عصبية
احمد بزون
السؤال نفسه نطرحه كل سنة على أنفسنا، كلما حضرنا ندوة أو سمعنا محاضرة في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب: أين الجمهور؟
مع أن عناوين بعض الندوات مهمة وتتضمن معارف مفيدة، والمشاركون فيها أسماء بارزة، إلا أن الحضور يبقى دون المعقول، ما يحرج القيمين على الندوة، ويجعل المشاركين فيها يبحثون عن مكان يخبئون فيه وجوههم.
لا نريد أن نذهب بعيداً، فلا نلجأ إلى ابن خلدون، ولا إلى فلاسفة الغرب، ليحلوا لنا المعضلة، إذ يمكن أن نمتحن أنفسنا، ونسأل سؤالاً بسيطاً من صلب التجربة، إذ مرة حضرنا في المعرض نفسه ندوة لحزب التحرير، وهو حزب صغير مقارنة بالأحزاب الإسلامية والمسيحية في لبنان، فكانت الصالة الكبيرة تغص حتى فمها. الحشد نفسه يمكن أن يحصل لو كانت الندوة تخص حزباً آخر، حتى لو كان من أصغر الأحزاب. ليس مهماً حينئذ أن يكون الموضوع مهماً أم لا، آخر هم الحاضرين حينها هو الموضوع…
إنه التحزّب، أي العصبية التي تحشد، لا حباً بالمعرفة أو عشقاً للثقافة. قد لا يكون المحاضر حزبياً، في بعض الأحيان، ومع ذلك يكون الحشد استثنائياً، وإذا بحثنا عن سبب تهافت الحضور إلى النشاط، إن ندوة أو أمسية شعرية أو فنية أو محاضرة، فيكون كامناً في نجومية هذا الناشط، كون الناس يحبون النجوم في طبعهم، أو كامناً في تلبية الروح السجالية لدى الحاضرين، إذا كان السجال محتدماً حول قضية ما، ويمس التيارات السائدة في الساحة. في سبعينيات القرن الماضي، كان المفكرون العرب أو الأجانب الذين يأتون إلى لبنان، حتى لو لم يكونوا نجوماً يجتذبون كل من ينخرط في الانقسام العمودي للعالم، عندما كان رأسمالياً أو اشتراكياً. ذلك أن السجال في ذلك الزمن كان على حد السكين أو على شفير التغيير في كل بلد.
السجال اليوم في مكان آخر، والانقسامات لا تتخذ بالضرورة سمة عالمية، والعصبية لها مواصفات جديدة… أما حضور الندوات والمؤتمرات.. فعلى الله!