زيادة في الدخل الوطني.. و إفقار للشعب!
نشرت صحيفة الثورة في عددها الصادر بتاريخ 24 تشرين الأول 2010 تصريحاً لمدير المكتب المركزي للإحصاء الدكتور شفيق عربش يقول فيه:” أن حجم الناتج الإجمالي السوري وصل إلى 2.5 تريليون ليرة سورية أي ما يعادل 54.3 مليار دولار بينما كان الناتج عام 2008 يعادل 48 مليار دولار وبذلك تكون نسبة نمو الناتج 6.3 مليار دولار.”
ولكن المواطن العادي الذي لم ينعكس عليه ذلك مطلقاً ، لم يلمس دفء التحسن في الشهور الباردة، بل أحس العكس تماماً! فالأسعار تزداد بشكل متواتر وسريع. ومن يتابع الصحافة الحكومية ومناقشات مجلس الشعب وصحافة أحزاب الجبهة ، وهي كلها تعتبر حكومية ومعتمدة، يلاحظ الازدياد المستمر للأسعار, و بشكل جنوني تحت سمع الحكومة وبصرها وحمايتها.
ففي جلسته المنعقدة بتاريخ 5 / 10 / 2010 تحدث أكثر من سبعين عضواً من المجلس. حيث تركزت مداخلاتهم حول المطالبة بزيادة الأجور وتوزيع دعم المازوت. وهذا ما فعله مجلس اتحاد عمال دمشق ومجلس الاتحاد العام للعمال الذي اصطدم مع نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية و مع وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل.
وهذه المداخلات جميعها وكذلك المقالات التي تملأ الصحف الرسمية ، بالإضافة لسياسة المعارضة الوطنية المطالبة بزيادة الأجور بما يتناسب وزيادة الأسعار، وتغيير السياسة
الاقتصادية المعتمدة والتي ساهمت في انهيار الإنتاج الوطني بشقيه الزراعي والصناعي وتآكل أجور العاملين وزيادة الفساد.. الخ، تؤكد أن هناك موقفاً وطنياً وشعبياً يطالب بزيادة الأجور وتوزيع مادة المازوت، يقابله تجاهل لهذه المطالب من قبل الحكومة، التي لم تستطع أن تثبت مصداقيتها مطلقاً أمام الشعب السوري خلافا لتصريح رئيس الحكومة- بعد زيادة أسعار المازوت الفاجعة من 7.50 ل س إلى 25 ل س- الذي يقول فيه: “أن الحكومة الحالية ستردم فجوة الثقة بين الشعب والحكومة.” وطبعاً لم يصدق أحد هذه التصريحات.
وأيضاً، فقد أكدت الحكومة أنها ستزيد الرواتب والأجور خلال الخطة الخمسية العاشرة 100 % وانطلاقاً من هذا التصريح بدأت برفع الدعم تدريجياً عن العديد من المواد الغذائية، والمواد الإستراتيجية كالأسمدة وغيرها الكثير بالإضافة للمازوت. وقد ارتفعت أسعار جميع السلع بنسبة تتجاوز الـ 250 % كما صرح العديد من المختصين خلال الفترة المذكورة . أي أنه يجب على الحكومة رفع الأجور بما يتناسب مع ارتفاع الأسعار، لتحافظ على القوة الشرائية للرواتب التي كانت قبل بداية الخطة الخمسية العاشرة. ولكنها لم تزد إلا 65 % من الراتب وبقيت حسب وعودها 35 % من الراتب وحسب الواقع 185 % لردم الزيادات. أي أن القدرة الشرائية للرواتب قد انخفضت بنفس القيمة المذكورة.
وأيضاً، فإن تصريحات أعضاء الحكومة متناقضة، فقد صرح رئيس الوزراء أن هناك زيادة ستصرف للعاملين مقدارها 17 % من الأجور، بينما صرح نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية أنه لا زيادة قريبة في الأجور! وهكذا تدفع ملايين الأسر نحو هاوية الفقر المدقع. خاصة إذا ما علمنا أن متوسط أجر العامل في القطاع العام 9000 ل س تسعة آلاف ليرة سورية و7000 سبعة آلاف ليرة سورية في القطاع الخاص، وأن إنفاق الأسرة العمالية المكونة من ستة أفراد هو 25000 ل س حسب الإحصائيات الحكومية. أيضاً، نعرف تماماً الوضع المزري الذي وصل إليه العاملون بأجر في بلادنا. ونعرف أيضاً، توجهات الحكومة المستقبلية إذا استمر هذا النهج، خصوصاً وأن نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية قد صرح مؤخراً أن الحكومة سترفع الدعم عن الطاقة؛ أي الكهرباء + منتجات النفط. وهذا كله تمهيدٌ لدخول القطاع الخاص مجال إنتاج الكهرباء.. ويعني ذلك أيضاً ارتفاعاً خطيراً لأسعار المنتجات الوطنية الزراعية والصناعية، وكساداً هائلاً لن تهتم به الحكومة التي تشجع الاستيراد والتصدير.. هذا هو الوضع! .. وهكذا يبدو المستقبل ؟
لماذا هذا التصرف من قبل الحكومة، وخصوصاً وأن هناك زيادة في حجم الناتج المحلي الإجمالي كما ذكر مدير المكتب المركزي للإحصاء. وكما يؤكد العديد من الإقتصادين الوطنيين ومنهم الدكتور الجاعوني الذي يقول: ” إن الدخل الوطني يزداد بشكل عام “.. المشكلة إذاً ليست في زيادة الموارد، بل في سوء توزيعها. الدخل الوطني يزداد وتتركز هذه الزيادة بيد 5 % من البرجوازيين الجدد والفاسدين. وذلك على حساب 95 % من السوريين .. ومع ازدياد الفساد يزداد وضع العاملين والمنتجين السوريين تفاقماً . وحسب تقرير التنافسية العالمي 2010 / 2011 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي يكون ترتيب سورية قد تراجع 29 مرة عن العام الماضي بمؤشر الفساد أي من المرتبة 76 في العام 2009 إلى المرتبة 116 العام الحالي 2010 . وأيضاً، فإن الزيادة الحقيقية للأجور في الخطة الخمسية التاسعة بلغت 20 % عندما كان الفساد أقل منه الآن.. والآن فإن القيمة الشرائية للأجور تراجعت 185 % كما ذكرنا.
وأيضاً، فإنه عندما رفعت الحكومة أسعار المازوت كما ذكرنا أكدت أنها ستبقي أسعار التدفئة على ما هي عليه وقررت توزيع 1000 ليتر مازوت لكل أسرة سورية. وأكد رئيس الوزراء أن الحكومة صادقة هذه المرة. وستردم قلة الثقة بين المواطن والحكومة، بالتزامها بالتوزيع الذي لم يصمد أكثر من عام !! في العام الماضي وزعت القسائم على أقل من ربع الأسر السورية! واليوم تطنش الحكومة عن التوزيع!
الموضوع أبعد من الاقتصاد، ليشمل نظام تتجه بنيته الطبقية، والقوى
الاجتماعية الرئيسية الداعمة للنظام، نحو الليبرالية الاقتصادية والتي ليست المظاهر الجديدة في السياسة الاقتصادية – المذكورة في سياق النص- سوى بعض تجلياتها، وهو ما يعبر عن بداية اكتمال تبلور طبقات وفئات اقتصادية- اجتماعية ترى مصلحتها في تحويل البنية الاقتصادية- الاجتماعية للنظام السياسي، الذي يتحرك باتجاه الليبرالية في الاقتصاد والارتباط بالسوق الرأسمالية العالمية والاندماج بها، وكل ما يترتب لاحقاً على هذا التحول من ترجمات سياسية وتشريعية وأيديولوجية.
هل نستطيع أن نسترد حقوقنا في زيادة الرواتب، وفروق المازوت، أو عودة أسعاره إلى ما كانت عليه؟… وهل نحصل على توزيعٍ للدخل القومي بشكل عادل وتفعيل سياسة الدعم للمواد الأساسية ورفع الأجور بما يتناسب وارتفاع الأسعار دون المساس بسعر صرف الليرة ؟….
نعم، ولكن عندما تغير الحركة النقابية أسلوب ” نضالها ” من احتجاجات كلامية رغم أهميتها إلى نشاطات احتجاجية سلمية ضاغطة ومؤثرة. و تمتلك الطبقة العاملة وجماهير الكادحين وسائل فعالة عليها استخدامها في التصدي للفساد وللنهب من أجل إعادة توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة وإنصاف. و عندما تبدأ القوى السياسية المعارضة، ذات الخط الوطني- الديمقراطي، في تثليث نضالها (ديمقراطي- وطني- اجتماعي اقتصادي) للانخراط في القضايا الاقتصادية- الاجتماعية لغالبية السوريين، الذين أصبحوا يعانون وبقوة من الهبوط المتسارع لقوتهم الشرائية، في ظل خريطة اقتصادية- اجتماعية للمجتمع السوري أصبحت فيها الفروق الطبقية في الدخول، بين الأغنياء والفقراء، واسعة وكبيرة.
هيئة التحرير
طريق اليسار