صبحي حديديصفحات سورية

توراة البيت الأبيض

null

صبحي حديدي

11/02/2008

إذا تقدّمت هذه المرشّحة أو تراجع ذاك المرشّح في معارك تمثيل الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الإنتخابات الرئاسية القادمة، فلأنّ عشرات القضايا الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي تحتشد بها برامج المرشحين إنما تدغدغ، مواربة أو مباشرة، أجندات أخري خافية تمثّل مصالح حفنة من الفرق الدينية المسيحية. ويُقال عادة إنّ المرشّحين يميلون إلي خوض الحملات الإنتخابية شعراً، حيث تشتدّ البلاغة وتحتدم الخطابة، ولكنهم يخشون النثر لأنهم في حكم البلاد لن يعتمدوا سواه!

وفي طليعة الأجناس النثرية هذه، ثمة نثر الكتاب المقدّس الذي يتوجّه، دون وسيط أو مناورة أو مداورة، إلي جمهور ناخب متديّن، في سلسلة الولايات التي تُلقّب بـ حزام التوراة . هذا ما فعله الديمقراطيان باراك أوباما وهيلاري كلنتون، قبل الجمهوريين ميت رومني ومايك هاكابي وجون ماكين. المأزق، إذا جاز الحديث عن حال كهذه أصلاً، هو أنّ الفرق الدينية الأمريكية كثيرة متنوّعة متباينة متخاصمة غالباً، تعود في غالبيتها الساحقة إلي حركات المصلحين البروتستانت الذين فرّوا من بطش الكنيسة الكاثوليكية ووجدوا مأمناً في أرض العالم الجديد . والأساس أنّ المستوطنات الأوروبية المبكرة، التي ستنقلب فيما بعد إلي الولايات المتحدة الأمريكية ، تمتعت منذ البدء بحرّية دينية لم تكن مألوفة في بقية أرجاء العالم المسيحي بمختلف كنائسه الكاثوليكية والأرثوذوكسية والأنغليكانية، في سابقة هي الأولي منذ عصور الظلام. ويمكن القول إنّ هذه الفرق اكتسبت، بمرور الزمن، خصوصية أمريكية متميزة، تماماً كخصوصية موسيقي الجاز وبنطال الجينز والوجبات السريعة والنمط الهوليودي في الإنتاج السينمائي.

هنالك المرتجفة ، ويعرفون كذلك باسم جمعية الصاحبيين ، نسبة إلي مصاحبة أتباعها للحقيقة وارتعادهم أمام كلمة الرب. وكان زعيمهم المؤسس جورج فوكس (1624ـ1691) قد انشقّ عن المدرسة الطهورية (البيوريتانية) الإنكليزية في أواسط القرن السابع عشر، وقضي في السجن سبع سنوات جرّاء مواقفه. وقد شدد فوكس علي أهمية البحث عن النور الداخلي ليسوع الحيّ المقيم في كلّ نفس بشرية، وعارض العبودية، وركّز علي النشاط التربوي والثقافي، بحيث تمتّع أتباع الفرقة بصيت حسن وتعليم رفيع، واحتلوا علي الدوام أرفع المناصب في مختلف مستويات الدولة.

وثمة الهزّازة ، ويُعرفون أيضاً باسم جمعية المؤمنين بالظهور الثاني للمسيح أو المرتجفة الهزازة في التسمية الشعبية، بالنظر إلي وثوق صلتهم بفرقة الـ كويكرز . وقد انتشرت مجموعاتهم في أمريكا مع هجرة الأمّ آن لي في عام 1774، وهم يعيشون في يوتوبيات منعزلة، ويلتزمون بالعزوبية المطلقة حتي بالنسبة إلي الأزواج الذين ينضمون مجدداً إلي الفرقة، ويمتنعون عن أكل اللحوم والسمك وشرب الكحول أو التدخين.

وهنالك الإخوان ، وينحدر هؤلاء من فرقة التقاة الألمان، والذين مالوا إلي الزهد والتعبّد والانعزال بعيداً عن العقيدة الرسمية ومؤسساتها، وخصوصاً الكنيسة. وهم يمارسون شعائر تختلط فيها الوثنية بالعبادات المسيحية المبكرة (مثل احتفالات عيد الحبّ، علي سبيل المثال)، والتعميد الثلاثي نسبة إلي الآب والابن والروح القدس، ورفض أداء أي قسم أو رفع دعوي قضائية.

وفرقة ما قبل الألفيين ، عريضة الإطار وذات تيارات كثيرة لأنها تعتمد علي مبدأ المجيء الثاني ليسوع، بعد مرور ألف أولي علي الألف الراهنة، بحيث يقوم الأموات وتتطهر الأرض من الدنس. وأبرز التيارات في هذه الفرقة هم المجيئية ، وزعيمهم المؤسس هو وليام ميللر المعمداني الذي بشّر في عام 1831 بأن المسيح سيجيء ثانية في عام 1943، ولهذا أطلقت الفرقة علي نبوءته الخائبة اسم الخيبة الكبري .

الداوديون هي الفرقة الأبرز في هذا التيار، وقد أسسها فكتور هوتيف في عام 1930 وأقام مبادئها علي مزيج من العقائد القيامية والمجيئية. ويتفرع عنها انشقاق صغير عُرف باسم فرع الداوديين وتزعمه دافيد كورش الذي قاد في عام 1993 عصياناً مسلحاً في بلدة واكو ، ولاية تكساس، أسفر عن مواجهة مسلحة مع القوات الفدرالية، ذهب ضحيتها العشرات من أتباع المذهب.

ولا يمكن إغفال شهود يهوه ، وهؤلاء يمثلون الفرقة الألفية الأبرز في العصر الحديث، والتي واصلت ازدهارها واتساعها رغم فشل سلسلة نبوءاتها بنهاية العالم (أعوام 1914، 1918، 1920، 1925، 1975…). كان اسمها الأصلي هو جمعية برج المراقبة من صهيون ، وأسسها تاجر خردة يدعي شارلز تازي رسل، وهي تنفرد بالإيمان باندحار الكفرة في موقعة أرماغيدون جديدة، وصعود 144 ألف مؤمن منتخَب إلي السماء، للإشراف علي تهيئة الأرض للحياة الآخرة. وأتباع هذه الفرقة يتصفون بقدرات تنظيمية عالية، ودأب علي نشر الدعوة من باب إلي باب، خصوصاً بعد قرارهم (التاريخي، كما أسموه!) بالكفّ عن التنبؤ بموعد المجيء الثاني للمسيح.

وأخيراً، ولكي تظلّ التوراة هي المرجعية العليا، هنالك الفقراء ، وهم فرقة من اليهود الذين آمنوا أنّ يسوع هو المسيح المخلّص، ولكنهم احتفظوا بشعائرهم الدينية ورفضوا قداسته، وانشقوا عن بولس الرسول بسبب رفضه التوراة، ولم يقبلوا إلا بإنجيل متّي. وقد انقرضت هذه الفرقة في القرن الخامس، ولكنها عادت معدّلة في القرن السابع عشر باسم الناصريين الذين يعتبرون أنفسهم من اليهود، ولكنهم يؤمنون بقداسة يسوع.

أليس إرضاء هؤلاء، جملة أو تفصيلاً، غاية لا يدركها مجمع أساقفة ومطارنة وبطاركة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى