صفحات العالم

ثرثرة أميركية

ساطع نور الدين
الرئيس الشاب ليس سوى مجرد ثرثار، لا يزال يتصرف باعتباره مرشحا للرئاسة، يدير حملة انتخابية اكثر مما يدير دولة. اداؤه مخيب للآمال. لم يستطع ان يخترق المؤسسة الحاكمة. لم يتمكن من اقناع حكمائها وكهولها انه قائد حقيقي، قادر على ان يتولى زمام المبادرة في بلد يعيش واحدة من اسوأ ازماته واخطرها على الاطلاق.
هذا بعض مما قيل في الاسبوعين الماضيين في الرئيس الاميركي باراك اوباما، الذي يكاد لا يمر يوم من دون ان يطل على الاميركيين في خطاب او مؤتمر صحافي او تصريح او دردشة مع الصحافيين الذين باتوا يجدون صعوبة في التقاط منطق كلامه المتأني والمسهب، ردا على اسئلة مباشرة ودقيقة وسريعة، كان سلفه الرئيس جورج بوش يقابلها بردود اسرع وبعفوية شديدة ، فاذا لم يكن لديه جواب او لم يكن يرغب في الاجابة كان يميل الى النكتة، حتى ولو كلفه الامر الوقوع في زلة لسان. المهم الا يستغرق اللقاء مع الصحافيين او مع الجمهور اكثر من نصف ساعة كحد اقصى.. والاهم الا يسمح لاحد بان يغط في النوم لدى الانصات اليه.
ما زال اوباما يستعرض بلاغته وموهبته الخطابية، القائمة على اقتباسات وشعارات لا تصلح الا لتعبئة الناخبين، او استقطاب المؤيدين، الذين لم يلاحظ الرئيس الجديد انهم يشكلون اكثر من سبعين في المئة من الاميركيين الديموقراطيين كما الجمهوريون الذين قالوا بعد وصوله الى البيت الابيض الشهر الماضي انهم يثقون به، ويعتبرونه فرصة حقيقية للتغيير الذي تحتاج اليه اميركا سواء في الداخل او في علاقتها مع العالم الخارجي.
خلال الشهر الاول من عهده اعترف اوباما مرة واحدة بشجاعة مصطنعة الى حد ما بأنه اخطأ في اختيار احد وزراء حكومته، لكن الخطأ شمل حتى اكثر من اربعة من مرشحيه الكبار لشغل مناصب حكومية رفيعة، وسحب ترشيحهم لانهم كانوا متورطين في قضايا التهرب من الضرائب او الفساد.. وأقر بانه واجه تحديا جديا في الكونغرس من الديموقراطيين قبل الجمهوريين الذين نجحوا في تخفيض قيمة خطته للتحفيز الاقتصادي من حوالى 970 مليار دولار الى 787 مليارا.. ولولا تدخل نائبه جو بايدن اليومي مع الشيوخ والنواب لما ابصرت تلك الخطة النور، بشكلها الحالي الذي وقعه امس في كولورادو.
لكن حفل التوقيع الذي نظم خارج البيت الابيض وغلب عليه الطابع الانتخابي ايضا ، اوحى بأن تقييم الاعلام الاميركي للشهر الاول من عهد اوباما كان ظالما بعض الشيء: لم يكن يمثل عندما اعلن ان اميركا تحتاج الى اعادة اعمار بنيتها التحتية بالكامل في قطاعات التعليم والصحة والنقل والطاقة والنقد، ولم يكن يبالغ عندما وصف الخطة الاقتصادية بانها الاكبر في تاريخ اميركا التي تهدف الى اعادة انتاج الطبقة الوسطى، والتي تشبه خطة ايزنهاور في خمسينيات القرن الماضي، وتعادل خطة كينيدي في ارسال اول انسان الى سطح القمر.
ما زال اوباما ثرثارا، لكن اميركا تحتاج اليوم الى رئيس مثله.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى