يا ديموقراطيّي أميركا: انفصلوا عن أوباما
ديما شريف
ينتهي عام 2010 والرئيس الأميركي باراك أوباما في موقف صعب. لقد خاض أوّل انتخابات نصفية في عهده ومُني بهزيمة قاسية. خسر حزبه أكثر من ستين مقعداً في مجلس النواب، وأغلبيته لمصلحة الجمهوريين، واستطاع الحفاظ على أغلبية هشّة في مجلس الشيوخ. سيعرقل ذلك عمل الإدارة للسنتين المقبلتين، وسيجعل مهمة أوباما في مسعاه للبقاء في البيت الأبيض بعد 2012 شاقّة. لماذا خسر أوباما وحزبه؟ هل هو الاقتصاد فعلاً، أم الإدارة السيئة لكل الملفات المهمّة؟ وماذا يجب أن يفعل الديموقراطيون إذا أرادوا التفوق على منافسيهم المحافظين؟ أسئلة يجيب عنها الاقتصاديان بول كروغمان وزوجته روبين ويلز، عبر نصائح للديموقراطيين مع حلول العام الجديد
ما العمل؟
بول كروغمان وروبين ويلز *
-1-
فعلها الرئيس أوباما مجدداً، وهو المعروف بكونه سيّد التصاريح القليلة، حين وصف الخسارة الديموقراطية في الانتخابات النصفية بأنّها «خسارة كاملة». كلا، لقد كانت مجزرة. خسر الحزب مساندة جميع المجموعات الديموقراطية تقريباً. حتى العاملون في صناعة السيارات في ميتشيغان، الذين أنقذت حزمة مساعدات «جنرال موتورز» وظائفهم، صوّتوا للجمهوريين. وفي الوقت الذي نال فيه الديموقراطيون مساندة مضحكة من كريستين أودونيل (مرشحة حزب الشاي لمقعد مجلس الشيوخ في ولاية ديلاوير)، وكارل بالادينو (مرشح حزب الشاي لمنصب حاكم ولاية نيويورك)، من الصعب في الحقيقة توّقع كيف كان يمكن الأمور أن تكون أسوأ.
قال جوناثان مارتن من «بوليتيكو» إنّ التوسع المثير للإعجاب من جانب الديموقراطيين في خارطتهم الانتخابية في 2008، تبخّر. عادت الولايات التي تميل إلى الجمهوريين، والتي ربحها أوباما في 2008 (فيرجينيا ونورث كارولاينا، وانديانا) إلى كنف الجمهوريين، أما أهم الولايات المتأرجحة التي ربحها أوباما في 2008 (أوهايو، وبنسيلفانيا وفلوريدا) فقد تخلت عن الديموقراطيين. ما بقي هو خارطة انتخابية تتشابه مع الانتخابات الرئاسية لعام 2004 بين جورج بوش الابن وجون كيري، التي تميزت بحرب خنادق من مقاطعة إلى أخرى. أوجز الوضع المعلق والمستشار الديموقراطي بول بيغالا حين قال «إذا ربح أوباما ولايات كيري وفقط الولايات التي ربحها الديموقراطيون في 2010، فسيخسر». في الوضع الحالي، حتى الاحتفاظ بولايات كيري، أي ميتشيغان، وبنسيلفانيا ونيوجيرسي يبدو تحدّياً.
هل سبّبت ردات الفعل على الاقتصاد السيّئ هذه الكارثة، اقتصاد يظن أوباما أنّه أنقذه، لكن ليس إنقاذاً يكفي لإرضاء الناس؟ أو هل كان السبب، كما يظن الجمهوريون، رفض الناس لأوباما وكل ما يمثّله هو ونانسي بيلوسي؟
هناك الكثير من الأدلة التي تدعم فكرة أنّ النتائج كانت تُعزى فقط الى الاقتصاد. قبل وقت طويل من التصويت الفعلي في الانتخابات النصفية، تنبّأ عالم السياسة دوغلاس هيبز، أبو التحليل الكمّي للانتخابات، بخسارة كبيرة للديموقراطيين على قاعدة الأداء الضعيف للاقتصاد فقط، وحقيقة أنّ الديموقراطيين، ربحوا الكثير من المقاعد في الانتخابات السابقة، وأصبحوا متمددين انتخابياً تمدّداً كبيراً. في 2008، استجاب الناخبون الذين كانوا قلقين بشأن الاقتصاد لأوباما. اليوم، ووفق استطلاع أجرته «سي بي إس»، يؤمن 65 في المئة من الناخبين بأنّ رزمة التحفيز التي أطلقها أوباما، أذت الاقتصاد.
لكن حتى لو كان الاقتصاد هو السبب، فلا ضمانة من أنّه سيكون أفضل في عام 2012. قد لا يتحسن الاقتصاد، ويعود ذلك، في جزء منه، إلى أنّ الأغلبية الجديدة في مجلس النواب ستعارض أيّ سياسة قد تجعل الأمور أفضل. ودأبت إدارة أوباما على أن تفعل الأسوأ سياسياً انطلاقاً من اقتصاد سيّئ، أي الإكثار من الوعود، والتقليل من الأفعال، وفعلت ما بوسعها لتهميش من يجب أن يكونوا مناصريها.
لو كان للديموقراطيين أيّ أمل في أن يقلبوا الأمور، فيجب أن يتغير ذلك بسرعة.
-2-
رغم ما قد يعتقده المتفائلون في البيت الأبيض، فإنّ الفرص ليست جدية لإعادة ما حصل في 1996، حين قام بيل كلينتون بعودة مذهلة بعد معاناته من هزيمة في الانتخابات النصفية السابقة. كلينتون، رغم كل شيء، كان رئيساً في الفترة التي شهدت الفورة الاقتصادية. في السنتين اللتين سبقتا انتخابات 1996، شهد الاقتصاد الأميركي زيادة 5 ملايين وظيفة، وبحلول تشرين الثاني 1996 كانت نسبة البطالة 5.4 في المئة فقط. في المقابل، يترأس أوباما اقتصاداً عانى أزمة مالية حادة، والتعافي من أزمة كهذه يكون دائماً بطيئاً ومؤلماً، مع استمرار نسبة البطالة المرتفعة لسنوات. إنّ المتنبّئين المحترفين الذين استطلعهم الاحتياطي الفدرالي في فيلادلفيا يتوقعون اليوم نسبة بطالة في حدود 8.7 في المئة في 2012، وهي أخبار سيئة لرئيس يسعى إلى إعادة انتخابه.
قد يتمكن فريق سياسي قوي وماهر من الربح حتى في وجه هذا الضعف الاقتصادي، لكنّ فريق أوباما لم يبرهن عن قوة أو مهارة. كانت المشاكل ظاهرة منذ البداية. بعد انتخابات 2008، كان أوباما يحظى بكل الدعم السياسي، لكن عوض عن المساومة من موقع قوة، والمطالبة ببرنامج اقتصادي مناسب لمستوى مشاكل الاقتصاد، قرر أوباما أن يكون هدفه التوصل إلى مسار سياسي تعاوني، وهو تكييف لحلم التعاون بين الحزبين.
ورغم التحذيرات من اقتصاديين عدّة (ونحن منهم) من أنّ رزمة التحفيز التي نتجت كانت صغيرة جداً، تورط أوباما في احتفالات سابقة لأوانها. في شباط 2009 قال عن الخطة: «حجمها مناسب، وكذلك مداها. عموماً، تتمتع الخطة بالأولويات الصحيحة لخلق وظائف ستساعد على إعادة إطلاق اقتصادنا وتحويله ليناسب القرن الواحد والعشرين». كان ينقص فقط لافتة تقول «أنهينا المهمة بنجاح».
والأسوأ من ذلك، بدت الإدارة عاجزة عن تغيير خطابها بعدما أصبح جلياً أنّ البرنامج، في الحقيقة، غير ملائم. استمر التقدميون في انتظار اللحظة التي سيقول فيها أوباما أمراً مثل «لقد ترك سلفي الاقتصاد في حالة أسوأ مما ظننا ـــــ لقد حان وقت القيام بأفعال إضافية». لم تأتِ هذه اللحظة أبداً. على العكس، استمر المسؤولون في الإصرار على أنّ التعافي يجري على قدم وساق، وذلك بعد فترة طويلة من توصل الجميع الى قناعة بأنّه لم يكن كذلك.
بعد الانتخابات النصفية، هاجم الاستراتيجيون الديموقراطيون الإدارة لأنّها أدارت الأذن الصمّاء. أعلن خبير الاستطلاعات ستان غرينبرغ أنّ «اللجوء إلى المثل الشعبي عن السيارة الموجودة في الحفرة حين يكون الناس في ورطة وغاضبين من استغلال وول ستريت بعيد جداً عن الواقع». فيما سأل جيمس كارفيل «فيمَ كانوا يفكرون؟». وقال كارفيل إنّ مخططاً سياسياً أفضل كان سيقلّل من خسارة الديموقراطيين في مجلس النواب إلى ثلاثين مقعداً، لكن الإدارة بقيت سلبية بطريقة غريبة حتى خلال يوم الانتخاب.
السلبية نفسها كانت واضحة على جبهات أخرى: لم تفعل الإدارة شيئاً حين أصبح برنامج تعديل الرهون العقارية موضع سخرية، ولم تفعل شيئاً لمعالجة الغضب الشعبي حيال إنقاذ مؤسسات وول ستريت، كما ترددت حيال التلاعب الصيني بالعملة، وراوغت لأسابيع بعد التسرب النفطي في خليج المكسيك. بدت استراتيجية الإدارة السياسية كأنّها تستعد للجلوس وانتظار تحسن الاقتصاد.
الآن، يتحكم الجمهوريون في مجلس النواب ولديهم قوة الصد الفعّالة في مجلس الشيوخ. كل الإشارات تؤكد أنّهم مستعدون وجاهزون لاستخدام ذلك لحرمان إدارة أوباما أيّ إنجازات قد تطمح إليها في 2012. حتى الأمن القومي دخل في هذه الحسابات: لقد أعاق الجمهوريون اتفاقية بشأن الأسلحة الاستراتيجية، نحتاج إليها بشدة، بحجج من الواضح أنّها زائفة. ويبدو أنّ الاقتصاد ساحة مبارزة مسموح بها: لم يمنع مأزق البطالة أو النتائج الاقتصادية المحتملة لانخفاض مفاجئ في قدرة الشراء الجمهوريين من إعاقة تمديد إعانات البطالة.
الأكثر دلالة، هو الانقضاض الأخير الغاضب والمنسق، على بن برنانكي والاحتياطي الفدرالي. حتى بدء هذا الهجوم، كان يعدّ احتمال قيام الاحتياطي بـ«تيسير كمّي» (أي شراء سندات من أجل خفض فوائد الأجل الطويل) بديلاً محافظاً عن حزمة الإنقاذ. يستطيع الاحتياطي أن يعمل من أجل خفض الفوائد، وبالتالي الترويج للإنفاق الخاص. كما أشار العديدون، إلى أنّ مقاربة الاحتياطي الحالية قريبة جداً من سياسة الوصفات الخاصة بميلتون فريدمان، قديس الاقتصاد المحافظ. بالفعل، في 1998، حين كانت اليابان تعاني مصاعب اقتصادية شبيهة بما نعانيه نحن اليوم، حث فريدمان المصرف الوطني الياباني على تبني ما أصبح لاحقاً التيسير الكمّي.
لكن حين أعلن الاحتياطي الفدرالي أخيراً برنامجاً متواضعاً للتيسير الكمي في 3 تشرين الثاني، أعاده الجمهوريّون مع مطالب شائنة من أجل التوقف والكف الفوري له. أصبحوا هكذا بصحبة الصين وألمانيا، اللتين تعيقان التعافي الاقتصادي العالمي في منطقة اليورو، وأميركا عبر سياستهما الاقتصادية الخاصة، إضافةً الى ذلك، طلب أبرز الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ أن يتخلى الاحتياطي الفدرالي عن أيّ جهد للترويج للتشغيل وتحديد مهمته باستقرار الأسعار.
استبق الخبير في الموازنات ستان كولندر، بواقعيته السياسية، استراتيجية «الاقتصاد المحروق» الجمهورية في آب الماضي. كتب على مدوّنته «كابيتال غاينز اند غايمز» أنّه يبدو كأنّ «بن برنانكي وضع إشارة كبيرة على الاحتياطي الفدرالي كي يراه الجميع». وأضاف: «من المرجّح أن يطبَّق الضغط السياسي نفسه الذي أوصل السياسة المالية الى التوقف في واشنطن على الاحتياطي الفدرالي إذا قرر المضيّ قدماً. وبما أنّ صانعي السياسات الجمهوريين يرون أنّ الضائقة الاقتصادية هي طريقهم الى المجد الانتخابي في تشرين الثاني، فهناك أسباب عديدة لنتوقع أن يعارض الحزب الجمهوري أيّ خطوات يتخذها الاحتياطي الفدرالي من شأنها أن تجعل الاقتصاد يتحسن. ويجب أن نتوقع أن ينتقد الجمهوريون الاحتياطي علناً وبقسوة لأنّه فكّر في الموضوع. سيأتي الانتقاد على الأرجح قبل القيام بأيّ شيء لمنع حصول أيّ تقدّم، وبعد اتخاذ أيّ قرار، كي يفكر الاحتياطي مرتين قبل أن يقوم بالمزيد. سيحصل ذلك رغم أنّ ما يفكر الاحتياطي في فعله لن يرفع عجز الموازنة، كما حصل مع التغييرات في السياسة المالية. لم يكن العجز هو المشكلة أبداً، فهو كان دائماً ذريعة وطريقة سهلة ومناسبة لبناء معارضة لجهود البيت الأبيض للتعامل مع الاقتصاد».
هكذا يجب على الديموقراطيين أن يبدأوا بمواجهة حقيقة صراع صعب. لقد بُدّدت الفرصة التاريخية التي حصلت في 2008. في الوقت الذي احتفظ فيه الديموقراطيون بمجلس الشيوخ هذه السنة، سيكونون في خطر كبير في 2012 حين سيخوض عدد غير متجانس من الشيوخ الديموقراطيين معارك لإعادة انتخابهم. وكما رأينا للتو، لا يمكنهم الاعتماد على الاقتصاد لدفع أوباما كي ينجح في إعادة انتخابه، لأنّ الجمهوريين، مهما ادّعوا أو آمنوا به فعلاً، سيفعلون ما بوسعهم لإبقاء الاقتصاد سيئاً.
كذلك لا يستطيعون الاعتماد على أوباما نفسه ليقود عودة كبيرة. في مقابلة محطِّمة للمعنويات في برنامج «60 دقيقة» بعد الانتخابات النصفية، بدا أنّه يتقبل فعلياً ما قال عنه الجمهورييون، فلام نفسه لا الحزب المنافس، على فشل «الحفاظ على نبرة تقول إنّه يمكننا أن نختلف دون أن نكون بُغضاء». والمدهش فعلاً، أنّه في الوقت الذي تصل فيه أرباح الشركات الى نسب عالية جداً رغم البطالة، يبدو أنّ أوباما يتقبّل جديّاً الاتهامات بأنّ إدارته معادية للأعمال.
حتى لو وجد أوباما فجأةً في داخله قوة مشابهة لما تمتع به الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت، فهل سيلاحظ أحد ذلك؟ أصبحت عزلته واضحة كثيراً لدى الناخبين لدرجة أنّه لو حاول تغيير أسلوبه، حتى لو أراد هو ذلك، فسيعدّه البعض فوراً وصولياً. بعدما وثقوا به وخذلهم مرّة من قبل، من غير المرجح أن يعطوا أوباما فرصة ثانية.
-3-
ما يستطيع التقدميون فعله
إذاً، هل يجب على التقدميين أن يستسلموا؟ يقول التاريخ لا، فخلال العقد الماضي، برهنت السياسة الأميركية أنّها متغيرة بطريقة مدهشة، مع انهيار أغلبيتين قيل إنّهما دائمتان في 2006 و2010. قد تتغير الأمور مجدداً، ما دام التقدميّون يستمرون في النضال، لكن كيف سيبدو هذا النضال؟
بدايةً، يعني ذلك القتال من أجل القضايا الاقتصادية. رغم أنّه من غير المتوقع أن يباشر الديموقراطيون رزمة تحفيز إضافية، فهم يستطيعون أن يضغطوا على الجمهوريين، ويقاوموا الدعوات الى التقشف، ويكشفوا كيف يعيق الحزب الجمهوري أيّ خطوات ضرورية. يجب أن يكون الصراع على تجديد إعانات البطالة البداية فقط. يستطيع الديموقراطيون أيضاً أن يستنكروا الهجمات الجمهورية على الاحتياطي الفدرالي، ويدافعوا عن استقلاليته. يستطيعون مقاومة المحاولات لقلب إصلاح الرعاية الصحية، على أسس إنسانية وأخرى تتعلق بالموازنة على المدى الطويل، بما أنّ هذا الإصلاح هو العامل الأساسي في لجم عجز الموازنة على المدى الطويل.
كذلك هناك خطوات يستطيع البيت الأبيض أن يتخذها من دون موافقة الكونغرس. يستطيع الديموقراطيون أن يضغطوا على الإدارة لتحسين الفوضى التي يتعذر تبريرها في برنامج إصلاح الرهونات العقارية (HAMP). برنامج ذو تعقيدات كافكاوية جعلت الوضع سيئاً، في أحيان عديدة، على أصحاب المنازل لدرجة أنّها سببت حجز منازل عوضاً عن تجنب ذلك، إضافةً إلى ذلك، سيفيد التغيير الاقتصاد الأوسع. كما أنّ ذلك سيكون أشمل لو استخدمت شركتا «فاني ماي» و«فريدي ماك» لضمان إعادة تمويل الرهونات. بعض الاقتراحات تذهب أبعد من ذلك: على سبيل المثال، تهندس الشركتان خفوضاً في أسس الرهون. يمكن فعل ذلك كلّه، عبر مراسيم تنفيذية.
يستطيع الديموقراطيون أن يطلبوا من الإدارة، وتحديداً من الخزينة، أن تتصرف في مشكلة تلاعب الصين بعملتها، الذي يبقي الريمنيمبي (العملة الصينية الرسمية وأهم وحداتها هي اليوان) رخيصة، بطريقة مفتعلة، مقارنةً بالدولار. رغم أنّ ما تفعله الصين ليس العامل الأساسي في متاعبنا الاقتصادية، لكنّه يسهم فيها. مستوى التلاعب الصيني غير المسبوق بالعملة، يمتص الطلب على البضائع الأميركية. طلب له حاجة كبيرة في اقتصادنا الذي يعاني كساداً. كما ينقل هذا التلاعب وارداتنا بعيداً عن دول مثل المكسيك، التي من المتوقع أن تبادلنا المثل بشرائها البضائع الأميركية. الرد الأميركي الواضح هو التهديد، وإذا تطلب الأمر فرض رسوم تعويضية على الصادرات الصينية. وهي خطوة يساندها أعتى المدافعين عن التجارة الحرة، مثل فريد برغستن من «مؤسسة بيترسن للاقتصادات العالمية». سيكون لخطوة كهذه مساندة ديموقراطية كبرى في الكونغرس، وستضع الجمهوريين في الواجهة إذا حاولوا إيقافها.
وخلال محاولتهم الحد من الضرر على الاقتصاد، يستطيع الديموقراطيون أن يفضحوا الأجندة الجمهورية على الملأ. في قضية تلو الأخرى، يفضّل الناخبون الموقف الديموقراطي على الموقف الجمهوري، لكنّ الديموقراطيّين يربحون القليل من هذا التفضيل، لأنّ الناخبين لا يعرفون ما يمثّله كلّ حزب في الحقيقة. القول فقط إنّ التصويت الجمهوري المعارض هو عقبة أمام التغيير يعبّر عن تجاهل ما يمكن فعله لإعلام الناس وحشدهم.
