيجياً لإيران في محاولة لفك هذا الارتباط وبناء علاقات ديبلوماسية كاملة على أساس حسن الجوار المبني على الأمن والسيادة على حد تعبير بوش وساركوزي, هذه التصريحات المرنة مع سورية التي جاءت بعد مقاطعة ديبلوماسية طويلة قرنت في البيان المشترك الصادر عن قصر الإيليزيه في ختام اللقاء الفرنسي الأميركي بتهديد ضمني باستخدام ورقة المحكمة الدولية الخاصة بمقاضاة المتهمين في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري العام 2005 وهي بلا شك محاولة لزيادة الضغط على سورية.
ويبدو أن الولايات المتحدة تريد من فرنسا أن تتكفل بمهمة استقطاب سورية لدرجة أن فرنسا وجهت دعوة مثيرة للجدل للرئيس السوري بشار الأسد لحضور احتفالات عيد الثورة الفرنسية, وسواء حضر الرئيس السوري أو لم يحضر فإن مجرد توجيه الدعوة ولعيد الثورة الفرنسية بالذات يضع الكثير من علامات الاستفهام حول هذه الدعوة, وهذه الرغبة في التقارب مع سورية, هذه الدعوة دفعت بوزير الخارجية الفرنسية لتصريح يبدو أنه أجبر عليه لتفادي أي انتقادات داخلية فرنسية حينما عبر عن عدم ارتياحه لزيارة بشار الأسد خاصة وأن زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي فروانسوا هولاند وصف دعوة الرئيس السوري لعيد الثورة الفرنسية بالرمز المؤسف ومهما يكن فالواضح أن مهمة فرنسا الآن في الشرق الأوسط هي التقرب من سورية في محاولة لكبح دورها في كل من لبنان والعراق من ناحية وعزلها عن إيران من ناحية أخرى, ولا ننسى أن هناك حوارا سوريا إسرائيليا يطبخ على نار هادئة في تركيا, وهذا ما يؤكد التوجه الأميركي الأوروبي الإسرائيلي إلى كسب ورقة سورية ضد إيران.
وإذا حللنا كل هذه المعطيات والتصريحات نخلص إلى نتيجة مفادها أن الشرق الأوسط في طريقه نحو مسار جديد قد يحقق نوعاً من الاستقرار الأمني والاقتصادي فمن ناحية هناك سعي أوروبي من خلال مشروع إنشاء اتحاد متوسطي اقترحه الرئيس الفرنسي ساركوزي يضم عدداً من الدول العربية منها المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا ومصر, وهناك انفراج سياسي بين المعارضة والحكومة في لبنان بعد قمة قطر, وهناك حوار سوري إسرائيلي في تركيا والذي ربما قد تحصل من خلاله سورية على هضبة الجولان مقابل فك ارتباطها بإيران, وفي نفس الوقت هناك عروض مغرية لإيران من قبل الاتحاد الأوروبي لدفعها للتخلي عن برنامجها النووي ووقف التخصيب, بالإضافة إلى أن كبح تأثير إيران في المنطقة سيؤدي إلى سير العملية السياسية في العراق ولبنان على الوجه الذي تريده أميركا وأوروبا ويؤدي إلى تعزيز الأمن الإقليمي الذي يحقق الاستقرار, ناهيك بالفوائد التي ستجنيها إسرائيل إذا ما تمكنت من قطع الدعم المادي والتأييد السياسي الإيراني لكل من حركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان. لكن كل ذلك سيصطدم بعقبة الأطماع الإسرائيلية المستمرة في اعتداءاتها على الأراضي الفلسطينية وتوسيع بؤر الاستيطان والحصار الجائر على قطاع غزة, وهنا ينبغي أن يكون دور الاتحاد الأوروبي محايداً في التعامل مع القضية الفلسطينية, وهنا أيضاً لابد من تحرك العمل العربي المشترك في الضغط على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لدفعهم للوفاء بعهودهم في إعلان الدولة الفلسطينية قبل انتهاء فترة بوش الرئاسية وإن كان الوفاء بالعهد لا يعول عليه. وإذا كانت رؤية ساركوزي لمشروع الاتحاد المتوسطي قائمة على المنفعة المشتركة في مجالات البيئة والاقتصاد والتجارة والأمن فعليه أن يعمل شيئاً من أجل الشعب الفلسطيني المهضوم الحقوق.
كاتب مغربي
السياسة