دفاعا عن الطريق الثالث: نقاش لورقة التحالفات الصادرة عن تجمع اليسار الماركسي في سوريا
مازن كم الماز
إن القضية ليست فقط كما أزعم في تقديم الأممي أو الوطني , المرحلي أو الاستراتيجي , بل في تعزيز خط و نهج الخيار الثالث , الذي أزعم أنه يعني مصالح الجماهير الشعبية أساسا . هناك بالفعل صراع عالمي و إقليمي بين مشاريع مختلفة لكنها لا تمثل مصالح الجماهير التي نتحدث عنها . من المفيد هنا ذكر استعراض تاريخي لمفهوم الطريق الثالث , الذي بدأ بالظهور مع التحول الذي طرأ على قيادة الاشتراكية الديمقراطية التي تحولت مع وجودها في البرلمانات و النقابات البرجوازية إلى جزء من النظام و أصبحت تروج لخيار السياسات الإصلاحية من داخل النظام , هنا كان من المنطقي ظهور معارضة يسارية لكل من هذه القيادة و البرجوازية الحاكمة على حد سواء , و بعد ثورة أكتوبر خاصة اكتسبت أطروحة الطريق الثالث بعدا آخر , فاليسار اللا ستاليني كان عليه أن يتخذ موقفا في الصراع بين معسكري الستالينية و الرأسمالية و قد ابتز الطرفان هذا اليسار لاستخدامه ضد الخصم , الستالينيون بحكم معاداته للرأسمالية و الرأسماليون بحكم معاداته للشمولية الديكتاتورية . حقيقة أن هذا الطريق الثالث لم يكن قويا أو حاضرا بقوة في فترة الحرب الباردة مسؤول إلى حد كبير إلى جانب السياسات الشمولية الستالينية بالطبع عن الهزيمة المفجعة لقيم العدالة و الحرية و المساواة العمالية التي استمرت لبعض الوقت , و ما الذي حدث يومها ؟ لقد أقامت الاحتكارات الرأسمالية ديكتاتوريتها على مجمل سطح الكرة الأرضية من خلال فتح العالم بأسره أمام استغلالها المنفلت و دمرت بشكل منهجي هامش الحرية و الأمان الاجتماعي الذي كانت تتمتع به الطبقات الأكثر فقرا و التي انتزعتها من خلال نضالاتها الطويلة أو اضطرت البرجوازية أن تتحملها بسبب المنافسة الحادة مع الدول الستالينية , لقد فرضت على معظم البشرية أن تعمل فقط لكي تنفخ جيوبها و فككت كل وسائل التعبير المتاحة خارج تروستاتها الإعلامية بما في ذلك النخبوية و روجت لنهاية التاريخ على يديها و على عقم مقاومتها و غياب أي بديل تحرري حقيقي , بالمقابل يمكن تخيل النتيجة لو أن الستالينية كانت قد انتصرت بشكل أو بآخر , كانت ديكتاتورية أخرى ستفرض في كل مكان , كانت البيروقراطية الدولتية و الأمنية و الحزبية ستقود عالما , أو كرة أرضية , على شاكلة مزرعة الحيوانات لجورج أورويل , كنا سنلعب فيه جميعا دور الهتافين مسلوبي الإرادة لزعماء على النمط الستاليني و ربما حتى دور عبيد السخرة الذين عملوا لسنوات طويلة في معسكرات العمل الإجباري في روسيا الستالينية . المشاريع المطروحة اليوم أيضا هي مشاريع فوقية , تغازل الجماهير كل على طريقتها و هي في نفس الوقت تنتهك مصالح الجماهير الشعبية كل بطريقتها و لمصالحها الخاصة , و هي جميعا لا تطلب من الجماهير أكثر من الدعم الصامت السلبي و خاصة أن تحد من حراكها المستقل و أن تثق أساسا بحراك سلطوي أو نخبوي معارض دون أن تتحرك بجدية للدفاع حتى عن مصالحها التي يهددها