صفحات ثقافية

مهرجان دمشق المسرحي الـ ١٥: عروض للهواة

null
راشد عيسى
لم يتوقف الجمهور طويلاً عند حفل افتتاح مهرجان دمشق المسرحي في دورته الخامسة عشرة مساء السبت، رغم مطالبة البعض بأن يكون على الأقل بمستوى افتتاح مهرجان السينما، وقد قال البعض إن كان افتتاح مهرجان السينما يسعى إلى مقاربة مسرحية، فما بال مهرجان المسرح لا يفعل؟
لم نتوقف طويلاً عند العرض المضجر الذي أخذ حيزاً من الافتتاح، وهو «الإلياذة الكنعانية» (نص محمود عبد الكريم وكريغراف ناصر ابراهيم وأداء فرقة أورنينا) العرض الراقص الذي قُدم واستهلك هنا وهناك، فقد أصبحت كل المهرجانات السورية، من مهرجانات القطن إلى السينما والمسرح تغلف بهمروجة الرقص، وكله عند السوريين «إنانا»، الفرقة التي طبعت بأسلوبها معظم عروض الرقص.
أراد الجمهور أن يدلف فوراً وبشغف إلى العروض فغصت بعض صالات المسارح بجمهور قلما نشهده في مسرح. ذلك رغم الغياب البارز لأسماء مسرحية سورية وعربية عن المهرجان الذي غالباً ما يشكل صورة للمسرح العربي. لا حضور قوياً للتوانسة بغياب الفاضل الجعايبي وتوفيق الجبالي، ولا عربياً بغياب جواد الأسدي وحسن جريتلي، ولا سورياً بغياب نائة الأطرش وغسان مسعود وفايز قزق، وكل هؤلاء على سبيل المثال. بل من الواضح أن بعض الأسماء السوري استنكفت ترفعاً عن مهرجان أقرب بأسمائه وعروضه وفعالياته إلى مهرجان للهواة.
لكن إدارة المهرجان وإعلامييه أرادوا أن يعطوا انطباعاً مغايراً، حيث احتوت نشرة المهرجان «المنصة» على عدد من الأسماء على أنها من ضيوف المهرجان من دون أن نعثر علي أي منهم، من أبرزهم عباس بيضون وبول شاوول وتوفيق الجبالي وجواد الأسدي ومحمد إدريس ومحمد صبحي وسواهم.
33 عرضاً
يضم المهرجان 33 عرضاً مسرحياً من 19 دولة عربية وأجنبية. ومن أبرز تظاهرات المهرجان «تظاهرة المنصة المسرحية لحوض المتوسط»، وفيها خمسة عروض هي العرض الفرنسي التونسي الراقص «حتى إليّ يعود» كريوغراف جانفيف مازن وإيمان سماوي، والعرض التركي «مكان في وسط الدنيا» لمحمد نور الله تونجار، واللبناني «ماشي أون لاين» للبنانية خلود ناصر، والقبرصي «باشا» للمخرج أندرياس كريستودوليدس، والسوري «نيجاتيف» نص وإخراج نضال سيجري.
هذه التظاهرة، على ما قال منظموها، هي إعلان مبدئي فقط، على أمل أن تتحول مستقبلاً إلى مهرجان مستقل يعنى بهموم الشباب، ويشكل مسرحاً منفتحاً لا ينصاع لضوابط مهرجان كمهرجان دمشق، الذي رفض بالفعل بعض العروض التي قدمت إليه لإدراجها ضمن التظاهرة.
وهناك أيضاً مجموعة عروض المسرح السوري التي تشكل اثني عشر عرضاً، من بينها «حكاية بلا نهاية» تأليف أسعد فضة للمخرج لؤي شانا، و«حكاية علاء الدين» تأليف كفاح الخوص من إخراج أسامة حلال، و«لحظة» نص وإخراج رغدة شعراني، و«كلاكيت» نص وإخراج تامر العربيد، و«قصة حديقة الحيوان» نص ادوارد ألبي وإخراج رأفت الزاقوت، و«ليلة القتلة» نص الكوبي خوسيه تريانا وإخراج مأمون الخطيب، و«راشامون» لحازم زيدان، و«الآلية» نص الكاتبة الأميركية الراحلة صوفي تريدويل من إخراج مانويل جيجي، و«بيت بلا شرفات» نص وإخراج هشام كفارنة.
أما العروض العربية والأجنبية، فهي السعودي «كنا صديقين» لفهد ردة الحارثي، والقطري «أنا أنت الإنسان» لفهد الباكر، والإماراتي «سلوقي» لحسن رجب، ومن تونس «حقائب» للمخرج جعفر القاسمي، ومن المغرب «طعم الطين» لعبد المجيد شكير، ومن لبنان «مساحات أخرى» لجنى الحسن، إلى جانب «ماشي أون لاين» لخلود ناصر، ومن العراق «كامب» من إخراج مهند هادي وعرض «صدى» لحاتم عودة، ومن السودان «ماستابا الرقصة الأخيرة» لعطا شمس الدين، ومن مصر «صحوة الربيع» لليلى سليمان، ومن فلسطين «هبوط اضطراري» لمسرح القصبة، ومن الكويت «دراما الشحادين» لعبد العزيز صقر، ومن ليبيا «فليسقط شكسبير» لمحمد الصادق، ومن الجزائر «شظايا» لحسان عسوس. إلى جانب أربعة عروض أجنبية، من السويد «مع الاحتفاظ بالشرف» من إخراج سيفين هولم، ومن بريطانيا عرض «لا فكرة» للي سيمبسون، إلى جانب العرضين القبرصي والتركي.
سيليكون
في برنامج الأحد أدرجت أربعة عروض، السوريان «راجعين» و«أناس الليل»، والقطري، والسعودي، وهو بحسب دليل العروض عن «علاقة شائكة بين صديقين حملا مشروعاً مسرحياً، غير أن الرياح هبت لتذهب بأحدهما نحو الشهرة من تلفزيون وسينما، بينما ظل الآخر سجين مشروعه المسرحي».
عرض «راجعين» لأيمن زيدان مأخوذ عن قصة الجزائري الطاهر وطار «الشهداء يعودون هذا الأسبوع»، القصة التي كتبها الأدريب الجزائري الراحل بعيد استقلال الجزائر، مسلطاً الضوء على الانتهازيين والفاسدين الذين انقضوا على منجزات الثورة وأحلام الشهداء، غير أن الفنان السوري يسحب الحكاية إلى ما بعد حرب تشرين 1973، مؤثراً تمجيد الشهداء وتمجيد مفهوم التضحية، في إطار عرض كوميدي غنائي يجنح نحو الخطابة في كثير من مواضعه، على رغم انطوائه على نظرة نقدية للمجتمع السوري ما بعد حرب تشرين، ولكنه بذلك، أي ببقائه في ما بعد حرب تشرين، يتخلى العرض عن أبرز مقومات العرض المسرحي، ونعني بها الانتماء إلى الهموم الراهنة والإشكاليات المعاصرة (انظر «السفير» 20 تشرين أول 2010).
«أناس الليل» من إخراج العراقي المقيم في دمشق باسم قهار، وهو مأخوذ عن رواية الطاهر بن جلون «ليلة القدر»، والمسرحية تحكي عن «أعمى يقع في حب امرأة كانت، ولـ 23 سنة تجبر على أن تكون رجلاً»، وكما يقول دليل العرض فإنها «قصة حب يختلط فيها الضوء مع العتمة، الذكر والأنثى، اليأس والأمل، ليل طويل لا نهاية له، ولا يعرف الضوء لكنه يبصر الحب».
ورغم قوة الإخراج وراء العرض، والإضاءة الجميلة التي رسمت مشهداًَ تشكيلياً أنيقاً، فإن العرض بدا إذاعياً إلى حد كبير، وقد يعود السبب في ذلك سوء استخدام الموسيقى التي كانت بضع جمل موسيقية تكررت إلى نهاية العرض، تظهر وتخفت بالتناوب مع كلام الشخصيات، الكلام المكتوب ببلاغة لغوية وإنشائية بدت ذات وقع ثقيل.
عرض «سيليكون» لعبد المنعم عمايري، أدرج بخجل ضمن عروض المهرجان، حيث تجده في بعض المنشورات ومختفيا في سواها. والعمل هو مشروع التخرج الأول لطلبة المعهد العالي للفنون المسرحية. نص كتبه عمايري عن فكرة لأمل عرفة. وهو يتطرق لحكاية زوجين يحتفلان بعيد زواجهما العاشر، لكنهما يقرران القيام بلعبة أثناء الحفل من خلال إعلانهما الطلاق، لكن سرعان ما تصبح اللعبة حقيقة واقعة، نكشف خلالهما لا الأصدقاء وحسب، بل نعرف الزوجين نفسيهما، ومقدار النفاق الذي تنطوي عليه حياتهما الزوجية، في الوقت الذي يصران فيه على الاحتفال بها، وإظهارها على أنها حياة زوجية مثالية.
العرض كله يقوم على هذا المفارقات التي تنشأ عن النفاق (وما السيليكون سوى رمز لهذا النفاق)، حيث مديح الميت، وهجاؤه، الرغبة بالزواج والتعفف عنه، ادعاء التحضر واللجوء في الظل إلى سحر السحرة.. كل ذلك عبر شخصيات وأنماط كوميدية في عرض خفيف الظل، وبرع في تقديم الطلاب ومواهبهم، وهي المهمة الأبرز لمشروع تخرج للطلاب، ويمكن القول إن أربعة على الأقل من هؤلاء الطلاب سيكون لهم شأن في عالم التمثيل.
من عروض مهرجان دمشق المسرحي الـ15
المسرح يتفاعل مع الشارع والرقص بلا جمهور
حققت بعض عروض «مهرجان دمشق للفنون المسرحية» حضوراً استثنائياً على مستوى الجمهور، خصوصاً العرضين السوريين «حكاية علاء الدين» لأسامة حلال، و«لحظة» لرغدة الشعراني. الأول سبق أن عرض في دمشق محققاً حضوراً طيباً وسمعة حشدت له جمهوراً كبيراً، والثاني يعرض لأول مرة، لكن سبق أن حققت عروض سابقة لهذه المخرجة الشابة فرجة مماثلة.
عرض الشعراني يبدو كأنه استمرار لتجارب سابقة، حيث التعرض لمشاكل الشباب الراهنة، لكن الأهم من ذلك الاعتماد الكبير على حشد العديد من عناصر الفرجة المسرحية، من فيلم سينمائي محضر سابقاً، إلى كاميرا فيديو مقيمة على الخشبة وتعرض فوراً على الشاشة، إلى الموسيقى والغناء الحي، الرقص، الروي، الكلمات المكتوبة على خلفية المسرح بين جزء وآخر من العرض، وفي النهاية قصص الحب، التي لا غنى عنها لمسرح وجمهور شاب. ومع هذا العرض الذي يقدم للمرة الأولى يحتاج المرء إلى مشاهدة هادئة، بعيداً عن صخب المهرجان.
أما عرض «حكاية علاء الدين» فيبدو أنه قرر واختار أن يرى في المسرح نوعاًَ من اللعب الحر، والمتعة. ومن الواضح أنه أراد نوعاً من المسرح يغازل الفرجة الشعبية، فهو أولاً عاد إلى حكاية «علاء الدين» من حكايات «ألف ليلة وليلة»، ثم وضع فرقة موسيقية لتقدم عزفاً حياً على الخشبة، فرقة لم تكن بمعزل عن أحداث المسرحية، حيث الموسيقيون في تفاعل دائم وتواصل مع الممثلين. اللافت في النص الذي كتبه كفاح الخوص أنه مصوغ بطريقة منقرضة في القول، ونعني لغة المقامات الأدبية التي صارت من الماضي، فإلى أي حد يعتني المزاج الشعبي اليوم بتلك اللغة. فإذا كان القصد من تلك اللغة الاقتراب أكثر من فرجة شعبية، فكيف ذلك والعرض يقرر أن يقدم علاء الدين معاصراً، بل بعيداً عن صورته الأسطورية ليبدو كائناً بشرياً هشاً وخائفاً، وليكشف من جهة أخرى كم يحتاج الناس للأسطورة، وكم يسهمون في تصنيعها.
العرض التونسي «حقائب» تجربة المخرج جعفر القاسمي الفائزة بالجائزة الكبرى لـ«مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي»، حصد إعجاب المتفرجين من دون عناصر وأدوات إبهار، سوى أداء الممثلين العزّل على الخشبة، الذين قدموا بحثاً في أحوال الممثل المسرحي، ولذلك اختلط العرض بين الواقع، واقع ممثلي المسرح البائسين، والمخيلة المسرحية التي تستحضر على الخشبة مشاهد من مسرحيات كبرى، وشخصيات كأنتيجون وميديا وعطيل وسواهم. تؤكد تجربة القاسمي أن المسرح التونسي ما زال مستمراً، وهو الذي يعمل في إطار «فرقة المسرح الوطني» التي يديرها محمد إدريس، في التأسيس على تجارب المسرحيين التوانسة الأول، التجارب الفريدة التي صارت علامات في المسرح العربي قبل التونسي.
