ثورة تونس

الشارع العربي

خالد صاغية
بصرف النظر عن شكل النظام الذي ستنتجه الانتفاضة التونسيّة بعد فرار زين العابدين بن علي، فإنّ ردود الفعل في العالم العربي لم ترقَ حتّى اليوم إلى مستوى الحدث الذي أسهم في تحطيم أصنام كثيرة. ولعلّ أهمّ ما جرى تحطيمه هو الصورة النمطيّة عن الشعوب العربيّة، الشعب التونسيّ ضمناً.
فمنذ هزيمة 1967، والنظريّات الاستشراقيّة حول العقل العربي والثقافة العربيّة تجد صدى تصاعدياً، ولا سيّما لدى بعض النخب العربية التي يدفعها تبرّمها من الواقع المرير إلى الانزلاق إلى شتم الناس وتحميل «تخلّف» الشعوب مسؤوليّة الأوضاع البائسة. وكادت تلك النظريّات التي تلامس العنصريّة عبر تبنّيها الدونيّة الثقافيّة بديلاً من الدونيّة العرقيّة، تصبح هي السائدة في التحليلات السياسيّة. وهي نظريّات تريح بعض المثقّفين إذ تمدّهم بأدوات تحليل سهلة نسبياً، وتضمن لهم تمايزهم عن سائر «الرعاع» الذين يُمطَرون بنقد عاداتهم وأساليب عيشهم وأفكارهم وربّما أيضاً ألوان ملابسهم.
ولم يقتصر تبنّي هذا النوع من التحليل على فئة بعينها، بل اشترك في ترويجه ليبراليّون ويساريّون. ومهما كانت نيّات المروّجين، فإنّ الاستنتاج الطبيعيّ الذي يمكن الخروج به هو: حملة «تحديثيّة» تقوم بها جيوش تنهب الأخضر واليابس بحجّة تحقيق الوعد الديموقراطي أو حلم الانتماء إلى فئة «الشعوب المتحضّرة». وهذا هو الخطاب الذي رافق غزو أفغانستان واجتياح العراق. خطاب وجد مصفّقين كثراً له في العالم العربي، وأفسح المجال أمام تنامي خطاب معاكس يروّج للعودة إلى الأصول من أجل «تنقية» الثقافة العربيّة من الشوائب التي اعترتها نتيجة التلوّث الذي تعرّضت له، تلوّث يُنظَر إليه على أنّه غربيّ أو علمانيّ إجمالاً، وهو الخطاب الذي اعتمدته بعض الحركات الإسلاميّة.
انتفاضة تونس أعادت الاعتبار، قبل أيّ شيء آخر، إلى الشارع العربيّ وإلى قيمة الإنسان الواحدة، عربياً كان أو غير عربيّ. طبعاً، لا تزال الفلسفة السياسيّة عاجزة عن تفسير لماذا يختار الناس توقيتاً معيّناً للنزول إلى الشوارع بعد تحمّلهم أعواماً من القهر. ما الذي يجعل الصراخ ضدّ القمع والوجع والاستغلال لحظة حتميّة بعد دهر من الصمت؟ المؤكّد أنّه ما من عامل حاسم واحد في هذه المسألة. لكنّ باستطاعة مسرّبي وثائق «ويكيليكس» ومروّجيها الافتخار بأنّهم شركاء في هذه الانتفاضة، وباستطاعة كلّ الصحافيّين والناشطين في العالم الذين يعملون على كشف ملفّات العار للسلطات في بلدانهم أن يتأكّدوا من أنّ جهدهم جزء من عمل تراكميّ قد يثمر تغييراً في يوم ما.
الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى