صفحات الشعر

على رسلكَ أدخل الحديقة

null
شيرين ك (1954/ السليمانية)
الحديقة
1
بهدوء افتح ذلك الباب؛
لئلا تذبل الورود ويتساقط الندى
أنت لا تعرف صعوبة رعاية
تلك الورود المستوحشة
فوق هذا الجسد.
على رسلكَ،
ادخل الحديقة برجلك اليمنى؛ لئلا توقظ تنين الزمن
فمبارزة ذلك التنين
بسيف خشبي،
معركةٌ خاسرةٌ يا رفيقي.
ادخل بهدوء، لا تربك الورود
ولا تسقط الندى؛
لربما قصدتها ذات يوم
فراشة تائهة.

2
حين جاء أول وهلة،
كان بيننا مستقبلٌ ذهبي
وصفوف مسودات
وديوان شعر
لذا عند الوداع
ترك نقشا بنفسجيا
على شفتي
وحين جاء آخر مرة،
كان بيننا ماضٍ حجري
وجيشٌ من الوهم
وكتابٌ مقدس
لذا حين غادر
ترك لي سيجارة فقط
من علبة سجائره المليئة.

3
ذكرياتي تبخرت
وصار الماضي سحابة صيف
تمر بأحلامي حيناً
ولا تمطرني
مرةً فقط رأيت الشروق،
ثم انكسفت شمسي
ولم أر أيّ غروب
وداعا، وداعا، وداعا
أيّ موت صامت هذا الوداع
حيث الوحدة أبدية؛
وهذه آخر ضحكة
وآخر قبلة وآخر لقاء
كلهم ناموا في حضن الماضي
من يعرف الماضي؟
لِمَ لا أكون أنا ذلك الماضي؟
وهذه عين الحقيقة
ثمة طفلٌ في داخلي
لا يكبر،
أسير صيد طائر الزمن هو؛
وطائر الزمن هذا
لا يصاد بغير الأطفال
حبّك لعبةٌ طفولية،
تارةً تحبّني وتطوراً لا
أحيانا أهرب منك وأحيانا لا
لكنه قدرنا أن نطرق دوما
باب مدينة الحب.

4
أذرو شكوكي في الهواء
وأضع خطاياي في مجرى الماء،
أدفن ذنوبي وأحرق آثامي
خالية أنا من الشكوك
والخطايا والآثام والذنوب،
أإنسانة أنا حقا؟

تلك يدي
تلك يدي،
حين تدهم نار جهنم
هذا الجسد المترع إثماً،
تدافع يدي عبثا وتحترق عبثا
يدي اليسرى كانت ورقة بيضاء، ذات تشرين ربيعي
وعند عبور شارع
خطّ عليها أول حرف
بيد رجل كبير
ذاك الحرف حلقٌ ذهبي
لا يغادر بنصري أبدا
يدي اليمنى
في عتمة ليل شباطيّ بارد
إثر ثلاثة فصول عارية،
لثمتها شفتا محارب متعب؛
فأزهرت براعم أصابعها الخمس
وذكرتها كتابة الشعر
تلك البراعم المزهرة
ملأت قفة ديوان ورودا
ذات مرة
في الجانب ذا من الفصول كلها،
كانت يداي معا
تمسحان دمعاً لرجل غريب
خبأ آخر قبلة له فيهما
قبل الرحيل
تلك القبلة شقار
يزهر ربيعا في محجر قلبي
ويذوي سراعا
تلك يدي دوما
تحوي تحيات ورسائل وورودا،
وتسطر شعرا ودمعا
لو كان الحب خطيئة
والعشق ذنبا والهوى إثما؛
فهذه يدي
ترسل التحيات الى الحب
والرسائل الى العشق
والورود الى الهوى،
تمسح دموع الفراق
وتكتب الشعر للوحدة؛
لكنها قطعاً ليست يدي
من تنهي حكايا العشق
لذا حين تدهم نار جهنم
هذا الجسد الطاهر؛
فتلك يدي تستحيل عنقاء
تفتدي كل الأجساد الطاهرة
المترعة بالخطايا؛
فتحترق ولا تحترق.

وحيدة
يا إلهي ما أوحدني
كيف إذاً أتمرد عليك؟
(من حرقتك يا رفيقي
أود لو أن الجنة والجحيم
حقيقتان؛
ومن آهاتي تحرقان آلاف آلاف السنين)
وا رفيقاه
وجودك يجعلني وحيدة أكثر
هي الوحدة
من تجعلني أهيم وراءك
أو وراء الله
(ما دمت لا تستطيع تبديد وحدتي،
فلِمَ لا أتمرد عليك أيضا؟)
حين لا تستطيع تبديد وحدتي،
لِمَ، إذاً تجعلني وحيدة أكثر؟

حكاية قديمة جديدة
الليل في منتصفه
والحكاية انتهت،
وشهريار ساهدٌ
والديك يغطّ في النوم
والجلاّد حاضرٌ متأهب
مَن ينجد شهرزاد، مَن؟
مَن يُقرئها بيت غزل،
بيت عشق متأجج
مع نجوم المساء المتلألئة
شعت، وبمعية القمر أفلت؛
مَن يغيث شهرزاد، مَن؟
مَن يغنّي لها موّالا أو مقاما؛
أو يروي لها حكاية؟
حكاية عشق خالد،
تذروه العاصفة خريفا
ليبعث من الموت ربيعا
الليل في هزيعه الأخير
الحكاية تتواصل
وشهريار ينعس،
والديك التهمه ثعلب
والجلاّد يغازل بجواله
الفتيات الساهرات
ها هو ذا الصباح
والحكاية في ذروتها،
ولا من يسمع شهرزاد
وحكايا العشق الخرافية.

قسماً
قسماً ألا أحبّه أكثر
سأعدّ له كلاما قاسيا ومغيظا،
حين يأتي
سأقول له كذا وكذا
وحين يجلس
سأفعل كذا وكذا
لن أنظر إليه
سأظهر كامرأة ناضجة،
رغم أنه في كل لحظة
تجيش في داخلي
فتاةٌ حركةٌ ولعوب،
تستل الحمرة من حقيبتي
تغمق وتغمق
وتغمغم بمكر:
– يا بنت علّه يأتي فجأة.
قسماً
ألا أنتظرك أكثر
وألا أزيح الستارة
وألا أصيخ السمع
وألا أجفل لسماع رنين الهاتف؛
رغم أنه في كل لحظة
تنتحب في داخلي
عاشقةٌ مراهقة،
كلما سمعت أغنية عشق.
قسماً
أن أُخرجك من أحلامي،
لذا في كل ليلة، قبل النوم،
أفخّخ حقل أحلامي
بآيتي “الكرسي” و”الفاتحة”؛
فربما- لا سمح الله-
ظفر بي شيطان نظراتك
حين أفيق صباحا
أشتاق إليك
أكثر من أي يوم مضى.

ترجمة صلاح برواري

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى