إيران وسوريا و”خطأ شائع”!
نبيل بومنصف
ثمة “خطأ شائع” يتناوب اللبنانيون او بعضهم على الوقوع في حساباته الظاهرية مثلما وقع فيه قبلهم الغربيون، وهو ان “الراديكالية” الايرانية تحرج حليفتها السورية التي تمتاز غالبا ببراغماتية مجزية تجعل دمشق لا تقطع شعرة مع خصومها العرب والاقليميين والدوليين حتى من ضمن تحالفها الاستراتيجي مع طهران. بذلك، تبرز معالم تسرع في لهفة البعض على ما يسمى الوساطة السورية – السعودية من جراء التسديدة اللاذعة التي وجهها مرشد الجمهورية الاسلامية السيد علي خامنئي الى “حكم” المحكمة الدولية مفتيا باعتباره “لاغياً وباطلاً”.
هذه الراديكالية المعهودة عند مفاصل الازمات التي تعني ايران، لم تعد يوما على دمشق الا بوفرة تراكم الاوراق لان العرب والغرب ينساقون توا الى الاختيار بين “الكحل والعمى” والتمييز بينهما مع ارجحية دائمة لمصلحة سوريا البراغماتية خصوصا في خبرتها العريقة المشهورة في التعامل مع تعقيدات الجار الصغير لبنان.
ولكن الامر يختلف هذه المرة، وربما لمرة نادرة، باعتبار ان القضية المقضية ليست مسألة صراع على السلطة او خلافا سياسيا او امنيا “عاديا”، بل هي المحكمة الدولية العاصية على حسابات الاوراق حتى لو شكلت فتوى مرشد الثورة الايرانية الوجه الآخر لتوازن الرعب الذي يُراد له ان ينتصب في مواجهة القرار الاتهامي.
والواقع انه خلافا للخطأ الشائع نفسه، غالبا ما اظهرت ايران، على رغم باعها الطويل وسطوتها القوية في لبنان، افتقارا الى خبرة حكيمة يتقنها حليفها السوري بمقدار اكبر بكثير. بين ايدينا في المقلب الحديث جدا تجربتان. فعشية الانتخابات النيابية في العام الماضي لم يتورع الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد عن اطلاق نفير “التغيير” عبر الساحة اللبنانية الداعمة فريقا بعينه مما ادى الى انقلاب ظهر المجن في نتائج الانتخابات لغير مصلحة فريق 8 آذار. والآن يطلق مرشد الثورة فتوى الاسقاط الاستباقي لحكم المحكمة زاجا بالملف برمته في حسابات استراتيجية ثقيلة تدفع به الى “الأقلمة” و”التدويل” في مواجهة الغرب واميركا خصوصا.
على افتراض ان هذه النقلة تفيد ايران في تثبيت توازن الرعب في مطالع مفاوضاتها المتجددة مع الغرب على الملف النووي، فان الامر لا ينسحب بالضرورة على حلفائها ولا سيما منهم “حزب الله” في معركته الطويلة مع المحكمة. لم يكن “حزب الله” في حاجة الى “مشروعية” اضافية لخوض هذه المعركة. فهو بموقف المرشد الاعلى ومن دونه يحظى بحق طبيعي وقانوني وبديهي و”شرعي” في الدفاع عن نفسه، وهو حق مقدس تقره كل الشرائع وتحديدا نظام هذه المحكمة التي يواجهها. لا بل ان مشروعية موقعه الدفاعي تصبح اكبر صدقية من دون اي “معونة” اقليمية او خارجية ما دام يشهر معركته على المحكمة بداعي خضوعها للضغوط السياسية. وحتى سوريا التي وضعت علنا في مواجهة “الاتهام السياسي”، لم تقطع شعرة معاوية مع محكمة دولية. وبصرف النظر عن استهدافات لم تتكشف بعد تماما لموقف المرشد الاعلى، يتعين اعادة النظر في هذا “الخطأ الشائع”، لأن “تسييله” لن يكون إلا على ارض “الحلف الاستراتيجي”، اي لبنان بتقاطع معلن او بصدام مكتوم او ما بينهما.
النهار