الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

نجاد يحكم ايران

ساطع نور الدين
ليس انقلابا، لكنه يشبهه، وهو يستكمل الانقلاب الذي جرى في اعقاب التمديد لمحمود احمدي نجاد لولاية رئاسية ثانية بدأت في حزيران العام 2009، وما زالت ارتداداته مستمرة حتى اللحظة، لتجعل من الرئيس المثير للحرج لدى غالبية الايرانيين والجدل لدى غالبية دول العالم، حاكما مطلقا لإيران.. لا يتحداه اليوم سوى بعض المحافظين المعتدلين، الذين سيصيبهم ما اصاب الإصلاحيين من تشتت وضياع.
قيل ان القرار الذي اعلنه نجاد بإقالة وزير خارجيته منوشهر متكي عندما كان هذا الاخير في زيارة رسمية الى السنغال، لا يمكن ان يصدر عن رجل دولة يحترم القوانين والأعراف والتقاليد الدبلوماسية، ويقيم وزنا للعلاقات الدولية. لكن الأصح ان مثل هذا القرار لا يمكن ان يصدر عن دولة تلتزم تلك القوانين والأعراف وتقدر مكانتها وتحافظ على صورتها ووحدتها وهيبة مؤسساتها، بل تحترم حتى الرسالة التي كان الوزير المقال يحملها من الرئيس الإيراني نفسه الى نظيره السنغالي عندما تلقى خبر إبعاده من منصبه.
لم تكن تلك الإهانة الشديدة موجهة الى الوزير متكي وحده، الذي لم ينتظره نجاد حتى عودته الى طهران، لكي يبلغه ان جزاءه من الآن فصاعدا أصبح عند الله، على ما جاء في نص بيان الإقالة. ولا يمكن الافتراض ان الخلاف الشخصي او حتى السياسي الدائم بين الرجلين اللذين ينتميان الى مدرستين سياسيتين متباعدتين، ونهجين دبلوماسيين متناقضين الى الحدود القصوى، هو الذي دفع الرئيس الى اتخاذ هذا الإجراء التأديبي الغريب بحق وزير خارجية الدولة الايرانية. ثمة صراع حاد كان ولا يزال يتفاعل في طهران، دفع ثمنه متكي في داكار، بطريقة غير دبلوماسية ابدا تؤكد ان المحافظين الايرانيين يواجهون لحظة الحقيقة، ويعيدون ترسيم الحدود بين أجنحتهم الأمنية والسياسية.
بعض هذا الصراع يدور بين الرئاسة ونوابها ومستشاريها و«حراسها» من جهة وبين البرلمان وأعضائه ومراجعه و«حراسه» من جهة اخرى، حول إدارة الاقتصاد والموازنة والنفط وخطط رفع الدعم وأخيرا حول خطة توسيع مترو طهران وأيضا حول السياسة الخارجية التي سبق لنجاد ان حاول الاستحواذ عليها من خلال تعيين عدد من المبعوثين الايرانيين، بينهم نسيبه الشهير اسفنديار رحيم مشائي، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة عندما تدخل المرشد آية الله علي خامنئي واضطره الى التراجع عن تلك التعيينات.
بإقالة متكي على هذا النحو المثير، أراد نجاد كما يبدو ان يبلغ خصومه أنه قرر تخطي جميع الخطوط الحمراء وخوض المواجهة بشكل يخلو من اي دبلوماسية، وهو قرار لم يتخذه عبثا او صدفة بل بالاستناد الى معطيات فعلية تؤكد انه بات يتمتع بالغلبة، وصار قادرا ربما على اختبار إرادة المرشد او تحدي مرجعيته المحرمة.. بعدما شعر ان هؤلاء الخصوم ينصبون له فخا او يستغلون العقوبات الدولية الضاغطة اكثر من اي وقت مضى من اجل محاصرته وإخضاعه لسلطتهم.
صار نجاد صاحب القرار في إيران. هو شبه انقلاب، يمكن أن يشد أحد الحصارين على الإيرانيين ويفك الآخر.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى