صناعة ثانية لنزار قباني
عباس بيضون
مسلسل ثان عن نزار قباني. لا نستكثر على نزار قباني مسلسلاً ثانياً، خاصة أن المسلسل الأول لم يكن ناجحاً بتقدير الكثيرين. لا نطلب من الثاني أن ينقح الأول. المهم أن يتضمن رؤية أخرى. رؤية إلى حياة الشاعر وشخصيته لا إلى الشعر والشاعر بالمطلق ولا إلى مثال الشاعر ومثال الشعر. قلما تنجح المسلسلات عادة في أن تنفذ إلى حياة الشاعر الخاصة وشخصيته. تسعى المسلسلات في العادة إلى أن تقنعنا بأن نزار قباني أو عمر أبو ريشة هما مثال الشاعر. أن كلا الاثنين هو الشاعر كما نتخيله وكما نريده، الشاعر كما نتخيله ونريده هو أولاً الشاعر شكلاً. نزار قباني وعمر أبو ريشة وسيمان بالفعل لكن ما العمل حين يكون الشاعر سميناً ذا ذقن متدلية كما هو نيرودا. لا أعتبر نيرودا قبيحاً، هو بالنسبة لي محبب لكن هيئته لا تناسب متخيلنا عن الشاعر، الشاعر شاعر بجسمه، بنظراته، بصوته لكنه شاعر أيضاً بكلامه وعباراته، هنا يصل المثال الشعري إلى الحد الضائع الذي قد يكون حد السخف والسذاجة. الشاعر في هذه الرؤية هو الشاعر كلما تكلم وكلما تحرك وكلما انتقل. انه الشاعر في كل لحظة، ليس الشاعر هنا مؤلفاً أو كاتباً فحسب، إنه نمط حياة ونمط سلوك ونمط تفكير ونمط كلام. الشاعر هنا هو الذي ينتقي أولاً قاموساً من ألفاظ رقيقة، انه لا يفحش في الكلام ولا يتدنى إلى أمور عادية ولا يسف ولا يشتم ولا يسوء خلقه ولا يناكد ولا يحقد ولا يدّعي ولا يتباهى. كل هذه صفات لا تليق بالشاعر فيما الشعراء كغيرهم يسفون ويناكدون ويحقدون ويتباهون بل ويدعون. تخيلوا مسلسلاً عن سعيد عقل مثلاً يقول فيه انه أعظم شاعر في عصره. ثم ان الشاعر في هذه المسلسلات فضلاً عن قاموسه هو كذلك في سلوكه. بقدر ما تبدو كلماته مفتعلة ومنتقاة باسم العفوية، إذ لا ننسى ان العفوية مستحبة للشاعر، فإنه يتميز بسقط العواطف وأرخصها. انه لا يتوقف عن التغني بالحب والصدق والحرية والعفوية وهو بطبيعة الحال نموذج هذه كلها، انه بطبيعة الحال يسوق أثناء ذلك ما اصطلح على كونه كلام العاطفة ولو بدا سطحياً ورخيصاً. انه بطبيعة الحال داعية صدق وان كنا لا نرى مواضع الصدق في شخصيته، وهو أيضاً داعية العفوية ولو بدا مصطنعاً حتى في كلامه عن العفوية، هكذا نجمع على فمه مزيجاً من سقط الكلام ومبتذله وميسوره فيتحول المسلسل إلى سوق للركاكة والسطحية والكلام الاصطلاحي والإنشاء الفضفاض. هذا والحق يقال ما لاحظته في الجزء الأول من مسلسل نزار قباني الجديد، افتعال في افتعال. افتعال في الحوادث كما في الردود كما في الكلام، افتعال باسم الصدق وباسم العفوية وهما من قيم الشعر والشعراء. لا أعرف إذا كان لكل ذلك أصل. أعرف من هو نزار قباني وعمر أبو ريشة لكني لا أعرف من هي حنان الموسيقية المثقفة. أخشى ما أخشاه أن ينتظر هذا المصير مسلسل محمود درويش الذي قيل انه في طور الإعداد.
السفير