المشروع الآخر , إنها جميعا باختصار تخشى الجماهير و ترغب بإبقائها تحت السيطرة سلبية منفعلة و كامنة في أفضل الأحوال , و هي بذلك تريد تكريس هيمنتها بالتنافس مع المشروع الآخر لا تحرير الجماهير بالتأكيد كما تزعم . لقد طور المنشقون التروتسكيون و اليساريون التحرريون مفهوم الطريق الثالث في حقبة الحرب الباردة , خلافا لمن التحق من اليسار اللا ستاليني سواء بالستالينية أو بالمعسكر الرأسمالي , و الأهم من ذلك أن الجماهير نفسها مارست طريقها الخاص ( الثالث ) عن طريق النضال المحموم أحيانا و الصامت الأقل صخبا في أكثر الأحيان ضد المشروعين الستاليني و الرأسمالي خارج اليسار المنظم حتى , ثورات المجر 1958 التي قامت على أساس مجالس عمالية خارج بل في معارضة النظام الستاليني و تشيكوسلوفاكيا و بولونيا و على الطرف المقابل ثورات 1968 في أوروبا الغربية من فرنسا إلى إيطاليا حتى أمريكا نفسها تحت شعارات تحررية أساسا , و التي لعبت فيها الأحزاب الستالينية دور أحزاب الأممية الثانية في الحرب العالمية الأولى أي دور كاسر الإضرابات و منقذ البرجوازية و نظامها . إن المطلوب اليوم هو طريق ثالث , لا يعبر عن إيديولوجيا بعينها بالضرورة , و إن كانت هناك الكثير من المرجعيات الفكرية التي تبنت هذا الطريق الثالث , بل عن مصالح الجماهير في الخلاص من الاستغلال و الاستلاب أساسا و عن أحلامها في الحرية و العدالة أساسا , أنا أعتقد أنه يجب وضع حد للأوهام عن التحاق اليسار , و الأهم الجماهير , بأي من مضطهديها مهما كان السبب و تحت أي مبرر , إن محاولات حشر اليسار و الناس العاديين خاصة في الثنائيات التي تعبر عن القوى السائدة , كالنظام و المعارضة الليبرالية أو النظام و مقابله الخارج أو النظام الرأسمالي العالمي أو مشروعي الممانعة و الاعتدال , لن تؤدي إلا إلى نتائج على غرار الصراع بين الستالينية و الرأسمالية , يجب و بنضال الجماهير فرض ثنائية جديدة يكون قطبها الأهم و الأبرز هو الجماهير نفسها بمصالحها المستقلة و أهدافها في سبيل حريتها و بناء عالم يقوم على العدالة و الحرية لجميع البشر خاصة الأكثر تهميشا , و يجب إعادة تعريف كل شيء بالناس العاديين , بالجماهير تحديدا , من الوطن إلى المقاومة إلى الممانعة إلى الديمقراطية و العدالة و غير ذلك , ليس بتوسط أية نخبة أيا تكن , و لعل مهمة اليسار الثوري الحقيقية هي في أن يهمس للجماهير عن قدراتها و مصالحها , في أن يكشف تهافت المشاريع القائمة و ضرورة أن تخوض الصراع كقوة مستقلة ذات مصالح متمايزة , كما هو الحال في الواقع , عن كل القوى الاستغلالية المتنافسة , في سبيل أهدافها هي , إن انتصار أي مشروع لقوة استغلالية مهما كان فحواه لن يحمل الحرية للجماهير , و كان اليسار التحرري و اللا ستاليني عموما , و الجماهير في ممارستها الواعية خارج أطر القمع السائدة , يرفضون جميعا اعتبار أهون الشرين , و هو دائما حجة و تبرير القوى السائدة , كأساس لممارسة سياسية جماهيرية مختلفة جذريا عن سياسات الطغم و النخب الحاكمة و المتنافسة
خاص – صفحات سورية –