صفحات العالم

ويكيليكس – الخوفُ من الشفافية

خيري منصور
إنها “فوبيا” جديدة تضاف إلى قائمة “الفوبيات” السياسية التي تحولت إلى أشباح تلاحق ساسة وجنرالات ومشتغلين في حقل السياسة الملغوم .
إنها “فوبيا ويكيليكس”، بعد أن سربت وثائق عن الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق وها هي تواصل التسريب بحيث تحولت بعض هذه الوثائق إلى صدمات متعاقبة، ويتزامن هذا التسريب للوثائق ذات الصلة بالمخابرات الأمريكية والبنتاغون والنظم المحلية مع ما نشره كاتب فرنسي عما أطلق عليه “أسرار الرؤساء”، بحيث أصابت سهامه وزراء سابقين وجنرالات وصانعي قرار منهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال مدرجاً على قائمة المساءلة، سواء كانت شعبية أخلاقية أو قانونية دولية .
إن مثل هذه الوثائق والكتب تبدو جاذبة للقراء والفضوليين بشكل خاص أكثر من أية كتب أخرى تتعلق بالمعرفة أو التنمية الإنسانية لأنها تتضمن بعداً بوليسياً في الحبكة الروائية للتقارير، وبها أيضاً قدر من النميمة سواء كانت سياسية أو دبلوماسية، وهذا أمر يروق لبعض الناس، حتى لو لم يترتب عليه فعل أو موقف .
لقد سبق أن أصدر كاتبان فرنسيان اثنين من أكثر الكتب مبيعاً أو ما يسمى في اقتصادات النشر “البست سيلر”، أحدهما كان عن حرب الخليج الثانية، وهو أشبه بسيناريوهات متخيلة عن تلك الحرب، ومنها اللقاء المطول بين السفيرة الأمريكية غلاسبي وصدام حسين .
وقد أظهر المؤلف نفسه عبر ذلك السيناريو الأصلح للسينما منه إلى التاريخ كما لو أنه ثالث الاثنين، الذي جلس في الزاوية صامتاً كتمثال لكن ليرصد ويسجل كل ما سمع .
والكتاب الآخر المنافس لهذا الكتاب هو التكذيب العلمي الذي قدمه مؤلف فرنسي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، لكن سرعان ما أصبحت هذه العائلة من الكتب المثيرة في عداد الماضي لأن الأحداث المتسارعة التي أعقبت ما تحدثا عنه تجاوزت الواقعة، تماماً كما أن الطفل الذي يصاب بالحمى قد تلتهب سحاياه وبذلك تنقطع النتيجة الثانية المترتبة على الأولى عن المقدمات والأسباب .
إن كل ما ينشر أو يبث على مدار الساعة حول أحداث جسام عصفت بالعقد الأول من هذا القرن بدأ يتحول إلى سلسلة من الفوبيات أو الفزاعات لمن اعتقدوا أنه لا تزال هناك ملفات سرية، أو أن بعض أسرار الحروب تدفن مع جنرالاتها ومن أشعلوها .
تندرج هذه الفوبيات أيضاً تحت عنوان ساطع، هو الشفافية، فالجدران الآن من زجاج وليست من حديد وإسمنت وفولاذ وما أخفاه الليل تظهره الشمس منذ لحظة شروقها، وهذا كله متعلق بما بلغته الميديا من تطور مشحون بهاجس الكشف وإرضاء الفضول الذي تشحذه لدى الرأي العام في كل مكان .
لكن هناك تحفظات على هذه الشفافية المفرطة التي تكشف النخاع تحت الجلد والعظم منها مثلاً أن الميتا استراتيجية وما يسمى الأنثربولوجيا السياسية الحديثة قد تكونا أسلوباً جديداً في الكشف عن أسرار مهمة لكن من أجل إخفاء أسرار أهم منها، تماماً كما قال علماء النفس عن مذكرات جان جاك روسو أو القديس أوغسطين فرغم الاعترافات الصارخة التي وردت في مذكرات كل منهما، علق أحد علماء النفس قائلاً: إن ما اعترفا به كان موظفاً لصالح إخفاء ما تكتما عليه وهو الأهم بكثير .
بعيداً عن هذه السجالات الأشبه بلعبة ذكاء اختبارية أو لعبة شطرنج سياسية فإن ما يرشح من كتابات ومراكز رصد لافتضاح المسكوت عنه قد بدأ يتحول بالفعل إلى “فوبيا”، فمن ظن أن سره سوف يدفن معه، بدأ يتحسس رأسه ويخشى من ضبطه متلبساً بكل ما اقترف .
الحليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى