الأخلاق في الاقتصاد الإسلاميّ كما جاء في القرآن الكريم
* زياد حافظ
هذا البحث متابعة لمحاولتنا إعادةَ النظر في أسس التحليل الاقتصاديّ بعد ما وجدناه من إخفاقاتٍ في النظريّة الاقتصاديّة الوضعيّة الكلاسيكيّة والنيوكلاسيكيّة، بل في النظريّة الاقتصاديّة الحديثة أيضًا، سواءٌ مدرسة كينز أو مدرسة فريدمان، لإيجاد حلولٍ للمشاكل التي تواجهها المجتمعاتُ “المتقدّمة” أو “الناشئة.” وما يهمنّا هو البحث عن أدوات تحليل جديدة تمكّننا من معالجة المعضلات الاقتصاديّة المزمنة كالبطالة، والتنميةِ غير المتوازنة، والفجواتِ الاقتصاديّة والاجتماعيّة بين فئةٍ قليلةٍ تمركزتْ في يدها الثروة وسائر الشرائح الباحثة عن لقمة عيش كريمة، ومكافحةِ الفقر، ناهيك بترْكِ العقل النقديّ الذي ميّزَنا من الغير1 في العصر الذهبيّ وأنتج معرفةً نُقلتْ إلى الغرب.2
إنّ ما لفت نظرنا هو وجود مخزون معلوماتٍ هائل في كتب التراث العربيّ الإسلاميّ، لكنّه مهمّش ومغيّب عن مناهج التعليم في مدارسنا وجامعتنا، وفي الغرب الذي يدّعي الموضوعيّة. وتبيَّن لنا أننا، وسائرَ الزملاء الاقتصاديين بل المثقفين العرب، ما زلنا نرزح تحت هيمنة الغزو الثقافيّ الغربيّ: فمعظمُ آليّات تفكيرنا من صنع الغرب وكأنها صاحبةُ المعرفة الحقيقيّة أو الوحيدة. أما نحن العرب، في واقعنا الحاليّ، فمثقفون غربيّون ناطقون باللغة العربيّة! ولذلك ندعو إلى إعادة قراءة التراث الذي نجهله، وإلى التحرّر من قراءاتٍ مغلوطةٍ للتراث ارتكبها منتحلو المعرفة به وفقا لأجنتدهم السياسية.3 والأنكى هو تنطّحُ بعض “المثقفين” العرب المعاصرين للدفاع عن الفكر الغربيّ كممثّل للحداثة التي “تفتقرها” المجتمعاتُ العربيّة، واتهامُهم نقد الحداثة بأنه متحالفٌ موضوعيًا مع “الظلاميّة والتقليد”!
موضوع بحثنا محاولة استشراف معايير جديدة للتحليل الاقتصاديّ، وتحديدًا دور الأخلاقيّة (ethics) ضابطًا أساسًٍا للتعامل الاقتصاديّ، بدلاً من النفعيّة (utilitarianism) المتجلّية في السعي إلى الربح أو الاستهلاك الفرديّ الأقصى وإنْ على حساب المجتمع. فالجشع الماديّ حلّ مكانَ السعي إلى الربح المشروع، وأصبح قاعدةً لمشروعيّة الربح المطلق. وسلوكُ المؤسّسات الماليّة الكبيرة في الولايات المتحدة خيرُ دليل على تبنّيها تلك القيمةَ المنحرفةَ للنشاط الاقتصاديّ وما آلت إليه من أزماتٍ لا تهدِّد تماسكَ المجتمع الأميركيّ وحده بل المجتمع العالميّ ايضًا. أما من المنظور الإسلاميّ، فـ “يُعدّ الاقتصادُ والأخلاقُ موضوعًا لا يُتنازع حوله، حيث لا اقتصاد بدون أخلاق.”4 الاقتصاد الإسلاميّ تفريعٌ على قيم الإسلام، وهي قيمٌ إنسانيّةٌ بامتياز، ولذلك فهو اقتصادٌ قيميّ، في مقابل الاقتصاد الوضعيّ الموجود في التراث والفكر الغربيين.
1 – ملاحظات تمهيديّة
كنّا قد أشرنا في بحث سابق5 إلى أنّ الاقتصاد ليس علمًا بذاته بل هو أقربُ إلى السياسة، إنْ لم يكن السياسة ولكنْ بلغة الأرقام. وإذا أردنا التعمّق في ذلك وجدنا أنّ الاقتصاد الوضعيّ، وإنْ حاول شرحَ الحياة الاقتصاديّة وربط الأحداث والظواهر بالأسباب العامّة التي تتحكّم فيها،6 قد أخفق في التنبّؤ ومعالجة الأزمات الاقتصاديّة، ما يشير إلى عدم دقّة ذلك “العلم” ويفرض علينا البحثَ عن معايير مختلفة. والحقّ أنّ النظريّات الاقتصاديّة السائدة ليست في آخر المطاف إلاّ وجهات نظر أو “طرقًا” في إنتاج الثروة وتوزيعها؛ لذا يمكن الحديث عن “المذهب الاقتصاديّ” بدلا من “العلم الاقتصاديّ.” فـ “العلم الاقتصاديّ” يزعم إبرازَ قواعد إنتاج الثروة، ولكنّه يخفق في تحقيق قاعدةٍ نظريّةٍ لتوزيع الثروة مستقلةٍ عن الإنتاج لأن فرضيّات الإنتاج تتحكّم بنظريّة التوزيع في الاقتصاد الوضعيّ؛ ناهيك بأنّ تلك الفرضيّات غير دقيقة أو غير واقعيّة. أما المذهب فمهمّته الأساس توزيعُ الثروة وفقًا لمعايير أخلاقيّة غيرِ موجودةٍ في الاقتصاد الوضعيّ أو “علم الاقتصاد.” الحضارة العربيّة الإسلاميّة بلورتْ ثقافةً متقدّمةً جدًا لتوزيع الثروة، مستقلّةً عن ثقافة الإنتاج، في حين أنّ الثقافة الأولى تابعة للثانية في الاقتصاد الغربيّ. هدفُ هذا البحث إلقاءُ الضوء على أهميّة الأخلاق في الاقتصاد الإسلاميّ، الذي هو مذهبٌ أكثر ممّا هو علم، وخصوصًا في ما يتعلّق بنظريّة توزيع الثروة. وهنا بيت القصيد:
فإنتاج الثروة وفقًا للمبادئ الاقتصاديّة الوضعيّة مبنيّ على خلفيّة فلسفيّة وسياسيّة هدفُها إعطاءُ الفرص للطاقات المنتجة لتحقيق ما تعتقده من الرفاهيّة والسعادة، لكنّ مبدأ الفرديّة يؤدّي إلى تمركز الثروة في يد القلّة. كما أنّ نظريّات التوزيع في الاقتصاد الوضعيّ وُجدتْ لتخفيف الفجوات الناتجة من التركيز على إنتاج الثروة، لكنّها غالبًا ما تكون على حساب المجتمع. ولذلك يصبح البحثُ في قوانين الإنتاج “علمًا،” بينما يصبح البحثُ في التوزيع “مذهبًا.” أما في ما يتعلّق بثقافة إنتاج الثروة في المنطقة العربيّة والإسلاميّة فجذورُها تعود إلى ما قبل ظهور الإسلام حيث كانت الغنيمة أساس الثروة.7 والغنيمة ليست إلا محصلّة اقتناص مجهود الغير، عبر الغزو أو التبادل التجاريّ. ولنا في ذلك الموضوع أبحاث نفصّل فيها بنية الاقتصاد الريعي وجذوره في الوطن العربيّ والثقافة المدمِّرة الناتجة منه.8
2 القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلاميّ
2 – 1ـ محوريّة الإنسان في القرآن. هناك انطباعٌ خاطئ يركّز على شموليّة الإسلام على حساب الفرد. إلا أنّ الاجتهاد أوجد تفسيراتٍ عديدةً ومختلفةً تتنافى مع النظرة إلى الإسلام ككتلةٍ واحدةٍ وجامدة. من هنا نبدي تحفّظَنا الأول عن كلّ نظريّة تبدأ بالقول: “إنّ موقف الإسلام من القضيّة الفلانيّة هو كذا أو كذا…”9
أما التحفّظ الثاني فهو عن الانطباع أنّ دور الإنسان في الإسلام مهمّشٌ مقارنةً بدور الجماعة. وهذا خاطئ أيضًا لاعتبارات عدّة، أهمُّها تركيزُ القرآن على دور مسؤوليّة الإنسان في تحقيق مصيره، وأنّه يتحمّل نتائجَ عمله في الدنيا والآخرة. وتأتي قصّةُ آدم الذي علمّه اللهُ “الأسماء” وأعطاه حواسّ الإدراك والتمييز لتشير إلى تعرّض الإنسان لإغراءاتٍٍ تحيدُه عن الصراط المستقيم؛ كما أنه في حالة امتحان وبلاء دائمين. جاء في لسان العرب: “بلا يبلو بلوًا وبلاءً، بمعنى اختبر وجرب وامتحن.”10 لذلك جاء في القرآن: “ونبلوّنكم بشيءٍ من الخوفِ والجوعِ ونقصٍ من الأموالِ والأنفس” (البقرة 155)؛ “ولو شاء اللهُ لجعلكم أمّةً واحدةً ولكنْ ليبلوكمْ فيما أتاكمْ” (المائدة 48). الإنسان ضعيف جدًا، فلا بدّ من إرشاده: “إنّ الإنسان خُلق هلوعًا* إذا مسّه الشرُّ جزوعًا* وإذا مسّه الخيرُ منوعًا” (المعارج 19-21). وهو يحبّ المال حبًا جمًا (الفجر 20)، ويحبّ مظاهر الثراء كافّةً: “زيّن للناسِ حبّ الشهواتِ من النساءِ والبنين والقناطيرِ المقنطرةِ من الذهبِ والفضّةِ والخيلِ المسوّمةِ والأنعامِ والحرث ذلك متاع الحياةِ الدنيا” (آل عمران 14). وهذه اللائحة من الشهوات اللامتناهية، إضافةً إلى ضعف الإنسان البنيويّ، تجعله يشتهي ما يُعرض عليه ويعمل على إشباع رغباته ولو على حساب مسؤوليّاته الاجتماعيّة. لذلك نزلتْ آياتٌ عديدةٌ تنظّم نزواتِ الإنسان أو تكبحها. ولأنّ أرض الله واسعة ونعمتَه لا تحصى، تصبح قضيّةُ امتلاك الثروة قضيّةَ مسؤوليّةٍ وواجبٍ في الإنفاق وفقًا لأولويّاتٍ حددّها القرآن. فالمسلمون أمّةٌ تبتعد عن التطرّف في السلوك والمواقف، وتُبنى على العدل الذي هو أساسُ الملْك؛ إنهم أمّة وسطٌ، بمعنى القصد في الأمور أو الأمر المتوسّط بين الإفراط والتفريط.11
القيمة الأساس في الاقتصاد الإسلاميّ، إذن، هي الإنسان؛ والضابطُ الأساسُ لسلوكه هو العدل. وهذا ما سيتّم بحثه في الفقرات القادمة.
2 ـ 2 العدل محور “المذهب” الاقتصاديّ في الإسلام. في هذا السياق لا بدّ من التنوية بالمؤلَّف المفصليّ للسيّد محمد باقر الصدر، اقتصادُنا، الذي منهج الأفكارَ المتعلّقة بالعدالة في الإسلام كافّةً. ونشير أيضًا إلى المؤلَّف القيّم لماجد خدّوري،12 مفهوم العدالة في الإسلام. ولا ننسى مؤلَّف سيّد قطب المهمّ، العدالة الاجتماعيّة في الإسلام، كجزءٍ من منظومة فكرية متكاملة وفقا لرؤية قطب. وكذلك الأمر بالنسبة إلى كتاب الشيخ يوسف القرضاوي، دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلاميّ.
أ ـ العدل والقِسْط والميزان في القرآن. قبل تحليل أسس الأخلاقيّة في التعاطي الاقتصاديّ كما جاء في القرآن، من المفيد أن نتبيّن مفهوم العدل. وردتْ في اللسان مفاهيمُ متعدّدة لمصطلح “عدل.”13 فالمفهوم الأول هو “ما قام في النفوس أنه مستقيم، وهو ضدّ الجور”؛ كما أنّ في أسماء الله “العدل، هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم، وهو في الأصل مصدرٌ سُمّي به فوضع موضع العادل”؛ والعدل “حكمٌ بالحقّ.” وينقل ابن منظور عن سعيد بن جبيْر أنّ العدل على أربعة أنحاء: العدل في الحكم: “وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل” (النساء 58)؛ والعدل في القول: “وإذا قلتم فاعدلوا” (الأنعام 152)؛ والعدل بمعنى الفدية: “ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل” (البقرة 48)؛ والعدل في الإشراك:14 “ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون” (الأنعام 1).
هذه التعريفات المتقاربة للمصطلح جاءت في القرآن الكريم في 28 آية.15 لكنه لم يأتِ منفصلاً عن مصطلحاتٍ أخرى كالقسط والميزان والحقّ: “لقد أرسلنا رسلَنا بالبيّنات وأنزلْنا معهم الكتابَ والميزانَ ليقومَ الناس بالقسط” (الحديد 25)؛ “وأقيموا الوزنَ بالقسط ولا تخسروا الميزانَ” (الرحمن 9)؛ و”أوفوا الكيلَ والميزانَ بالقسط” (الأنعام 152). والقسط ليس العدل وإنْ تشابهت المعاني، وإلاّ لما وُجد المصطلحان في آيةٍ واحدة: “فإنْ فآءت فأصلحوا بينهما بالعدلِ وأقسطوا إنّ الله يحبّ المقْسطين” (الحجرات 9). وكما أشار محمد شحرور، مستندًا إلى أعمال جعفر دكّ الباب16 والجرجاني وابن جنّي، فإنّ القرآن يخلو من الترادف في الألفاظ. ويقول الرازي في مختار الصحاح إنّ القِسط هو العدل، وهو أيضًا الحصّة والنصيب؛ أما القِسطاس فهو الميزان. لذلك يمكن القول أنّ العدل هو في الحقوق المعنويّة، بينما القِسط هو في الحقوق الماديّة. ويضيف بعضُ المعلّقين أنّ “ارتباط لفظ القِسط في كثيرٍ من الآيات بالميزان يرجّح هذا المعنى، وكذلك تكرار لفظ أنّ الله يحبّ المقْسطين ربّما على اعتبار أنّ العدل في الحقوق الماديّة أصعبُ وأشقّ على النفس من العدل في الحقوق المعنويّة.”17 ويذهب المعلّق أبعد: “والنظر في الآيات المتضمِّنة لمشتقّات الفعل الرباعيّ ‘أقسط’ يرجِّح ذلك المعنى، فقد وردتْ آياتُ القسط في عدد من أصناف المعاملات بين الناس.”
أما “الميزان” فجاء في عدد من الآيات (23)18 تعطي البعدَ الماديَّ للقسط، وذلك عبر الميزان. فالذي يوازن بين الشيئين هو الذي يساوي ويعْدل بينهما. والميزان هو الآلة التي تُوزن بها الأشياءُ وتُستعمل بمعنى العدل والقسط والأحكام. واللافت أنّ هذه الآيات تتعلّق بالتداول والمعاملات بين الناس: “ولا تنقصوا المكيالَ والميزان” (هود 85)؛ “فأوفوا الكيلَ والميزانَ بالقسط” (الأنعام 152)؛ “فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم” (الأعراف 8)؛ “وأقيموا الوزنَ بالقسط ولا تخسروا الميزان” (الرحمن 9).
ب ـ العدل في الفكر الاقتصاديّ الإسلاميّ. ثمة إجماع عند المفكّرين العرب والمسلمين في العصر الذهبيّ على مركزيّة العدل في التعامل الاقتصاديّ.19 فقد أشار أبو يوسف للخليفة الرشيد أنّ يساهم في تسريع التنمية.20 أما المواردي فرأى أنّ العدل الشامل يؤجّج التضامن، وحفظَ القانون، وتنمية الأمصار، وتزايدَ الثروة، وأمنَ البلاد والمجتمع؛ وأنْ لا شيء يسهم في تدمير المجتمعات وضمير الناس والعالم كالظلم.21 وأما ابن خلدون فيجزم أن لا تنمية بدون عدل؛22 فالاستبداد يؤدّي إلى إيقاف النموّ وتراجع الثروة.23 هذا التشديد على العدل في التعامل الاقتصاديّ يميّز الفكر الاقتصاديّ العربيّ الإسلاميّ من الاقتصاد الوضعيّ الذي ينفي القيم ويعتمد فقط على ما يعتبره قانونُ السوق من العرض والطلب.
وفي الفكر الإسلاميّ المعاصر إضافاتٌ إلى ذلك المخزون الكبير من الأفكار الاقتصاديّة، كتمييز القرضاوي بين العدل والمساواة: “فليس معنى العدل المساواةَ المطلقة، فإنّ المساواة بين المختلفين كالتفريق بين المتماثلين، كلاهما ليس من العدل في شيء؛ فضلاً عن أنّ المساواة المطلقة أمر مستحيل لأنّه ضدّ طبيعة الإنسان وطبيعة الأشياء.”24 وبالتالي، تكون المساواة العادلة مساواةً في الفرص والوسائل التي تفسِّر التفاضلَ في الأرزاق وتكافؤ الفرص كقوله تعالى: “والله فضّل بعضَكم على بعض في الرزق” (النحل 71). وفي تفسير مبدإ تكافؤ الفرص يسرد القرضاوي قصة من سيرة عمر بن عبد العزيز: يُروى أنّ ابنًا للخليفة الراشد طلب إليه أن يزوّجه وأن يدفع صداقه من بيت المال ـ وكان لابنه امرأة – فغضب الخليفة وكتب إليه: “لعمْر الله، لقد أتاني كتابُكَ تسألني أن أجمعَ لك بين الضرائر من بيت مال المسلمين، وأبناءُ المهاجرين لا يجد أحدُهم امرأةً يستعف بها، فلا أعرفنكَ ما كتبت بمثل هذا!”25
غير أنّ التفاضل في الأرزاق لا يعفي المجتمعَ من مسؤوليّة تقريب الفوارق بين أفراده، وذلك وفقًا لمفهوم العدل، ولتحقيق التوازن، وإطفاءً لنيران الحسد والبغضاء، وتفاديًا للتصادم بين الأفراد والطبقات. وهذا هو فحوى الفقرات الآتية.
ج ـ من العدل إلى العدالة الاجتماعيّة. النتيجة الموضوعيّة للعدل كقيمةٍ أخلاقيّةٍ تضبط سلوك الإنسان هي إقامةُ مجتمعٍ عادل. وإذا كانت العلاقات البشريّة مبنيّة على أسس مغايرة للعدل والقسط، نتج منها الظلمُ والفساد.26 فما هو مفهوم ذلك المجتمع العادل؟ وما هي الأسس التي تُبنى عليه؟
3 ـ المنطلقات العامّة
يمكن استخلاصُ منطلقاتٍ خمسةٍ لإقامة مجتمعٍ عادلٍ يكون الاقتصادُ الإسلاميُّ آليّةً لتحقيقه.27 المنطلق الأول هو في آليّة الملْكيّة. غير أنّ الملْكيّة هي لله، سواء كانت في الأصول الثابتة أو المنقولة أو الدخل أو الرزق أو المال: “ألم تعلمْ أنّ الله له ملكُ السموات والأرض” (البقرة 107). والإنسان مستخلَفٌ بملْكيّة مُوقّتة بحياته: “وإذ قال ربُّكَ للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة” (البقرة 30)؛ “ويمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جنّات” (نوح 12)؛ “تؤتي الملْكَ من تشاء وتنزع الملْكَ ممّن تشاء” (آل عمران 26). كما أنّ كسب المال وإنفاقه مضبوطان بأحكام الشريعة كي تُضمن العدالة. المصطلح الغربيّ الحديث لذلك المفهوم هو الرعاية الطويلة الأجل أو leasehold ownership، أيْ حق الانتفاع وتنمية الملْكيّة من دون أن تكون هذه مطلقة. والقرآن كان واضحًا: “وفي أموالهم حقٌّ للسائل والمحروم” (الذاريات 19)؛ أيْ إنّ الملْكيّة ليست مطلقة للفرد بل حقُّ رعاية، وهي مقرونة بمسؤولياّت كتنمية الأموال وإعادة توزيع الثروة وفقًا لمعايير ستُبحث في فقرة لاحقة.
ويجتهد العلماءُ في ذلك الموضوع للوصول إلى أنّ الملْكيّة في الإسلام متعددة الأشكال:28 خاصّةٌ للفرد، وعامّةٌ للمجتمع، وعامّةٌ للدولة.29 غير أنّ التمييز بين ملكيّة الدولة وملكيّة المجتمع مسألة فيها بحث، لغياب نصّ يحكم بذلك، وإنْ كانت القرائن التاريخيّة قد تؤيّد ذلك التمييز. فبيتُ المال الذي أنشئ عند بداية الفتوحات العربيّة هو أولُ إشارةٍ إلى ملكيّة الدولة؛ ولكنّ هذا البيت للمسلمين أجمع، فأين حدودُ الدولة وأين حدودُ المجتمع؟ هذا ما لم ينصّ عليه القرآن وبات مدخلاً لاجتهادات لا يمكن أن تكون مقدّسة لأنها من صنع البشر، وإنْ كانت مشروعة ومقبولة عبر الزمان.
وإذا استطردنا بعض الشيء رأينا أنّ مفهوم الدولة في تراثنا قد يختلف عنه في التراث والفكر الغربيّين. فالقرآن لا يتحدّث عن الدولة أو أحكامها، بل عالج قضايا المجتمع وسلوكه؛ لذلك فالمجتمع أقوى من الدولة في التراث والتقاليد العربيّة الإسلاميّة؛ أما السياسة والسلطة فهناك أحكامٌ اجتهد فيها عددٌ من العلماء كالمواردي في الأحكام السلطانيّة. ويبدو لنا أنّ مفهوم الدولة بالمنطق الغربيّ ليس ضروريًا في تراثنا، ولا ندري لماذا نتبنىّ ذلك المنطق دون تمحيص وكأنه علم اليقين! ومن جهةٍ أخرى، فإنّ مصطلح “الدولة” في اللسان الغربيّ له مدلولُ الثبوت، بينما مدلولُه في اللسان العربيّ هو التغييرُ أو تداولُ السلطة بين السلالات القبليّة أو العشائريّة في تلك الأزمان (وبين الأفراد أو القوى والأحزاب اليوم).
أما المنطلق الثاني لإقامة مجتمع العدل فهو حريّة الإنسان الفرديّة، لكنْ تُفرض عليها قيودٌ لضمان عدم التعدّي على حقوق المجتمع. هنا نرى أيضًا التمايز بين الاقتصادين الرأسماليّ والاشتراكيّ من جهة، والإسلاميّ من جهة أخرى. فالحريّة في نموذجَي الاقتصاد الوضعيّ مصادرة بشكل أو بآخر؛ الفرق بينهما هو طوعيّة تسليم الحريّة في الاقتصاد الأول لرأس المال بسبب القوة الدعائيّة الترويجيّة لبعض القيم (كحريّة الاختيار وضرورة ترشيد القرار) في حين أنّ المصادرة في الثاني قسريّة بسبب ما تعتبره النخب الحاكمة “مصلحة المجتمع.” أما القيود التي تفرضها الشريعة الإسلاميّة على حريّة الفرد فهي الحدود الناجمة عن القيم التي تُقلّم الحريّة وتُصقلها لدرء الظلم عن الأفراد والمجتمع. إنّ العدل هو الذي يقوِّض الحريّة المطلقة. وهنا نرى أحد معالم الوسطيّة في الإسلام.
سنستطرد قليلاً في ما يتعلّق بالوسطيّة. لقد حاول الاقتصادُ الوضعيّ أن يأتي بنظريّة متكاملة عن التوازن أو سلوك المجتمع. لذلك كانت محاولة ماركس (ت 1883) وتنظيره للمجتمع الشيوعيّ عبر تحليل الرأسماليّة وتفكيكها. المحاولة الثانية لنظرية متكاملة تتضمّن التوازن هي نظرية كينز (ت 1946) عن الاستخدام والنقد والفائدة، وكانت أساسًا لسياسات أنقذت المجتمعَ الرأسماليّ الغربيّ من الاندثار إبّان كساد ثلاثينيّات القرن الماضي. أما في ما يتعلّق بنظريّات التوازن الصرف فكانت محاولات الفرنسيّ والراس (ت 1910) في القرن التاسع عشر، وهو يُعتبر الأب الروحيّ لنظريّات التوازن الاقتصادية الحديثة، والأميركيّ جون ناش بعد الحرب العالميّة الثانية. لكن اصطدمت المحاولاتُ النظريّةُ لبلورة مفهوم متكامل للتوازن بالواقع، وأصبح هدفُ التوازن في الفكر الغربيّ هدفًا مثاليًا يصْعب تحقيقُه، وخاصةً في ما يتعلّق بتحقيق الاستخدام الكامل.30 وكيف يكون غير ذلك؟ فالفرضيّات التي تُبنى عليها تلك النظريّاتُ خاطئة أو غيرُ واقعية، وستكون نتائجُها من ثمّ غيرُ صحيحة بشكل عامّ. كما أنّ محاولات وضع سلوك الإنسان في معادلاتٍ رياضيّةٍ محكومةٌ بالفشل مسبّقًا. أما في التراث العربيّ الإسلاميّ فكان التسليم بأنّ سلوك الإنسان مبنيّ على نزوات يجب تقليمُها وفقًا لمبادئ أخلاقية يقرّها المجتمعُ طوعُا لا قسرًا. الوسطيّة في السلوك هي ضمان التوازن، والعدل هو آليّة هذا التوازن. وفي حين أنّ النظريّات الغربيّة لا تعطي أيّ دور للعدل في تحقيق التوازن (الذي تحدّده آليّاتُ السوق)، فإنّ الوسطيّة في القرآن تجسيدٌ للتوازن في سلوك الإنسان، وهي من مكوّنات العدل والعدالة الاجتماعيّة.
لكنّ مصطلح الحريّة في القرآن لم يرد بشكل واضح. والحريّة في تراثنا هي ضدّ العبودية.31 غير أنّ مضمون الحريّة جاء في مسؤولية الإنسان في الاختيار بين الإيمان والكفر، وبين الصراط المستقيم والانحراف: “وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائرَه في عنقه، ونُخرج له يومَ القيامةِ كتابًا يلقاه منشورًا* إقرأ كتابك كفى بنفسك حسيبًا” (الإسراء 13- 14). فلا يمكن أن يكون الإنسان مسؤولاً إنْ لم يكن حرًا. ولأنّ الإنسان خُلق ضعيفًا أمام الشهوات (النساء 28) فقد أُوجدت القيودُ التي تكبح جموحَه الناتج من سوء استعمال الحريّة. ولذلك لا يمكن أن تمارَس الحريّة إلاّ ضمن مرجعيّات أربع:32 معرفيّة تبثّ في وعيه معرفةَ مخاطرِ خياراته؛33 وعرفيّة تؤثّر في صياغة تشريعاتٍ تحدّ من حريّة الإنسان؛34 وجماليّة (فاختيار اللباس مثلاً لا يكون من باب الشرع لستر العورة فحسب بل من باب اللياقة والأناقة أيضًا)؛35 وأخلاقيّة، وهي الأهمّ. والأخلاق في القرآن قسمان: “الأول هو الفرقان أو الحدّ الأدنى الملزِم من القوانين الأخلاقيّة التي افترض التنزيلُ وجودَها في الإنسان وفصّلتْها الآياتُ الثلاث 151، 152، 153 من سورة الأنعام؛ والثاني فضائلُ إضافيّة أخرى انبثّتْ في سور التنزيل وآياته.”36
المنطلق الثالث هو قوامة المجتمع على الفرد. فإذا تجاوز الفرد حدّه، قام المجتمعُ بما يَلزم لحمله على الالتزام بحدوده. من هنا نفهم أنّ الملْكيات الفرديّة والاجتماعيّة والعامّة توظَّف لتحقيق توازن بين مصلحة الفرد والمجتمع، وأحكامُ هذا التوازن تتغيّر بحسب المكان والزمان والظروف.
المنطلق الرابع هو التكامل بين الفرد والمجتمع. فإذا كانت الحريّة رأيًا وتعبيرًا، فإنّ آليّة تحقيق ذلك تكون عبر الشورى، التي هي ممارسة تاريخيّة فُرضت على النبيّ ليشاور الناس في أمور لا تتعلّق بالوحي.37 من هنا نفهم الآية: “وأمرهم شورى بينهم” (الشورى 38). الفرد يحتاج إلى المجتمع ليحميه، والمجتمع يحتاج إلى الفرد في تحقيق وحدته وصيانة تماسكه.
المنطلق الخامس هو التكافل الاجتماعيّ. الفرد أولاً، والمجتمع عبر الدولة ثانيًا، مسؤولان عن تحقيق ذلك التكافل عبر ثلاث مؤسّسات: الزكاة، والوقف، والإنفاق التطوعيّ. والقرآن استفاض في بلورة ثقافة التكافل التي ورثها من المجتمع القبليّ ما قبل الإسلام، وطوّرها لتشمل الأمّة. ومن أهداف ذلك التكافل الحدُّ من طغيان المال، وإعادةُ توزيع الثروة.
أ ـ الحدّ من طغيان المال. جاء في القرآن كثيرٌ من الآيات حول المال. فمن جهة، المالُ زينة: “المال والبنون زينةُ الحياة الدنيا” (الكهف 46). وهو حقّ: “والذين في أموالهم حقّ معلوم. للسائلِ والمحروم” (المعارج 24 و25). ولكنّ هناك آياتٍ أخرى تحدُّ من طغيان المال: “شغلتنا أموالُنا وأهلونا فاستغفرْ لنا” (الفتح 11)؛ “يَحْسب أنّ مالَه أخْلده” (الهمزة 3)؛ “يا أيّها الذين آمنوا لا تلهكم أموالُكم ولا أولادُكم عن ذكْر الله” (المنافقون 9). وتوضح قصةُ قارون كيف كان يتصرّف في ماله استهلاكًا وإنفاقًا وادّخارًا، غير أنّ القرآن سجّل عليه عدة انحرافاتٍ، منها: التعالي عن الناس، وعدمُ مساعدة المحتاجين، واستخدامُ المال من أجل قهر الناس والسيطرة على البلاد. لذلك جاء في القرآن ما كوّن أسسَ الشرع الإسلاميّ الذي ضبط طُرق جني المال والحفاظ عليه. المال، إذنْ، لا يُذمّ لذاته بل يُذمّ حين يؤدّي إلى غرور مالكه وطغيانه على الآخرين.
هنا تبرز قضية مهمّة تثير الجدلَ بين المسلمين، ألا وهي قضيّة الفائدة التي تعطيها المصارفُ والمؤسّساتُ الماليّة للمُودِعين وتفْرضها على المقترضين، أو هي الربا كما يصفها الفقهاءُ الإسلاميّون. المشكلة تقع في تعريف الفائدة: فإذا تمّت المرادفةُ بين الفائدة والربا فإنّ الفائدة من المحرّمات، وإلا فهي مقبولة. لسنا هنا في وارد الاجتهاد في الموضوع، ولكنْ من الواضح أنّ في مفهوم الربا مفهومَ الزيادة من دون مقابل ــ وهذا يتنافى مع مجموعة القيم التي سردناها، وبخاصّةٍ العدل. والربا قريب من مفهوم الريع الذي فصّلناه في دراسةٍ سابقة؛ فهو مردودٌ يجنيه المرءُ من دون بذل أيّ مجهود في المقابل، أو ببذل مجهودٍ صغير لا يتناسبُ وحجمَ المردود. غير أن الريع لم يُحرّم في القرآن. أما الغنيمة فهي استلابُ مجهود الغير بالقوة؛ فهي مقبولة ولاسيّما إذا كان ذلك المجهودُ في سبيل الله. والتجارة قبضٌ على مجهود الآخر هي أيضًا، ولكنْ بالتراضي، فهي مقبولة، بضوابط: “ويل للمطفيفين* الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون* وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون” (1-3). أما الاحتكار فغير مقبول وفقًا لما جاء في الاجتهادات الفقهيّة في غياب نصّ واضح في القرآن؛ وهنا يستشهد القرضاوي بالأحاديث التي تتناول الاحتكار ونبذه:38 فـ “الاحتكار مبعثه الأنانيّة والقسوة على خلق الله به، لأنّ المحتكر يريد أن يوسع ثروته بالتضييق على خلق الله.”39
مسألة الربا غاية في الأهميّة. فبالإضافة إلى بعدها الأخلاقيّ، هناك بعد آخر لا بدّ من التوقف عنده. حجر الزاوية في الاقتصاد الوضعيّ هو الائتمان (credit)، وثمن الائتمان هو الفائدة. فإذا أخرجنا الفائدةَ من المعادلة، فهل الائتمان ممكن؟ وإذا أخرجنا الائتمانَ من المعادلة، فهل نموّ نشاط العملاء الاقتصاديين ممكن؟ إذا كانت الإجابة نعم، فإنّ نموذجًا إرشاديًا مختلفًا يصبح قائمًا. هل بإمكاننا أن نتصوّر دورًا مختلفًا كلّيًا للمصارف والمؤسّسات الماليّة القائمة؟ هل بإمكاننا استعادةُ حقّ إنشاء الكتلة النقديّة من النظام المصرفيّ، وحصرُه في الدولة؟ من المعلوم أنّ الكتلة النقديّة في التداول هي من حقّ وامتياز الدولة التي تصكّ العملة، ولكنها جزءٌ بسيط من الكتلة الإجماليّة التي تنشئها المصارفُ والمؤسّساتُ الماليّة القائمة على نظام الائتمان والفائدة. وبالتالي فإنّ الدولة تنازلتْ ربما عن أهمّ مزايا السيادة لمصلحة فئةٍ من المجتمع تعمل على زيادة أرباحها لا على منفعة المجتمع بالضرورة. لذلك قد تكون إعادةُ النظر في دور النظام المصرفيّ والمؤسّسات الماليّة في إنشاء الكتلة النقديّة وحصرها بيد الدولة من الأمور التي يجب بحثها.
ب ـ توزيع الثروة. لمّا كان المُلك لله، والثروةُ ألتي أوكلتْ لخليفته (الإنسان) تضع مسؤوليّاتٍ عدة على صاحبها، فقد كان مبدأ إعادة توزيع الثروة مترسّخًا في تراثنا. بهذا المعنى سبقت الحضارة العربيّة الإسلاميّة الحضارة الغربيّة في مبدإ توزيع الثروة بحوالى ثلاثة عشر قرنًا! غير أنّ مبدأ التوزيع في هذا التراث منبتق من منظومة قيم يقوم بها المجتمعُ طوعًا وإنْ كان له طابعٌ إلزاميّ، بينما يهدف في الغرب إلى درء مساوئ تمركز الثروة في يد القلّة. وفي حين يقوم المجتمعُ في البيئة العربيّة الإسلاميّة بمهامّ إعادة توزيع الثروة، تقوم الدولةُ في الغرب بذلك، وهو ما يعطيها طابعَ القسريّة التي يرفضها الإنسانُ من باب الفطرة. لكنْ لا بدّ من الإقرار بأنّ في المجتمعات الغربيّة مؤسّساتٍ خاصةً توزّع التبرّعات إلى جهات عديدة من باب الحرص على التوازن والاستقرار الداخليّ (والمنفعة الخاصة لكون التبرّعات تُحسم من ضريبة الدخل!).
هنا لا بدّ من وقفةٍ إيضاحيّة، وهي أنّ التطوّرات العلميّة والتكنولوجيّة تنعكس على كفاءة وسائل الإنتاج، وتؤدّي إلى تغييرات في العلاقات الاجتماعيّة وفقًا لمفاهيم الاقتصاد الغربيّ بشقّيْه الليبراليّ والماركسيّ. غير أنّ التوزيع في التراث العربيّ الإسلاميّ عمليّة منفصلة عن الإنتاج، وبالتالي لا يتغيّر مع التغيير الدائم الذي يرافق التطوّر التكنولوجي في علاقات الإنتاج والمجتمع: “ليست الحياة الاجتماعيّة نابعة من أشكال الإنتاج المتنوّعة، وإنما هي نابعة من حاجات الإنسان نفسه، لأنّ الإنسان هو القوة المحرّكة للتاريخ لا وسائل الإنتاج، وفيه نجد ينابيعَ الحياة الاجتماعيّة.”40 وإذا تُرك الإنسانُ لنفسه فلن يقوم بأيّ توزيع لأنه يحبّ ذاته، وطبيعته هي البخل: “قل لو أنتم تملكون خزائنَ رحمةِ ربي إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسانُ قتورا” (الإسراء 100).
حدّد القرآنُ الجهاتِ التي يحقّ لها أن تستفيد من التوزيع. في البداية هناك ما يشابه الحقّ العامّ، إنْ لم يكن هو نفسه: “وفي أموالهم حقٌّ للسائل والمحروم” (الذاريات 19). ولم يكتفِ بالتوصية العامّة بل حدّد من يستفيد: “فأتِ ذا القربى حقَّه والمسكينَ وابنَ السبيل” (الروم 38)؛ و”ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم” (الحشر 7). فهذه الآية تحثّ على توزيع الثروة كي لا يكون تمركزٌ لها بيد القلّة. كما أنّ أحكام الإرث تحافظ على الثروة وتحدّد الجهات والقيمة العائدة لها، ولكنّ هناك من يتساءل عن الإنصاف في توزيع الإرث خاصة للأنثى التي حصتُّها نصف حصّة الذكر (نشير هنا إلى اجتهادات شحرور في فقه المرأة كمحاولة للتوفيق بين مفهوم العدل كما يفهمه الناس اليوم وبين صحّة ما أتى به القرآن في حق المرأة).41 وشدّد القرآن على عدم الاكتناز: “والذين يكنزون الذهبَ والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرْهم بعذابٍ أليم” (التوبة 34). إذًا، توزيعُ الثروة إلزاميّ وطوعيّ، وإن اجتهد بعضُ الفقهاء عكس ذلك. (هذا لا يعني أننا نعترض على دور الدولة في توزيع الثروة، ولكنّ هذا بحث آخر).
يتمّ توزيعُ الثروة عبر الزكاة، وآياتُ الزكاة ثلاثون.42 جاء في اللسان أنّ أصل الزكاة في اللغة: الطهارة والنماء والبركة والمدح. من هنا نفهم أنّ الزكاة عكسُ الربا: فالزكاة محمودة، بينما الربا محرّمة وإنْ كان في مضمونها الزيادة. أما الصدقة فليست الزكاة وإنْ تشابهتا كما يقول الزمخشري في الفائق (1/536): “الزكاة فعلة كالصدقة” ــ فالقرآن خالٍ من المرادفات،43 وهناك آياتٌ تتناول الصدقة وأخرى تتناول الزكاة. الصدقة قد لا تكون إلزاميّة بل توصية ومحبّبة، أما الزكاة فإلزاميّة ومن أركان العقيدة. ما يهمنّا هنا هوالتشديد على القيمة الأخلاقيّة للبعد النمائيّ للزكاة، أي الزيادة في الإمكانيّات الماديّة لسدّ حاجاتِ مَن لا يستطيع أن يعيل نفسه. فمن يعطِ يزدْ في الطهارة ويسهمْ في نموّ العجلة الاقتصاديّة، بالإضافة إلى النمو المعنويّ لدى المستفيد من العطاء. والزكاة هي تمويل الفقير برأسمالٍ نقديّ يعمل به ولا يستهلكه؛ وهذا النوع من التمويل شبيه بالتمويل الجزئيّ أو المصغّر (microfinance). كما تسهم الزكاة في شراء أصولٍ ثابتةٍ وتوزيعها على الفقراء وتدريبهم على المهارات المختلفة.44 الهدف من الزكاة تقليلُ الفجوة الاقتصاديّة بين فئات المجتمع.45 وهناك باحثون يتفقون على أنّ للزكاة أثرًا مباشرًا في تحقيق عدالة توزيع الثروة والدخل كلَّ عام، من خلال اقتطاع جزءٍ من دخول الأغنياء وثرواتهم وإعطائها للفقراء. وهناك دراسات عديدة46 تصبّ في شرح الدور الإنمائيّ والتنمويّ للزكاة؛ فلا داعي لتكرار ما جاءت به.
ج ـ التكافل الاجتماعيّ. جاء في آية رقم 2 في سورة المائدة حثُّ المؤمنين على التكافل: “وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”. واجتهد الفقهاء والباحثون على اعتبار التكافل الاجتماعيّ توحيدًا لجهود أفراد المجتمع في العمران وإشراكهم في المحافظة على المنافع العامّة والخاصّة، ودفع المفاسد والأضرار الماديّة والمعنويّة عن المجتمع. والتكافل لا يقتصر على أفراد المجتمع المسلم بل يتناول الناس جميعًا: “لا ينهاكم اللهُ عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتُقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين” (الممتحنة 8). ذلك أنّ أساس التكافل هو كرامة الإنسان: “ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً” (الإسراء 70). والتأكيد على شمل جميع الناس جاء في الآية 13 من سورة الحجرات: “وجعلناكم شعوبًا وقبائلَ لتعارفوا”.
غير أنّ هناك عدة مستويات للتكافل. الأول هو بين الفرد وذاته، وذلك بدفعها إلى الخير وحجزها عن الشرّ ونهيها عن المنكرات.
المستوى الثاني هو التكافل بين الفرد وأسرته القريبة: “يا أيّها الذين آمنوا قوا أنفسَكم وأهليكم نارًا وقودُها الناسُ والحجارة” (التحريم 6). وقد حثّ القرآن على تنمية الودّ بين الزوجين: “ومن آياته أنْ خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسْكنوا إليها وجعل بينكم مودّةً ورحمة” (الروم 21). وحتى في أكره المسموحات، أي الطلاق، هناك مسؤوليّات تكفل الضمانَ الماديّ والمعنويّ للمطلّقة من نفقةٍ وسكنٍ في فترة العدّة. ويلفت سيّد قطب النظر إلى أنّ من مظاهر التكافل العائليّ توارثُ الثروة في سورة النساء. كما نشير إلى اجتهادات محمد شحرور الذي قدّم تفسيرًا مختلفًا كليًا عن التفاسير التقليديّة لأحكام الإرث.47
أما المستوى الثالث للتكافل فهو بين الفرد والجماعة. فكلّ فرد مكلّف بأن يرعى مصالح الجماعة كأنه حارس لها.48 وهذا التكليف يفرض التعاون بين جميع الأفراد لمصلحة الجماعة في حدود البرّ والمعروف: “وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” (المائدة 2). ومن جهة أخرى، فإنّ الأمة مسؤولة عن حماية ضعفائها ورعاية مصالحهم: “وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان” (النساء 75).
المستوى الرابع للتكافل هو بين الأجيال، وبخاصّةٍ من أجل الحفاط على الثروات الطبيعيّة وعدمِ حرمان الأجيال القادمة من نعمتها. ويعتمد بعض الفقهاء على آية توحي بذلك:49 “والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا أغفرْ لنا وللذين سبقونا بالإيمان” (الحشر 10). هنا دعوة واضحة إلى النهي عن الإسراف والتبذير، وإلى الحفاظ على حقوق الأجيال القادمة.
المستوى الخامس للتكافل هو بين المجتمعات كما جاء في سورة الحجرات رقم 113 التي ذكرناها سابقًا. وهذه الآية تشكّل قاعدة للتعاون الاقتصاديّ بين الدول والمجتمعات50 ولمساعدة تلك التي أصابتها ويلاتٌ وكوارثُ طبيعيّة أو إنسانيّة.
د ـ الإنفاق. الآيات حول الإنفاق عديدة، معظمُها جاء في سورة البقرة ويحثّ المؤمنين على إنفاق ما في وسعهم في سبيل الله وفي سبيل التكافل بأشكاله كافّةً. ما يهمّنا هنا هو البعد الاقتصاديّ للإنفاق. في البداية طُرح سؤال وأجيب عنه: “ويسألونك ماذا يُنفقون قُلِ العفو” (البقرة 219). في اللغة، العفو هو ما يفيض بعد أن استوفى الفردُ الحاجة. في الاقتصاد يعني العفو الفائضَ من الدخل بعد حسم الضرائب والمتوجّبات المعيشيّة. ومصدر الإنفاق هو من خير الله وفضله في الرزق: “وأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه” (الحديد 7). وإذا كانت الآية تحثّ المؤمن على الإنفاق في سبيل الله، فإنّ المجتمع الصالح الذي يجب بناؤه والحفاظُ عليه هو أيضًا من غايات الإنفاق الأساسيّة. والترجمة التقنيّة في الاقتصاد لذلك الإنفاق هي دعمُ الطلب الفعليّ (effective demand) ــ وهي نظريّة لم تتبلورْ في الغرب إلا في منتصف ثلاثينيّات القرن الماضي، في حين أنّ دور الإنفاق كان واضحًا في تراثنا منذ ظهور الإسلام، أيْ قبل أربعة عشر قرنًا! وفي حن تتولّى الدولة في الغرب الإنفاق، فإنّ النموذج الإرشاديّ في القرآن يعتبر أنّ المؤمن مكلّف بذلك. ومن سخريات الدهر أنّ القوى المحافظة في الغرب تأخذ على الدولة نفقاتِها المتزايدة التي تموّلها الضرائبُ التي يدفعها المكلّفون وتدعو إلى تقليصها. ونرى في ذلك كلامَ حقّ يُراد به باطل، لأنّ تلك القوى المحافظة هدفُها الأولُ والأخير حماية ثرواتها والمزيد من تمركزها، بينما النموذج الإرشادي في القرآن يختلف كليّا عن ذلك إذ يسعى إلى توزيع الثروة. هذا لا يعني أنّ الدولة في ذلك النموذج معفاة من مسؤوليّاتها تجاه المجتمع، بل عليها أن تقوم بحماية المواطنين والوطن وتأمين العدالة بين أفراد المجتمع وتأمين الخدمات العامة.
الإنفاق ضروريّ وشامل لتمكين التكافل الاجتماعيّ وتدوير العجلة الاقتصاديّة. أما إحدى آليّات ذلك الإنفاق فهي مؤسّسة الوقف التي بدأتْ في عصر الصحابة وامتدّت إلى عصرنا الحديث ويمكن عدّها من تداعيات التوصيات القيميّة والأخلاقيّة التي جاءت في القرآن. واللافت أنّ النموذج الإرشاديّ الذي نستخلصه من القرآن أفرز آليّةً لتوزيع الثروة للحفاظ على التكافل الاجتماعيّ وتحقيق العدل بين الأفراد والمجتمعات.
وإذا كان الإنفاق ضروريًا لتمكين التكافل الاجتماعيّ وتدوير العجلة الاقتصاديّة، فإنّه مقيّد بمعايير واضحة. فالقرآن ينهى عن الإسراف والتبذير: “ولا تسرفوا إنه لا يحبّ المسرفين” (الأنعام 141)؛ و”ولا تبذّر تبذيرا* إنّ المبذّرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطانُ لربّه كفورا” (الإسراء 26-27). ولكن ما معنى الإسراف والتبذير؟ جاء في لسان العرب أنّ “السرف الجهل، والسرف الإغفال. وقال ابنُ الأعرابيّ أسرف الرجلُ إذا جاوز الحدّ، وأسرف إذا أخطأ، وأسرف إذا غفل، وأسرف إذا جهل. والإسراف في المال هو التبذير في النفقة لغير حاجة أو في غير طاعة الله. وتبذير المال: تفريقه إسرافًا. ورجل تبذارة يقال للّذي يبذر ماله ويفسده. والتبذير: إفساد المال وإنفاقه في السرف.” بمعنى آخر، الإسراف: صرفُ الشيء في ما ينبغي زائدًا على ما ينبغي، والتبذير: صرف الشيء في ما لا ينبغي.51 في الأدبيّات الاقتصاديّة الإسراف يحصل عندما تنفق الدولة أكثر مما رُصد في الموازنة، والتبذير عندما تنفق الدولة من دون تخطيط أو موازنة أو دراسة وافية لجدوى الإنفاق.
4 ـ خاتمة
حاولنا إبراز قاعدة لنموذج إرشاديّ للتعامل الاقتصاديّ يختلف عن النموذج القائم في الغرب. وقد أردنا بهذا البحث تعميم تلك المفاهيم ضمن إطار موضوعيّ خارج عن الوعظات والمرافعات. فإذا كان القرآنُ قد أسس لنموذج يعطي الأخلاق الدورَ الأبرزَ في تحديد السلوك الاقتصاديّ للأفراد والمجتمعات، فإنّ من واجبنا كعرب أن نغْرف في ذلك المخزون الكبير ونطوّرَ المفاهيم لنجعلها أدواتٍ تحليليّة تمكنّنا من استخلاص العبر والسياسات الملائمة لمعالجة التحدّيات. غير أنّ هذا المجهود لن يكون من مسؤوليّة فرد بل هو عملٌ جماعيّ علينا أن نقوم به. هذا هو ما نسعى إليه، وهو ـ يقينًا ـ مشروعُنا النهضويّ العربيّ كما نفهمه.
بيروت
* كاتب وباحث اقتصادي من لبنان.
1- Alexander Abdennur, The Arab Mind: An Ontology of Abstraction and Concreteness (Ottawa, Kogna Publishing Inc., 2008).
2- Jonathan Lyons, The House of Wisdom: How the Arabs Transformed Western Civilization (New York: Bloomsbury Press, 2009).
3- نصر حامد أبوزيد، نقد الخطاب الدينيّ، الطبعة الثالثة (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1995).
4- حسن الأشرف، القيم بين الاقتصاد الغربيّ العلمانيّ والاقتصاد الإسلاميّ، www.kl28.com/books/showbook
5- زياد حافظ، “تساؤلات في الإطار النظريّ للسياسات الاقتصاديّة العربيّة،” الآداب، تشرين الثاني 2009.
6- السيد محمد باقر الصدر، إقتصادنا: دراسة موضوعيّة تتناول بالنقد والبحث المذاهب الاقتصاديّة للماركسيّة والرأسماليّة والإسلام في أسسها الفكريّة وتفاصيلها، الطبعة العشرون (بيروت: دار التعارف للمطبوعات، 1987)، ص 357.
7- Ahmad Henni, Le Syndrome Islamiste et les Mutations du Capitalisme, Paris, Editions Non-Lieu, 2008
8- راجع بحثنا، زياد حافظ، “البنية الاقتصاديّة في الأقطار العربيّة وأخلاقيّات المجتمع،” الحلقة النقاشيّة التي أقامتها المنظمة العربية لمكافحة الفساد، بيروت، المنظمة العربية لمكافحة الفساد، 2009.
9- يوسف القرضاوي، دور القيم والأخلاق في الإقتصاد الإسلاميّ (القاهرة: مكتبة وهبة، 1995).
10- محمد اسماعيل إبراهيم، معجم الأعلام والأفاظ القرآنيّة (القاهرة: دار الفكر العربي، 1968)، ص 76.
11- محمد نجيب أحمد أبو عجوة، المجتمع الإسلاميّ: دعائمه وآدابه في ضوء القرآن الكريم (القاهرة: مكتبة مدبولي، 2000)، ص 73.
12- Majid Khadduri, The Islamic Conception of Justice (Baltimore: John Hopkins University Press), 2002.
13- ابن منظور، لسان العرب، المجلد الحادي عشر )بيروت: دار صادر ودار بيروت، 1968)، ص 430-437
14- المرجع السابق، ص 430 و 431 و432.
15- محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم الفهرس لألفاظ القرآن الكريم (بيروت: دار الجيل، 1988)، ص 448-449.
16- جعفر دك الباب، تقديم المنهج اللغويّ لكتاب محمد شحرور، الكتاب والفرآن: فراءة معاصرة، مرجع سابق، ص23.
17- مجدي سعيد، “العدل والقسط ميزان السموات والأرض” www.islamonline.net
18- عبد الباقي، مرجع سابق، ص 750.
19- M. Umer Chapra, “Islamic Economic Thought and the New Global Economy,“ Islamic Economic Studies, Vol 9, No. 1. September 2001, p. 1.
20- ابو يوسف، يعقوب بن ابراهيم، كتاب الخراج، الطبعة الثانية (القاهرة: المطبعة السلفيّة)، ص 3-17.
21- المواردي، ابو الحسن علي، أداب الدنيا والدين، تحقيق وتحرير مصطفى السقّى (القاهرة: مصطفى البابي الحلبي، 1955)، ص 125
22- ابن خلدون، عبد الرحمن، المقدمة )ااقاهرة: المكتبة التجاريّة الكبرى، 1967)، ص 287.
23- المرجع السابق، ص. 288.
24- القرضاوي، مرجع سابق، ص 365.
25- المرجع السابق، ص. 370.
26- عبد الرحيم عبد الحميد الساعاتي، “الاقتصاد الإسلاميّ الإنساني: رؤية إستراتيجيّة للبحث في الاقتصاد الإسلاميّ،” مجلة جامعة الملك عبد العزيز: الاقتصادي الإسلامي، 2008، ص 120.
27- المرجع السابق، ص 121.
28- محمد باقر الصدر، مرجع سابق، ص 279-280.
29- المرجع السابق.
30- Giorgio Israel, La Mathématisation du Réel (Paris : Le Seuil, 1996) ; Daniel Guerrien, L’Economie Néo-Classique (Paris : La Découverte, coll. Repères, 1996).
31- محمد شحرور، دراسات إسلاميّة معاصرة: الدولة والمجتمع (دمشق: الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع، 1994)، ص 143.
32- المرجع السابق، ص 148.
33- المرجع السابق، ص 169.
34- المرجع السابق.
35- المرجع السابق، ص 170.
36- المرجع السابق، ص 171.
37- المرجع السابق، ص 150.
38- القرضاوي، مرجع سابق، ص 293.
39- المرجع السابق، ص 294.
40- محمد باقر الصدر، مرجع سابق، ص 318.
41- محمد شحرور، نحو أصول جديدة في الفقه الإسلاميّ: فقه المرأة (دمشق: الأهالي للطباعة والنشر، 2000).
42- عبد الباقي، المرجع السابق.
43- شحرور، راجع هامش رقم 22.
44- أنس سليمان اغبارية، ، آثار دورة الزكاة في معالجة الفقر، http://iefpedia.com/arab/2010/01
45- محمد انس الزرقا، دور الزكاة في الاقتصاد الإسلاميّ والسياسة الماليّة ( جدّة: المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، ط.2، جدّة، البنك الإسلامي، 2002
46- منهم الشيخ يوسف القرضاوي في المرجع المذكور سابقًا، ومؤلفه آثار الزكاة في الأفراد والمجتمعات (الكويت، بيت الزكاة)؛ وأيضا له دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصاديةّ (جدّة: المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، ط2، 2002(؛ احمد العوران، “الدور الاقتصاديّ التنمويّ للزكاة من خلال معالجتها لقضيّة الفقر،” مجلة دراسات، الجامعة الآردنيّة، المجلّد 26، العدد 1؛ المرسي السيد حجازي، “الزكاة والتنمية في البيئة الإسلاميّة،” مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصادي الإسلامي، المجلد 17، عدد 2، 2004.
47- محمد شحرور، نحو أصول جديدة في الفقه الإسلامي: فقه المرأة، مرجع سابق.
48- قطب، مرجع سابق، ص 57.
49- القرضاوي، مرجع سابق، ص 399.
50- المهنّد، مفهوم التكافل الإجتماعي في الإسلام، في مدوّنة المنتدى العربي الموحّد، 10 تشرين الثاني 2002.
51- عن موقع منتدى صوت القرآن الكريم: فتوى رقم 72041 في تاريخ 27/02/2006 http://quran.maktoob.com/vb/quran74137
المقالة منشورة في مجلة الآداب, ١١-١٢ /٢٠١٠