يقع اللوم جزئياً على جهود أوباما الفاشلة في تقريب وجهات النظر بين الحزبين. هناك استطلاع للرأي أُجري بشأن الضمان الاجتماعي قبل الانتخابات النصفية وخلالها، وهو يعطي فكرة عن الموضوع. وجد الاستطلاع مساندة كبيرة لموقف الديموقراطيين من الضمان الاجتماعي، أي الحفاظ على الفوائد، وعدم رفع سن التقاعد، ورفع الضرائب على المكلّفين الأغنياء إذا تطلّب الأمر ذلك، لكنّ الاستطلاع نفسه وجد أنّ الناخبين يثقون بالجمهوريين أكثر من ثقتهم بالديموقراطيين ليقوموا بالعمل الصحيح. كيف يمكن أن يحصل ذلك؟ بالتأكيد كان لمساندة أوباما تأليف لجنة للعجز في الموازنة، من الحزبين، تأثير في النتيجة. وساند أوباما اللجنة حتى بعدما قال رئيساها إنّهما مع خفض الفوائد ورفع سن التقاعد. يشك الناخبون على ما يبدو في أنّ الديموقراطيين سيتخلّون عنهم في موضوع الضمان الاجتماعي، ويقع على الديموقراطيين أن يقنعوهم بأنّهم مخطئون.
هناك مسائل أخرى يمكن الديموقراطيين أن يحاولوا أن يعملوا عليها. لقد فشلوا، بطريقة لا يمكن تفسيرها، في تحويل مطلب الجمهوريين تمديد الخفوض الضريبية لذوي المداخيل المرتفعة حتى في ظل عجز كبير في الموازنة، الى قضية انتخابية. واليوم قام أوباما بتسوية لسنتين لتمديد هذه الخفوض، مقابل تحفيز إضافي. إنّها صفقة مشكوك فيها، لكنّ قضية الخفوض الضريبية ستعود مجدداً. والدرس الحقيقي للهزيمة حتى الآن هو أنّ الديموقراطيين يحتاجون إلى أن يحوّلوا موضوع عدم تمديد الخفوض الضريبية للأغنياء إلى الأبد إلى قضية. في الحقيقة، هذه قضية يجب أن ينال فيها الديموقراطيون بعض الصدقية، إذا كانوا يريدون إعادة تنشيط قاعدة شعبية مهزومة ومحبطة.
ونصل الى نقطتنا الأخيرة. يحتاج الديموقراطيون إلى أن يوضحوا أنّ أوباما لن يكون قائد جدول الأعمال الديموقراطي. تشير كلّ الدلائل الى أنّه لن يستطيع، ولن يكون القائد، وهم سيتابعون جدول الأعمال هذا معه أو بدونه. يجب أن يكونوا جاهزين لفصل مصيرهم عن أوباما وتوضيح أنّهم لن يسمحوا بتقويض إضافي لأهدافهم عبر دعوات خادعة للتعاون بين الحزبين. المجموعات التقدمية مثل «موف أون»، ساعدت على إيصال أوباما الى منصبه عبر حشد أعضائها ومناصريها من خلال عدد من الاستراتيجيات التنظيمية، ومنها استخدام الإنترنت. لقد فعلوا ذلك، ثم جرى تجاهلهم والتخلي عنهم بعد ربح انتخابات 2008، ويجب أن يُعاد إحياؤهم اليوم.
إلى أيّ مدى يجب أن يصل الانفصال عن أوباما؟ ليس هناك أيّ مرشح منافس له لحصول تحدٍّ تمهيديّ في انتخابات 2012، وهذا أصلاً دليل على ضعف ديموقراطي، لو حصل، لكنّ الإمكانية قائمة، ويمكن أن يصبح ذلك حقيقة إذا اتّبع أوباما طريق استسلام.
في 2008، وقع التقدميون في غرام وهم الأمل والتغيير، مقابل ثمن بخس. لقد صدّقوا وعد أوباما بأنّ الإصلاحات التي تحتاج إليها أميركا ستحصل خلال موجة مصالحات بين الحزبين. لم يحصل ذلك، والتمسك بهذا الوهم سيؤدي الى المزيد من الهزائم. إذا أراد التقدميون أن يقفوا على أرجلهم من جديد، فيجب أن يحاربوا.
* عن مجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس»
الأخبار