ما يحدث في لبنان

من نتائج مؤتمر الدوحة…الأمن في لبنان مقابل السلام في الجولان!

null


سليم نصّار

من العبارات المأثورة التي يرددها وزير خارجية لبنان السابق فيليب تقلا، نقلاً عن الرئيس الفرنسي شارل ديغول، قوله: إن القضايا الشائكة تكتفي بالمعالجة الموقتة لأن حلولها مستعصية.

وفي حديثه عن أزمات لبنان، قال ديغول إن البلد الذي أحبه دخل قائمة البلدان التي يمكن معالجة نزاعاتها، وإنما يصعب ايجاد الحلول النهائية لها مثل فلسطين وكشمير.

بعد مخاض عسير استمر خمسة ايام، توصلت الوفود اللبنانية الأربعة في الدوحة إلى صوغ معالجات موقتة أنهت الخلافات المتراكمة منذ صيف 2006. أي أن اللجنة العربية التي رعت جلسات مؤتمر الحوار الوطني اللبناني برئاسة الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، تحاشت الدخول في متاهات البحث عن حلول نهائية يصعب الاتفاق عليها أو العمل على تنفيذها. والسبب أن لبنان رفض الدخول في بازار التسوية مع إسرائيل، وقرر أن يكون آخر دولة عربية توقع اتفاقية سلام مع دولة اليهود. ومعنى هذا أن التسويات المتعلقة بالأمن الداخلي ستبقى محصورة في حدود المعالجات الموقتة بانتظار الحلول النهائية الخاضعة لظروف الانفراج الاقليمي.

الخلاف حول أولويات التسوية الداخلية ظهر خلال الجلسة الأولى من الاجتماعات عندما اثار الدكتور سمير جعجع (القوات اللبنانية) موضوع سلاح «حزب الله». وأيده في هذا الطرح رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري، الذي دعا في كلمته إلى أهمية حصر سلاح المقاومة بمقاومة إسرائيل، لا بالانحراف عن الخط المرسوم لها، بحيث تستخدم السلاح ضد المواطنين.

موفد «حزب الله» النائب محمد رعد، طالب أعضاء الوفود الأربعة بضرورة التقيد بشروط المشاركة، مذكراً بأن البحث يجب ألا يتعدى نقطتين تتعلقان بحكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخابات. وكان في رده يستند إلى العناوين التي استقبل بها نائب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم رئيس وزراء قطر في بيروت، عندما حدد المشاكل القابلة للمراجعة بخمس: 1- الاتفاق على شكل حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخابات 2- القبول بتسوية تعتمد صيغة لا غالب ولا مغلوب. 3- الامتناع عن استخدام السلاح في المعارك السياسية الداخلية انسجاماً مع توصيات الطائف. 4- القبول بالمشاركة في الحكم والاعتراف بالآخر حسب مبدأ الديموقراطية التوافقية. 5- رئاسة الجمهورية محسومة للعماد ميشال سليمان.

وكان من الطبيعي أن يفاجأ العماد ميشال عون بمثل هذا التصريح في وقت توقع من «حزب الله» دعمه في مطلب تأجيل انتخاب رئيس الجمهورية إلى المرحلة الأخيرة. وربما كان يرمي من وراء عملية التأجيل تأمين مساندة سورية وإيران والنواب الذين يتأثرون بتوجيهاتهما.

عندما وصل النقاش حول موضوع سلاح المقاومة حداً خشي معه الشيخ حمد بن جاسم من نسف المؤتمر، تدخل في لحظات التوتر ليطلب تأجيل البحث. واقترح عرض هذه المشكلة داخل مؤتمر خاص يرعاه الرئيس الجديد العماد ميشال سليمان. ومن المتوقع أن تكون هذه الرعاية محايدة وموضوعية على اعتبار أن العماد سليمان يؤمن بحق تحرير الوطن، مثلما يؤمن بدور الجيش الوطني في تأدية هذا الواجب. وقد عبّر في حالات شتى عن رغبته في ابقاء الجيش خارج دائرة النزاعات الداخلية، رافضاً انحيازه لأي فريق حرصاً على تماسكه. وعندما سأله وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد ولش، عن الخط الذي يختاره في حال شكلت المعارضة حكومة ثانية، أجابه بأنه سيحيدّ الجيش. ولما كرر ولش السؤال، ذكّره العماد سليمان بتجارب سابقة أدت الى انفراط الجيش، وأبلغه بأنه لا يستطيع تجاهل موقف أكثر من ثلاثين في المئة من الشعب اللبناني.

تتوقع جماعة 14 آذار أن ينعقد المؤتمر الخاص بسلاح المقاومة عقب انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش واعتماد سياسة خارجية أميركية منسجمة مع خطب المرشحين من الحزبين. وربما تساعد المفاوضات السورية – الاسرائيلية حول مستقبل الجولان، في وضع استراتيجية دفاعية جديدة يشارك الجيش اللبناني في رسم اطارها. وقد عهدت الأكثرية الى فريق من أصحاب الاختصاص مهمة وضع دراسة شاملة عن مستقبل لبنان في ضوء نموذجين: الأول، نموذج أثينا التاريخية مع كل ما يترتب عن اعتماده من نتائج ثقافية واجتماعية وأمنية وسياحية وعمرانية. والثاني، نموذج «سبارطة» مع كل ما يتولد عنه من ضرورة تحويل لبنان الى مجتمع حرب خال من المطاعم والفنادق ومجمعات سوليدير وشارع «مونو» ومنتجعات زحلة وشتورا وبحمدون وعاليه وعجلتون وبرمانا واهدن والخمارات وبرامج الترفيه في التلفزيونات. ويرى فريق الأكثرية الذي تعرض للرصاص والقنابل لأسباب سياسية، انه من المتعذر العيش داخل مجتمعين متناقضين، وأن الحاجة تقضي بضرورة تحديد دور لبنان في محيطه العربي!

