صفحات العالم

من حيث توقفت

ساطع نور الدين
التاريخ يعيد نفسه حتى العام 2001، بطريقة مملة ومخيفة في آن.
استأنفت اميركا الحرب التي شنتها في تلك السنة على افغانستان، ولكن تحت شعارات جرى انتقاؤها بعناية اكثر، ومن اجل اهداف تم تحديدها بدقة اكثر… لكن النتيجة لن تكون مختلفة كثيرا، ولا العواقب ايضا: ليست حملة صليبية على العالمين العربي والاسلامي، كما ليست حملة عسكرية لتحرير العرب والمسلمين من التخلف والتعصب ولاصلاح احوالهم وتحديث دولهم ونشر الديموقراطية في ربوعها.
وهي بالتأكيد ايضا ليست ردا انتقاميا عشوائيا اميركيا على هجوم عربي ـ اسلامي مدو تعرضت له الولايات المتحدة وهز اركان دولتها ومؤسساتها واصابها بذعر لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية. ثمة وعي كامل للمهمة، التي جرى التحضير لها اكثر من عامين بهدوء تام، قبل ان تتحول الى عقد سياسي جديد بين الاميركيين وبين الحكومة التي اختاروها للتنفيذ، بلا تردد ، وبما يشبه الاجماع الوطني، الذي لا فرق فيه بين ديموقراطي حاكم وجمهوري معارض.
خرجت اميركا كلها الى حرب جديدة على بقعة حساسة من الطرف الشرقي للعالم الاسلامي، لكن فقط بعد ان ارسلت رئيسها ذا الجذور الاسلامية الى تركيا ومصر لكي يتلو على مسامع المسلمين آيات من القرآن الكريم ولكي يبلغهم ان بلاده لم تعد في حالة حرب معهم جميعا، تريد ان تقلب اوضاع مجتمعاتهم وتغير اشكال دولهم… بل هي تطارد فئة ضالة منهم تختبىء في البراري الافغانية والباكستانية، وتشكل خطرا عليهم كما على السلام العالمي!
هي تريد فقط ان تصفي تلك الفئة، لا من اجل الثأر، انما من اجل ان ينعم الافغان بحياة آمنة، ولو كان الثمن ان يدخل المئات او آلالاف منهم الجنة بفعل الغارات الجوية الاميركية التي لا تميز بين حفل زفاف وقاعدة عسكرية. وبعدها يمكن لهذا الشعب الفقير ان يختار الحكم الذي يريد، وان يذهب الى صناديق الاقتراع في العشرين من آب المقبل، لكي ينتخب احد منافسي الرئيس حميد قرضاي، اذا شاء…
انها معركة جديدة تبدأ من حيث توقفت في العام 2001، بعد اسقاط حكم حركة طالبان، التي لا شك انها ستعمد مرة اخرى الى الاختفاء او الانحناء للعاصفة الهوجاء… قبل ان تعود مرة اخرى بعد شهر او اثنين، سنة او اثنتين الى مقارعة الغزاة والسعي الى طردهم من تلك البلاد المعدمة التي لم يستقر فيها اي محتل اجنبي منذ فجرالتاريخ، والتي صار الاسلام الاشد تطرفا، هويتها الوطنية والسياسية الوحيدة.
انها عودة الى نقطة البداية الافغانية، التي سرعان ما ستكتشف فيها اميركا مجددا ان النصر مستحيل وغير مجز، ولا بد من فتح جبهات اخرى اقرب الى قلب العالم الاسلامي ونفطه وثروته، ولكن هذه المرة من دون الزعم انها في حالة حرب او عداء مع المسلمين، بل مع فئات ضالة اخرى لن يكون من الصعب العثور عليها في اي بلد عربي او مسلم.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى