“حزب الله” ولاءاته الثلاث !
سركيس نعوم
أنصار “حزب الله” ومقاومته الاسلامية، كما أخصامه والاعداء، باتوا مقتنعين بانه رافض للمحكمة الخاصة بلبنان التي أنشأها مجلس الأمن لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وربما الشهداء الآخرين. وما تبنِّيه، وإن متأخراً، لقضية “الضباط الأربعة” الذين سجنوا قرابة أربع سنوات بسبب “شهادات زور”، والذين أطلقتهم المحكمة المذكورة لاقتناعها بعدم تضمن هذه الشهادات ما يبرر الاستمرار في اعتقالهم، إلا لتأكده ان قضيتهم توفر له مبرراً جيداً لبدء معركة اسقاط المحكمة التي يسميها اللبنانيون دولية ولإفقادها صدقيتها والرصيد على الأقل داخل لبنان الرسمي والشعبي، وتالياً لفتح الباب أمام مشاورات اقليمية – دولية يمكن ان تؤدي الى تأخير أعمالها أو ربما الى اهمالها، ولاحقاً الى فقدانها الأهمية التي كانت لها طوال الاعوام القليلة الاخيرة. ومن هذا المنطلق جاء تبنِّي “الحزب” ومقاومته لقضية احالة ملف “شهود الزور” على المجلس العدلي. ومنه ايضاً جاء شلُّ الواقع الحكومي الذي قام به “الحزب” ومقاومته ايضاً، والذي شارك فيه اخصامه السياسيون وخصوصاً بعدما خيَّرهم بين أمرين: إما استمرار الشلل وتفاقم الأوضاع والحسم معه سياسياً او بوسائل أخرى وإما الاستسلام. وطبيعي ان لا يكون خيار كهذا مقبولاً طوعاً. على الاقل حتى الآن. ويستفيد “حزب الله” في معركة التخلص من “المحكمة الخاصة بلبنان” من وجود قرار بالتخلص منها ايضاً عند حليفيه الاقليميين الجمهورية الاسلامية الايرانية وسوريا بشار الاسد.
والاثنتان حريصتان على تحقيق هذا الهدف رغم بعض التباين والاختلاف بينهما حول عدد من التفاصيل السابقة للمحكمة واللاحقة لها. وهما تباين واختلاف لا يبددان على الاطلاق التحالف الاستراتيجي بين الدولتين.
هل من لاءات اخرى لدى “حزب الله” غير الـ”لا” لـ”المحكمة الخاصة بلبنان”؟
يقول عدد من الذين يعتبرون انفسهم قريبين من “الحزب” ان عنده “لاءين” أُخريَيْن غير الـ”لا” للمحكمة المذكورة. الاولى هي لا للعودة السورية الى لبنان. والمقصود من هذه الـ”لا” هو العودة العسكرية السورية الى هذه البلاد. ولا ينبع هذا الموقف “السلبي” من تنكر للايادي البيضاء التي كانت لسوريا على “الحزب” ومقاومته ولا تزال، ولا من عدم اعتراف بالحماية التي وفرتها له قبل انسحابها من لبنان، ولا بالجهود التي تبذلها لاستمرار تدفق السلاح والعتاد اليه عبر اراضيها الى حيث يقاوم ويقاتل. بل ينبع من اقتناع بأن سوريا اليوم ليست في وارد العودة العسكرية الى لبنان، ربما لأنها لا تحتاج اليها بسبب قوة حلفائها اللبنانيين وعلى رأسهم “حزب الله”. وينبع ايضاً من معرفة ان عودتها العسكرية اليه قد تحرمه الاستقلالية التي يشعر بها وخصوصاً على صعيد التصرف واتخاذ المواقف داخل لبنان. وينبع أخيراً من تمسك بنهائية الكيان اللبناني. التي قد يهددها أي “ارتباط” لا انفكاك منه مع سوريا وإن حليفة، لأن لا حلف ابدياً، ولأن الظروف كما الانظمة قد تتغير، الأمر الذي يعرض ليس لبنان فحسب بل جمهور “الحزب” الى ما تعرض له كثيراً في الماضيين البعيد والابعد. والمقصود ايضاً من الـ”لا” للعودة السورية الى لبنان هو عودة الوصاية المباشرة او الحكم السوري المباشر للبنان كما كانت الحال بين الـ1990 والـ2005 اللذين ما كانا ليتحققا لولا الوجود العسكري المباشر. أما الـ”لا” الثانية فهي لعودة الوضع اللبناني الى ما كان عليه سابقاً. والمقصود بذلك امران: الأول، عدم العودة الى صيغة الـ1943. والثاني، عدم العودة الى وضع ما بعد الحرب اي “اتفاق الطائف” لأنه لا يعكس حقيقة التوازنات بين “الشعوب اللبنانية” ودقتها.
هل اللاءات الثلاث المفصلة أعلاه لـ”حزب الله” صحيحة؟
الـ”لا” للمحكمة الدولية ثابتة، يؤكد قيادي بارز في “الحزب”. لكن “اللاءين” الأخريين ينطويان على بعض الالتباس. فطريقة الحديث عن “لا” للعودة العسكرية السورية الى لبنان ينطوي على عدائية لسوريا الاسد غير موجودة عند “الحزب”. ولذلك لا بد من تعديلها بالقول انه يقف ضد استدراج سوريا الى التدخل عسكرياً في لبنان والاستدراج يعني وقوع لبنان في محن وفتن امنية، وذلك مُضِرّ له. كما ان دخولها العملاني العسكري قد لا يوفر ارتياحاً لها عند لبنانيين عديدين. وهو (أي “الحزب”) حريص ولأسباب عدة تاريخية وجغرافية وسياسية ووطنية على علاقات مميزة مع سوريا وعلى تنسيق تام معها. وهو لن يتخلى عن هذا الأمر. اما الـ”لا” للوضع السابق ورغم الالتباس فيه فقد يكون مؤذياً اذا استمر التعميم مسيطراً عليه. فـ”الحزب” وافق على اتفاق الطائف ولا يزال على موقفه. وهو يتمسك بتنفيذه كاملاً رغم اقتناعه بثغر فيه. واسباب التمسك كثيرة لعل ابرزها ان ما شهده لبنان على مدى عقود اثبت استحالة انفراد فريق (اي طائفة) بحكمه وحكم الطوائف الأخرى. فضلاً عن ان التوصل الى “اتفاق الطائف” استلزم حرباً دامت نيفاً و15 سنة وعشرات آلاف القتلى ومئات آلاف الجرحى فضلاً عن الخراب والدمار الهائلين. و”الحزب” كما اللبنانيون ليسوا مستعدين لخوض حرب جديدة تستمر سنوات طويلة. طبعاً لا يعني التمسك بالطائف عدم استكمال تنفيذه ولا الامتناع عن تنفيذه حيث يجب او عن تعديله حيث يجب. وموقفه في محادثات الدوحة عام 2008 وبعد “عملية 7 أيار ” خير دليل على ذلك.
النهار