يقول المراقبون إن نتائج مؤتمر الدوحة فاجأت حتى رعاة الحوار بدليل أن الاتصالات مع دمشق أثمرت الاتفاق الذي رافق تطوراته الرئيس نبيه بري. وعليه يرى العماد ميشال عون أن المنتصر الحقيقي هو لبنان… وشعب لبنان. بينما يرى نواب الأكثرية أن وفدهم لم يعرف كيف ينتزع مطالبه، بل تصرف كفريق مغلوب أمام فريق غالب. وظهر هذا التراجع جلياً من خلال تقسيم بيروت لصالح ميشال عون وميشال المر. كذلك من خلال منح جماعة 8 آذار، قوة الثلث المعطل (الضامن) داخل الحكومة، الأمر الذي رفضه الرئيس فؤاد السنيورة في السابق.

يبقى السؤال المهم محصوراً بالدوافع الحقيقية التي شجعت سورية على تشجيع أنصارها للقبول بالاتفاق؟

المحللون يعزون هذا التغيير المفاجئ الى وصول وساطة تركيا بشأن مرتفعات الجولان، حد المفاوضات المباشرة، الأمر الذي انعكس بشكل واسع على مؤتمر الدوحة، وعلى الوضع السياسي في غزة، وعلى عودة الأمن الى مدينة الصدر في بغداد. ومن المؤكد أن هذه الانفراجات شكلت الدليل القاطع لما يمكن أن تفعله سورية في حال وافقت اسرائيل على الانسحاب الكامل من هضبة الجولان.

مع إعلان ايهود اولمرت آخر الشهر الماضي، عن تعهده بالانسحاب الكامل من الجولان، عقد الرئيس بشار الأسد اجتماعاً موسعاً ضم كبار قادة الحزب والجيش، إضافة الى عدد من منظّري النظام. أي انه قلد والده عشية اتخاذ القرار حول مسألة المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام. ولما تمت الموافقة على اعطاء الضوء الأخضر لوساطة الحكومة التركية، سارع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان للانتقال الى دمشق بحجة المشاركة في مؤتمر اقتصادي. وذُكر في حينه ان سورية وضعت بعض الشروط قبل الإعلان عن بدء التفاوض: أولاً- ضرورة إصدار بيان رسمي علني يؤكد استعداد اسرائيل للانسحاب من كل الجولان. ثانياً- الإقرار بأن المفاوضات لن تبدأ من الصفر، بل من النقطة التي توقفت عندها محادثات قمة جنيف بين الرئيس حافظ الأسد ونظيره الأميركي بيل كلينتون (26 آذار – مارس 2000). ثالثاً- تصر سورية على تحديد جدول زمني لإكمال الانسحاب من كل المرتفعات.

كتبت صحف أنقرة تقول ان الوساطة التركية دخلت مرحلة جدية، خصوصاً بعد تسليم الوثائق الضرورية الى وزير الخارجية علي باباجان وسفير تركيا لدى اسرائيل ثاميك تان. والدليل على ذلك ان الأحزاب الدينية والسياسية شنت حملات شرسة ضد أولمرت لأن الجولان في نظرها، أهدأ من سيناء. وهي ترى ان اتفاقية فصل القوات قد وفرت لاسرائيل سلاماً من دون شروط منذ سنة 1974. وهكذا قيض لها ان تمتلك الأرض والاستقرار معاً. ومثل هذا النموذج يبقى الأكثر تطوراً إذا ما قيس بنموذج السلام مع مصر أو الاردن.

مرة أخرى يتساءل اللبنانيون عن مصير اتفاق الدوحة في حال فشلت الوساطة التركية: هل يفضي هذا التغيير الاقليمي الى تأجيج الشارع اللبناني مرة ثانية من أجل نقض كل ما اتفق عليه؟!

يستبعد الديبلوماسيون في بيروت عودة الأجواء الأمنية الملبدة الى ما كانت عليه قبل منتصف هذا الشهر، حتى لو فشلت الوساطة التركية حول الجولان. والسبب في تصورهم، ان الاتفاق الذي وقعّه كل شركاء الحكم، سيتطور وينمو الى الأحسن لأنه مستمد من رغبة الناس وتشوقهم الى الأمن والهدوء والاستقرار. كما هو مستمد من تشجيع دول العالم قاطبة على اعطاء اللبنانيين فسحة من الراحة يلملمون خلالها شظايا وطنهم المستباح.

إضافة الى مزايا تبدل المناخ السياسي، فإن عودة تفعيل المؤسسات الرسمية – بدءاً برئاسة الجمهورية… مروراً بحكومة الوحدة الوطنية… وانتهاء بمجلس النواب – كل هذه المظاهر المعطلة، هي الحصانة ضد عودة تجميد نشاط الدولة لصالح الشرذمة السياسية والفلتان الأمني والفوضى الاقتصادية، وقد يكون من المفيد التذكير بعبارة رددتها سيدة لبنانية شوهدت تبكي من الفرح، وهي تنزل اللعنات على زعماء البلاد، بأن سعادتها بعودة الوفاق والأمن لا تعادل سخطها وغضبها على الذين حرموا الناس من نعمة الاستمتاع ببهجة الأمن والاستقرار!

كاتب وصحافي لبناني

الحياة – 24/05/08

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى