ماذا يمكن أن نستورد من طريق الهند؟!
موقع اعلان دمشق
لعلّ خير ما يمكن الإفادة منه في الهند هو الاطّلاع على تجربة البلد الكبير المحسوب على العالم الثالث، وكيف حقّق منجزات تدهش العالم في مجال التنمية والتحديث، وتدفعه لإدخال ذلك البلد في عداد الدول العظمى، وعضوية مجلس الأمن الدائمة. نتذكّر ذلك بمناسبة زيارة الرئيس الأسد الرسمية إلى هناك.
الهند بلد متعدّد الأديان والمذاهب والأعراق، يختزن الكثير من أسباب التوتّر والفوضى، كما أن شعبه هائل الحجم والحاجات طالما كان غارقاً في حالات فقر شديدة، ولم تنقصه لأزمات والحروب في علاقاته مع الدول التي تجاوره. هو باختصار يفوقنا شكوى من كلّ ما نشتكي منه.
لكنه كان قادراً على اجتياز تلك المراحل، فاستقرّ أخيراً على تلك الحالة المدهشة التي ذكرناها. وليس ذلك لغزاً لا حلَّ له، بل هو واضح يُدرس دائماً في كلّ المعاهد والجامعات: إنه اعتماد حكم القانون واحترام الحريات واعتماد الديمقراطية في تشكيل الحكومات ومراقبتها.
طريق الهند ذاك برهان على بطلان من يتذرّع بأن لشعبنا خصوصيّته التي ينبغي مراعاتها، لأنّ هنالك “خصوصيّات” أصعب وأعقد. بل إن طريق الدولة المدنية الحديثة هو الضمانة لتلك الخصوصيّة الثقافية، أن تبقى وتزدهر وتطرح ثمارها التي تنفع الناس ولا تشدّهم إلى مقاعدهم أو تنكص بهم إلى الوراء.
وطريق الهند هو البرهان على أن محاربة الفساد والإفساد وتوفير أجواء الاستثمار والعمل والتنمية أمور غير ممكنة بالمعنى التاريخي في غياب حكم القانون واستقلالية القضاء، وهيمنة نظام الأوامر والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية.
لقد كان طريق الهند صعباً ومازال، إلاّ أن ضمان الحريات الأساسية والسياسية يبقى ركناً مهماً، قادراً مع احترام الدستور العصريّ على أن يؤمّن الاستقرار ويحمي البلاد من الهزّات والأزمات، بأن يكون هنالك دائماً مرجعيّة لحلّها لا يستطيع احد تجاوزها ولا الاستهانة بها. تلك تصبح آليّات لإدارة الاختلاف، وتضع الرأي والرأي الآخر في المستوى الحقوقي نفسه، كما أنها تعزّز الوحدة الوطنية وتحميها على أساس مبدأ المواطنة الأبقى والأنفع والأًصحّ.
فالاهتمام بدراسة مسار الهند إلى الازدهار الاقتصاديّ لن ينفع، ما دمنا لا نعود بالاستنتاج الأعمق، للأسس التي قامت عليها تلك النهضة الصناعية والتكنولوجية. فذلك يمكن أن يفيد مستثمراً منفرداً يسعى لتطوير مصالحه، لا دولة تبحث عن دليلها إلى المستقبل.
كلّ الاحترام والتقدير أولاً للتجربة الهندية، وللشعب الذي حقّق نتائجها، حتى أصبح ذلك البلد في صفّ القوى صاحبة الدور في النظام العالميّ مع تطوّراته المحتملة في العقد أوالعقدين القادمين. وصداقة شعبنا لتلك القوى تنويع ضروري يحميه من مفاعيل الهيمنة من أيّة جهة أتت.
لكنّ سؤالنا الأهم يبقى: ماذا نستطيع أن نستورد من الهند، ما خلا الطقس المداري الذي جاءنا منها طوال الأسبوع الماضي.. والجواب واضح بيّن!