هذا التداخل بين الواقع والمسرح سنجده في العرض الكويتي «دراما الشحادين» نص بدر محارب وإخراج عبد العزيز صفر. وهو يحكي عن متسولين يجتمعون في مكان مهمل، وهو مسرح قديم متهالك. وبالمصادفة يدخل إلى المكان رجل شرطة يطارد لصاً، فيحاول هؤلاء المتسولون إقناع الشرطي بأنهم، بثيابهم الممزقة، يتدربون على عمل مسرحي. هذا ما جادت به قريحة أحدهم، المتسول الذي عمل من قبل ممثلاً مسرحياً. هكذا سيرتجل هؤلاء مضطرين مشهداً من «هاملت»، فتأتي المسرحية الشكسبيرية نسخة هزلية من تلك التراجيديا.
لكن سرعان ما تفلت الأمور من أيدي المتسولين، يبدأون بالشجار في ما بينهم، فيظن الشرطي أن الشجار مجرد تدريب، ويروح هو كمراقب يصحح لهم بعض المشاهد والحلول الإخراجية. هكذا إلى ان يصل الأمر إلى القتل، فيظن الشرطي المغفل أنه يشاهد قتلاً مسرحياً مزيفاً، بل ينصح، بخبرته الجنائية أن يقدموا مشهد القتل بصورة أكثر أصالة، ويمضي، هو الذي شهد أمامه كل عملية القتل. هكذا يمر العرض بلطف ومرح، وخفة ظل.
نحت وارتجال
عرض العراقي مهند هادي «كامب»، الذي قدم من قبل في دمشق وعمان والجزائر، يبحث في أحوال العراق ما بعد الحرب، عبر لقاء لرجل وامرأة عراقيين يلتقيان في مكاتب الأمم المتحدة للاجئين في دمشق، الأول يريد أن يبقى قريباً من بغداد ليعود حين تسنح الفرصة المواتية، بينما المرأة لم تعد تطيق أن تبقى في بلد تمضي فيه من استبداد إلى آخر. لكن وراء هذه الحكاية حكايات أخرى، قدمت في إطار بصري وحركي متماسك، وبإيقاع حار يجعل العرض العراقي واحداً من أفضل عروض المهرجان.
وفي العرض البريطاني «مافي فكرة» (No Idea) للمخرج لي سيمبسون سنجد أنفسنا في مواجهة امرأتين، إحداهما تستخدم كرسي الإعاقة، تنزلان إلى الشارع من أجل عمل مسرحي مستوحى من الناس، من دون أي فكرة مسبقة. لذلك تطلبان من الناس أن يتخيلوا ما الفكرة وعم يجب أن تدور مسرحيتهما، تسجلان ما تحصلان عليه من إجابات.
تقول ليزا هموند، امرأة الكرسي، والتي تحمل اسمها ووضعها نفسه في الحياة إلى المسرح «عندما يراني شخص، ماذا يرى فعلاً؟ ما هي الافتراضات التي يبديها عن شخصيتي وقدراتي؟ وما هي تخيلاتي في المقابل عما يخطر على باله عندما يراني؟ وإذا قمت، على الأقل من جانبي، بتشكيل شخصيتي وفقاً للطريقة التي يراني بها الناس حسب تخيلي، فهل أنا تعبير خارجي عن نفسي الداخلية، أم مجرد مجموعة من الاستجابات لردود فعل الآخرين تجاهي؟».
الأساس في العرض هو استكشاف نظرة الناس للإعاقة، لكن العمل يقدم بطرافة ومرح، من دون أي أثر ميلودرامي، ولكن باعتماد كبير على الكلام، إذ يصعب الحديث هنا عن فرجة مسرحية.
وبالنسبة لعروض الرقص لم تستطع أن تجذب الجمهور، بل سرعان ما انفض عنها، بدءاً من «حتى يعود إليّ» كريوغراف جانفيف مازن وإيمان سماوي. والمسرحية «تجسد الحقيقة من خلال مواجهة الصورة المصنوعة بأبعاد إنسانية والتي بدورها ستواجه الراقصتين»، ولكن لندع ذلك جانباً، إذ ما من طريقة للاستمتاع بهذا العرض الفرنسي التونسي إلا بتخليصه من أي حمولة فكرية أو معنى، في النظر إليه كرقص وحسب، بل كوضعيات نحتية متتالية. إذا كان هذا الأمر ممكناً مع ذلك العرض، فقلد بدا مستحيلاً مع عرض اللبنانية جنى الحسن «مساحات أخرى» الذي يقدمه «محترف نقش» باعتباره «نموذجاً جديداً لتجربة الحركة الراقصة الدرامية التي تربط سلوك الشخصيات بالحدث في الفضاء الدرامي»، بدا العرض عسيراً وغير قابل للفهم أو للهضم، ولعلها واحدة من المرات القليلة التي يعبر فيها الجمهور عن رأيه عبر الانسحاب بعد إقبال كبير.

(دمشق)
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى