الديمقراطي اللئيم.. ابن الإيه
خطيب بدلة
انتهى فصل الصيف، وجاء فصلُ الخريف بورقه الأصفر الذي لم يسبق لشاعر قبل جوزيف حرب أن غنى له برقة وعذوبة، متناغماً مع صوت فيروز الملائكي وألحان فيلمون وهبي الشجية… وظن الكثيرون من الناس أن الحصرم قد أصبح عنباً جاهزاً للعَصر والتقطير، وهو الذي غنت له فيروز: (أواخرُ الصيف آن الكرمُ يعتصرُ)..
هؤلاء الناس الأوادم لا يعرفون أنني، أنا خادمكم ومحسوبكم، قد خبأتُ كمية من الحصرم الحامض في الثلاجة، وتركتها- كما يقول الفلاحون- لغدرات الزمان.. وبمجرد ما شاهدتُ، على شاشة الفضائية المصرية، ضمن برنامج ‘مصر النهارده’ منظرَ البلطجية الذين يعملون لصالح مرشحي النيابة في شقيقتنا الكبرى مصر، أخرجتُ حصرماتي وشرعت أفقؤها بمعدل حصرمة واحدة في عين كل واحد من أصحابي ومعارفي الذين يزعمون أن الديمقراطية غائبة عن المجتمعات العربية والإسلامية!.. ورحتُ أقول لكل واحد منهم، بعد أن أخذ ينط ولا يحط من لهيب ماء الحصرم الحامض في مقلتيه، مستعيراً لغة البلد الذي يحصل فيه الحدث:
بص.. يا فندم.. وشوف، الديمقراطية بتعمل إيه!
إن هؤلاء الأصحاب والمعارف الذين يصلون الليل بالنهار وهم يتباكون على الديمقراطية، و’ينقون’ لأجلها مثل الضفادع، يعتقدون أن الحصول عليها، وتطبيقها، أمر يسير، مثل شرب الماء والصلاة على النبي العدنان، ناسين، أو متناسين أن الديمقراطية مثل الشرف الرفيع الذي لا يسلم من الأذى- كما قال الشاعر- حتى يُـراقَ على جوانبـه الدمُ.. علماً أن معظمنا نحن العربان قد فهمنا من هذا البيت أن الدم المقصود هو دماء العذارى اللواتي يستجبن لفحولتنا العارمة، أو دماء شقيقاتنا اللواتي نذبحهن ذبح النعاج إذا بدرت عن إحداهن رفةُ هدب واحدة خارج الطريق المستقيم.. والله أعلم!
لقد تحدث مقدما برنامج ‘مصر النهار ده’ السيدان خيري رمضان ومنى الشرقاوي عن تجليات أخرى للفعل الديمقراطي الضارب أطنابه في شوارع المدن والأمصار العربية، ومنها مصر الشقيقة الكبرى، تجليات تدلُّ، دلالة قاطعة، على دخول المرأة في ميدان هذا الفعل السياسي الديمقراطي، فهي لم تعد سلبية منفعلة، كالأمرأتين اللتين استأجرهما رجلان ثريان وذهبا بهما، في سيارة أحدهما، نحو الفيلا التي اشتراها والده (الذي بذره) من عرق جبينه، أو من واردات نضاله ضد الاستعمار والإمبريالية والصهيونية والرجعية، لكي يفعلا بهما الفعلة التي تؤدي إلى زرع العروبة في رحميهما، فاعترض طريقهم رجلان مسلحان شرسان، أرادا أن يخلصا الإمرأتين من الشابين، ودارت بين الرجال الأربعة معركة طاحنة جعلت إحدى الامرأتين تخاف وتبكي، فلكزتها رفيقتها وطلبت منها أن تكفكف دموعها، وساقت لها حجة لا تخر الماء إذ قالت لها:
– نحن أيش فارقة معنا يا حبيبتي؟ الفريق المنتصر، كائناً من كان، سوف يأخذنا إلى مزرعة الذي خَلَّفه و(يفعل) بنا!
إذن، لقد حققت المرأة في شقيقتنا الكبرى مصر المساواة التامة مع الرجل في مجال البلطجة، إذ ضبطت الشرطة عدداً من السيدات الفتوَّات، الحرفوشات، المسلحات بالسكاكين والشنتيانات وبكوس الحديد وقرون الماعز المدببة، اللواتي يعملن لصالح بعض المرشحين الأفذاذ.
الشيء الجميل، الطريف، الممتع، المُطَمْئِن، في هذا الأمر، أن السيدات البلطجيات الحرات، والسادة البلطجية الأحرار، لم يقوموا بأي فعل عدواني تجاه أعوان المرشحين الآخرين بالمجان، أو من قبيل السخرة، أو بالموانة، بل إن عملهم هذا قد تحول إلى عمل منتج، مدفوع الأجر، فالسباب العادي على المرشح الآخر- كما ذكر الأستاذ خيري رمضان- له سعر، والسباب من عيار أقوى الذي يُحْدث لدى المسبوب ألماً نفسياً مبرحاً، له سعر، والضرب بالأيدي، والضرب بالمطاوي، أو بالشوما، أو ببكوس الحديد.. بسعر.. التشطيب بسعر، وإحداث عاهة دائمة بسعر أعلى بكثير..
وبهذا، كما يرى علماء الاقتصاد، لا تكون قضية العدوان على المرشحين الآخرين، وأعوانهم، مجرد تجلٍّ من تجليات الديمقراطية العربية، وما أكثر تجلياتها! بل ستتحول إلى فعل اقتصادي منتج. ويجدر بواضعي الخطط الاقتصادية، وفريق الموازنة العامة، وفريق الميزانية الختامية للدولة، أن يأخذوا إيرادات فعل البلطجة، ونفقاته، بعين الاعتبار، فهو، يا حبيب، ليس عملاً للتسلية، أو عملاً يؤدى إكراماً لخاطر فلان وعلان وعلاك البان، بل هو (باب رزق)، وأكل عيش، ومهنة جديدة، سيكون لها في المستقبل نقابة تحمي أعضاءها من الظلم، مثل نقابات الـ (gay) والسحاقيات الشائعة في المجتمعات الغربية الكافرة.
وعلى كل حال، لو يسمع أولو الأمر في مصر وغيرها من لحيتي التي ما نصحتْ أحداً إلا وخربت بيته، لتخلوا عن الانتخابات من عين أصلها، ولجؤوا إلى تعيين أعضاء البرلمان تعييناً، فهو أحسن وأسلم، وأقل وجعاً للدماغ.. والله ولي التوفيق.
تزوير في هاييتي!
وعلى سيرة الانتخابات والبلطجية والبلطجيات،.. نشير إلى خبر ملفت للانتباه أذاعته ‘الجزيرة’ نقلاً عن مصادر رسمية في ‘هايتي’ إذ أعلنت (هذه المصادر) عن خشيتها من احتمال تزوير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن رئيس هيئة السجل الانتخابي في هايتي ‘فليبي أغوستين’ تصريحاً توقع فيه وقوع عمليات تزوير للانتخابات على نطاق واسع، وبالتالي مصادرة نتائج الانتخابات بشكل يطعن في نزاهتها.
صدقوني يا إخوان، وأنا أصغي إلى هذا الخبر عركتُ عيني مرتين، وتفقدت آلية السمع الموجودة لدي ثلاث مرات، وشعرت وكأنني موجود في عالم آخر.. وسألتُ نفسي: معقول؟ أما يزال في العالم أناس يزورون الانتخابات؟!
وانتهيت إلى أنْ حمدتُ الله الذي خلقني ضمن رقعة البلدان العربية التي لم يعرف التزوير إليها سبيلاً، وكل أمورها المتعلقة بالديمقراطية، واحترام حقوق الناس، وتداوُل السلطات تمام في تمام.. وإن شاء الله تُضرب هاييتي، ومن يعيش في هاييتي، وسيرة هاييتي!
‘
بين العازفين واللَبِّيسة
من خلال برنامج تبثه قناة ‘الجزيرة الوثائقية’ عن الشوارع والمقاهي العربية، قدمت فقرة خاصة عن الفرقة الموسيقية التي أسسها الجاويش القبطي حسب الله سنة 1860، وكانت فرقة حسب الله، مع أنها مؤلفة من عدد قليل من العازفين البارعين، تكتسح الموقف في حفلات الزفاف والموالد والحفلات الخاصة. ولكن، ومع تقدم الزمن، شرعت تظهر في القاهرة فرق ضخمة تتألف من عدد كبير من العازفين والآلات، وقد أضيفت إليها آلات موسيقية ذات أصل غربي مستحدثة.. علماً أن حسب الله كان أول من عزف الألحان الشرقية بآلات غربية.
أحس حسب الله بالعطب، وبأن نهاية مجده قد أصبحت وشيكة، فأعمل فكره لإيجاد حل لهذه الزنقة، حتى اهتدى إلى حل لا يوجد أحلى منه، إذ أدخل عناصر جديدة إلى فرقته ليس لهم أي عمل في الفرقة سوى التواجد بلباس العازفين المميزة! وأعطى لكل واحد منهم آلة موسيقية صماء (دمية)، طالباً منهم التظاهر بالعزف، أثناء الاحتفالات، كزملائهم، وما ذلك إلا لإيهام الناس بأن فرقته تطورت وأصبحت ضخمة، كغيرها من الفرق، إن لم تكن أفضل.
والطريف في الأمر أن قائد الفرقة أصبح يخطىء بين هؤلاء الذين يمثلون أدوار العازفين، وبين العازفين الحقيقيين، فيضطر لأن يسأل الواحد منهم قائلاً:
– يا افندم، حضرتك من العازفين ولا من اللَبّيسة؟!
تأملوا في هذه الحالة قليلاً، وسوف تجدون أن حال فرقة حسب الله ينطبق على حال الأمة العربية في كل مكان، فنحن، من فرط ما اختلط الحابل في بلادنا بالنابل، ما عدنا نميز بين العازف واللابس في أي مجال! لا بل إن العازفين أصبحوا يطالبون، في كثير من الأحوال، بمساواتهم مع اللَبّيسة!
قاص وكاتب من سورية