التحول الديمقراطي وقوى التغيير
محمد عيسى
إن المراقب والمتأمل لمراحل تشكل نواة قوى التحول نحو الديمقراطية في سورية يلحظ مدى الضعف والتباطؤ في سير هذا التشكل وذلك لعدة أسباب ربما يجب أن نشير إلى بعضها في هذه السطور .
بالرغم من أن فكرة الإقطاعية و الحكم القبلي قد أكل الدهر عليهما وشرب إلا أن السلطة ما تزال مصرة على حكم المجتمع السوري بمنطق الإقطاعي ليتحول المواطن إلى عبد ولتغيب فكرة المواطنة تماماً وسيكون لهذا المنطق تداعيات خطيرة وربما يؤدي إلى ترسيخ الفكر الطائفي الإقصائي في المجتمع.
إن قوى التغيير أو ما تسمى بالنخبة المثقفة ظلت محبوسة ومحشورة بالزاوية النخبوية التي وضعت نفسها بها أو التي اختارتها السلطة لها حتى تضل بعيدة عن التأثير الحقيقي في بنية المجتمع و نحت صخور الجهل واللامبالاة والتي تشكلت بمرور الزمن ولايمكن لقوى نخبوية أن تؤدي دورها الوطني إذا بقيت بعيدة عن المواطن البسيط .
لا يحتاج شيخ العشيرة إلى صندوق انتخابي ليكرس سيطرته على القبيلة كما لا تحتاج السلطة إلى المواطن ليضفي عليها الشرعية فهي تستمد شرعيتها الوهمية من غياب الثقافة السياسية المستقلة في المجتمع كما أنها استطاعت وضع التيار الديني الرسمي تحت عباءتها ليضفي شرعية دينية عليها وليمارس هذا التيار عملية التخدير الشرعية للمجتمع بأمر من الحاكم بأمر الله.
إن استقلالية التيار الديني وتحليه بالروح الوطنية والشعور بمعاناة المواطن هي الطريقة الأنجع وهي مسوؤلية وطنية على عاتق هذا التيار حتى لا يكون أحد أسباب الهزيمة المدنية للمجتمع بحكم التأثير الكبير للدين في حياة الناس .
إن قوى التغيير في سورية تركز على النشاط السياسي أكثر من تركيزها على التثقيف المدني وخاصة الموجه لفئة الشباب . من ناحية يبقى التغيير الثقافي للعقلية السورية خطوة كبيرة على خط التغيير السياسي.ومن ناحية أخرى تساعدنا عملية زرع الثقافية السياسية إلى خلق جيل شاب مثقف وواع لحقوقه وواجباته في دولة المواطنة كما تؤسس لخلق قيادات تغييرية من الفئة الشابة قادرة على متابعة مسيرة التغيير حتى تحقيقها.
ومن المؤثرات على الخط التغييري في سورية أيضاً. إختلاف الايدولوجيات السياسية ومحاولة كل فريق إثبات صوابية موقفه وقدرته على التأثير الشعبي أكثر من الفكر السياسي الأخر . وبالرغم من وحدة الهدف فلم يستطع حملة هذه الأفكار التركيز على القواسم المشتركة كوننا في مرحلة لانحتاج فيها إلى إثبات مثالية الفكر الإشتراكي في مقابل عقلانية الفكر الليبرالي ….إن الهدف أكبر من خلافاتنا الأيديولوجية ولن يستطيع فكر سياسي واحد وأوحد حكم سورية إلا إذا كان متأثر بالحزب الواحد واللون الواحد والقائد الواحد .
و تبقى نقطة أخيرة سلبية تسجل على قوى التغيير في سورية وهي النشاط الموسمي من الإجتماع حتى الإجتماع الأخر وبينهما حالة جمود كبيرة وهذا النشاط الموسمي هو الذي يفقد العزيمة لدى المواطن للوثوق بهذه القوى والتعويل عليها بينما عملية التحول الديمقراطي تحتاج إلى عمل دؤوب ومستمر وغير متقطع .
وبالرغم من أن السلطة وكما قلنا أنها تنتهج الفكر الإقطاعي في حكم المجتمع بعد حصولها على الشرعية الدينية من التيار الديني الرسمي فبقيت بحاجة إلى التأكيد على ضرورة بقائها من خلال شعارات المواجهة للهيمنة الصهيونية وأوهمت البعض أن مشروع الإصلاح والإنفتاح السياسي والإقتصادي مرتبط بمسألة الصراع الدولي في المنطقة وهذا المنطق أصبح معمم في الوطن العربي حتى مصر التي خرجت من حلبة الصراع ماتزال محافظة بقوة على قانون الطوارئ ودائما بحجج واهية . فهل يستطيع شعب مهزوم من داخله أن يحقق أي إنتصار على عدو محتل أرضه ؟
إن ربط الإصلاح السياسي في البلاد بموضوع تحرير الأرض هو لترسيخ فكر الاستبداد ومحاولة لاستنزاف البلد لأطول مدة ممكنة وحتى لو تحقق التحرير قريباً فلن تقوم السلطة بتغيير سياسي لما يشكل هذا الإصلاح من خطر على هيكليتها القائمة على المحسوبية ومبدأ الولاء قبل الكفاءة . فتحرير الإنسان هو السبيل لتحرير الأوطان.
كما نجحت السلطة في بث الخوف في المجتمع من النموذج العراقي بعد سقوط النظام الحاكم فيه في عملية التوصيل المجاني للديمقراطية من قبل الولايات المتحدة وماتلاهها من تدمير للبلاد وهذا النموذج كان هدية للسلطات المستبدة حتى تستطيع المقارنة أمام شعوبها بمعادلة “إما نحن أو السيارات المفخخة وعصابات الموت ”
إن ما يجري في العراق ليس نتاج عملية تحول تدريجي باتجاه الديمقراطية إنما حرب لمصلحة دول معينة توفرت لها الأسباب بوجود سلطة مستبدة عندما وضعت في الإختبار الحقيقي لم تجد شعب يقف إلى جانبها .
إن التغيير السياسي وماسيتبعه من عملية إصلاح إقتصادي وإجتماعي في البلاد سيشكل البطانة المساندة لأي سلطة سياسية تحكم البلد مهما كانت الضغوط والظروف الدولية .
وأخيراً كلنا أمل أن لا تأخذ هذه السلطة العزة بالإثم خاصة بعدما إنتصار حلفائها في لبنان عسكرياً وسياسياً وبعد الانفتاح الرسمي الفرنسي نحو مزيد من الإعتقالات والتضييق على الحريات .