الهجرة العامة والتهجير القسري للأكراد في سورية
الدكتور توفيق حمدوش
لم تعش سورية _ الدولة التي نشأت حديثا بعد تحقيق استقلالها عام 1946 من الانتداب الفرنسي _ استقرارا سياسيا ولا حكما وطنيا على قدر من الحكمة والمسؤولية والقوة والعدالة من اجل تطبيق مشاريع تنموية اقتصادية تضمن العيش الكريم لكل مواطني سورية في أي منطقة من سورية .
عدم نجاح سورية كدولة حديثة في أن تحافظ على أبنائها وعلى الكفاءات نتيجة فشلها في خلق الفرص التي تستوعب الأيدي العاملة والكفاءات وفشلها في مواكبة التقدم الصناعي المكثف في كثير من دول العالم واتساع الحاجة في هذه الدول إلى اليد العاملة أدى إلى هجرة الكثيرين من السوريين خارج بلادهم ليقصدوا دولا أخرى في أوربا وجنوب أمريكا مثل البرازيل و وكذلك إلى دول الخليج العربي.
هذه الهجرات كانت كلها ذات طابع اجتماعي اقتصادي يتمثل في البحث عن وسائل معيشة ومستقبل أفضل مما يقدم لهم في الوطن الأم . وهكذا فقدت سورية خيرة أبنائها واليد المعاملة المنتجة والملايين من المثقفين ذوي الاختصاصات العالية في كافة مستويات العلم والمعرفة والصناعة والتجارة.
وحسب المعلومات المتوفرة يقال بان أكثر من عشرين مليون سوري يعيش خارج وطنه وهم مهاجرون إلى الخارج وهذا يعني أنه يعيش خارج سورية من السوريين أكثر من عد سكان سورية.
وان كانت هذه الهجرات لأسباب اجتماعية اقتصادية إلا أنها كانت هجرات طوعية في ذلك العهد ، وقافلات الهجرة كانت متتالية من سورية إلى لبنان ومنه إلى دول العالم الصناعي المنفتح في أعوام الستينات وبداية السبعينات.
وهنا يجب لفت الأنظار إلى أن النظام الحاكم في سورية منذ عام 1963 والذي استولى على السلطة عن طريق انقلاب عسكري لحزب البعث العنصري والذي تفرد في إدارة الدولة ورفض مشاركة أطياف الشعب في القرار السياسي وإدارة شؤون الدولة أدى إلى أن تسير سورية دولة وشعبا إلى مستوى من الرداءة لم تشهده دولة أخرى .
و نصيب الشعب الكردي من هذه الحالة المزرية والانحطاط والتأخر على كافة المستويات كان اكبر بكثير من نصيب أي طيف سوري آخر.
ويعود هذا لأسباب عرقية قومية خلقها البعث الحاكم لكي يقضي على خصومه وعلى المعارضة التي ربما تنشأ في يوم من الأيام وحرصا على مكاسبه السياسية والمضي بها على هذا الشكل ، حيث استخدم بشكل ذكي التفرقة العنصرية بين مكونات الشعب السوري وتمكن من خلق صور عدائية بغيضة وصف بها كل طيف ليحارب بها الآخر . حتى أصبحت الأطياف السورية التي تعيش على ارض ووطن واحد غريبة وبعيدة عن بعضها وكأنهم ليسوا أبناء الوطن والدولة الواحدة.
عاني الشعب الكردي من سياسة التفرقة هذه كثيرا جدا وحظه من الاستبداد والاضطهاد كان ثقيلا جدا وأكثر بكثير مما عانته بقية الأطياف السورية الأخرى .
لكن صمود الشعب الكردي ومثابرته على العيش على أرضه وفي مناطقه واعتماده على الزراعة وتربية المواشي في تسيير معيشته إضافة إلى طبيعته القاسية والصلبة التي اكتسبها من بيئته الجبلية مكنته من الاستمرار والبقاء ومن تطوير واقعه إلى الحال الذي هو عليه اليوم.
ولكن النظام العنصري الاستبدادي في سوريه سرعان ما لاحظ هذه المقومات للشعب الكوردي فبادر بسرعة غير مسبوقة لأخذ الإجراءات القانونية و السياسية التي تهدف إلى كسر عزيمة الشعب الكوردي وطرده من أرضه وارض أجداده من مثل التهجير القسري للأكراد من الحدود السورية العراقية والسورية التركية وتوطين البدو مكانهم ، وأيضا صدور القانون المسمى بالحزام العربي المشؤوم وقانون الإحصاء الاستثنائي وتجريد الكورد من الجنسية السورية ومؤخرا إصدار المرسوم الجمهوري رقم 49 بحق الأكراد في شمال سورية استكمالا للسياسة العنصرية التي بدأها النظام الحاكم بمرجعيته البعثية .
إن الحد من سياسة الاستبداد التي يعتمدها النظام بحق السوريين عامة والحد من سياسة الظلم والتهجير القسري للأكراد السوريين يتطلب منا القيام بخطوات عملية على الساحة العالمية من جهة وعلى ارض الواقع في سورية من جهة أخرى. وهذان التوجهان يتطلبان تنظيما سياسيا جريئا يعمل على الساحة العالمية من اجل تدويل الوضع الاستبدادي للنظام السوري بشكل عام في سورية والحالة التمييزية الخاصة بالشعب الكوردي ومتابعة هذه الأنشطة في المحافل الدولية وأمام الأمم المتحدة و منظمات حقوق الإنسان العالمية من اجل إرسال مراقبين دوليين من حين لآخر لرسم صورة حقيقة عن الواقع السوري وحالة الاستبداد التي يعاني منها الشعب السوري إضافة الى دراسة خاصة عن واقع الشعب الكوردي ومستوى الاضطهاد الذي يعانيه بسبب سياسات هذا النظام الذي بات معروفا على المستوى الدولي بأنه نظام مجرم بحق شعبه.
المسار الثاني يتمثل في التنظيم السياسي الكوردي الفتي والانفتاح على أطياف سورية فتية جديدة تقبل العيش المشترك مع الأكراد في ظل نظام حر وفي وطن حر يؤمن لكافة السوريين أيا كان عرقهم أو دينهم كامل حقوقهم. وبناء حركة ديمقراطية فتية تنظم كافة الأطياف السورية مع مكوناتها وأحزابها من اجل تغيير هذا النظام الاستبدادي القائم منذ عام 1963 .
هذا يتطلب من أبناء الشعب الكوردي اخذ الدور القيادي في التنظيم السياسي واخذ زمام المبادرة في النشاط السياسي العام على مستوى سورية بأكملها . وشرح الوضع القاهر في المناطق الكوردية وظروف الاستبداد القائم هناك .
من المعروف أن منطقة الجزيرة حيث أغلبيتها من الأكراد تحكم من قبل ضابط علوي ( اسمه محمد منصورة ويلقب من قبل أبناء منطقة الجزيرة السورية باسم أبو جاسم ) وهو بمثابة المندوب السامي لهذا النظام الاستبدادي ويتصرف كما كان الأمر أيام الانتداب والاستعمار الفرنسي والبريطاني في الدول العربية .
حيث يحكم بمساعدة ذيول النظام الحاكم ويضرب طرفا وطنيا بآخر ويفرق بين الجبهة الكردية وحركة المعارضة السورية وكأنهما شيئان مختلفان متناقضان وكأن مصالحهما متناقضة ومختلفة عن بعضها البعض .
هذا الأمر يتطلب وعيا كورديا على مستوى الأفراد والجماعات والابتعاد عن هذه السياسة الاستعمارية التي تفرق بين أبناء الوطن الواحد الذين لهم نفس المصير رغم صعوبة الواقع الكوردي والانضمام لجبهة النضال الفتية التي تريد تغيير هذا النظام إلى الأبد.
لا يكفي أبدا أن ينادي الأكراد العالم اجمع للفت انتباهه إلى الشروط المعيشية السيئة لهم بل يجب أن يقتربوا أكثر من تنظيماتهم السورية الذاتية والكردية خاصة .
الجالية الكردية الصغيرة في أوربا لا تستطيع تقديم وسائل العيش لشعب بكامله في سورية بل يجب لتحقيق ذلك تغيير النظام واخذ زمام الحكم بمشاركة كافة الأطياف السورية في ظل نظام ديمقراطي حر .
فالوعي والتنظيم السياسي هما الطريق الوحيد للخلاص من الاستبداد والظلم والحد من الهجرة والتقهقر الاجتماعي وسوء ظروف المعيشة . والأكراد السوريون لهم الخيار بين الانضمام للنشاط السياسي الفتي الذي يريد تحقيق الحرية لهم والعزة والكرامة وحتى الحق في الوصول إلى أعلى مناصب الإدارة والمسؤولية في دمشق للمشاركة في صنع السياسة العامة للدولة . أم قبول الحالة السلبية الانتهازية والعيش تحت أوامر الضابط السامي البعثي الحاكم منصورة وأذياله المستفيدة من الوضع القائم .
لكم الخيار ولنا العمل
نحن جادون في العمل السياسي الفتي ونريد لكم الحرية والعزة والكرامة .. ليس فقط للكورد وإنما لكافة أبناء الشعب السوري. .. فليكن للطرف الكوردي دور قيادي في الحراك السياسي والنشاط الدبلوماسي القائم في كل مكان .
هل انتم جاهزون من اجل هذا النشاط؟
الدكتور .دكتور توفيق حمدوش
الحركة الديمقراطية السورية