مصر والأمة: نحر لا انتحار
سعد محيو
المشهد في الإسكندرية، ومن ثَمَ في القاهرة، لاوصف معقولاً له سوى كونه تجسيداً مُطلقاً لانهيار أمّة:
مظاهرات من هنا وهناك تردد هتافات دينية . وفي الوسط بينهما، أشلاء بشر لم يعودوا قادرين على الهتاف بعد أن مزّقت أجسادهم عبوات التطرف المشبوه والإرهاب الأعمى .
ولكي تكتمل صورة هذا المشهد، فلنتذكّر أننا نتحدث هنا عن مصر لا عن لبنان أو إيرلندا الشمالية أو جنوب إفريقيا . مصر التي كانت بالأمس القريب ليس فقط زعيمة أمة عربية تسير بين الأمم بمباهاة لكونها قوة تقدمية عالمية صاعدة، بل أيضاً مصر قائدة حركة عدم الانحياز ومُلهمة عشرات حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية .
نحن نتحدث عن مصر التي نشأت فيها أول دولة- أمة في التاريخ، وأقدم مجتمع وطني متماسك في الجغرافيا، وأكثر الجماعات البشرية اعتدالاً وتساهلاً . وحين يضرب التفكك مثل هذه الدولة وذاك المجتمع، فهذا يعني أن ثمة خطباً هائلاً بحجم التسوناميات يضرب وادي النيل قد يكون الأول من نوعه منذ 7 آلاف سنة .
ما الذي سبّب هذا التسونامي؟
نريد أن نصدّق أنه الأرهاب المتطرف . لكن، حين نرى ما يحدث الآن من نتائج أعمال عنف طائفية مُرعبة في العراق، وتشنجات مذهبية في لبنان، وحركات انفصالية في اليمن والسودان، لا بد أن نطرح بعض الأسئلة، بل العديد منها:
هل لهذه الجماعات المتطرفة مصلحة حقاً في تفتيت مصر والبلدان العربية إلى كيانات ما قبل دولتية، فيما هي ترفع شعارات تحرير الأمة؟
وهل تدرك هذه الجماعات أن أعمالها الإرهابية العشوائية، تُسهل إلى حد كبير إعادة احتلال كل المنطقة العربية ؟
ثم: أي عقل استراتيجي هذا الذي يبحث عن تفجير صدام حضارات بين الإسلام والغرب، في وقت تميل فيه موازين القوى بشدة لغير صالح الحضارة الإسلامية؟
بالطبع، الجنون تفسير معقول لهذه السلوكيات، لكننا لانعتقد أن الأمر على هذا النحو، فمشروع تفتيت مصر نفسها إلى كيانين طائفيين، ومعه خطة تفتيت العراق والسودان واليمن ولبنان وسوريا وبقية المنطقة، لا يمكن أن تكون سوى إنتاج “مطابخ” دولية وصهيونية متخصصة في مثل هذه العمليات، وتملك القدرات المعرفية والتقنية والمالية لوضعها موضع التنفيذ .
قد لايكون في الوسع الآن إثبات هذه الفرضية، لأنه من الصعب القبض على الأشباح وهي مُتلبّسة، لكن مجرد تذكّر حادثين قد ينعشان الفكر قليلاً هنا: الأول، اعتراف ال”سي .أي .إيه” بأنها كانت وراء معظم حركات الإرهاب اليساري التي برزت في الستينيات والسبعينيات، بهدف تشويه سمعة الاشتراكية . والثاني، ما قاله المفكر الإسلامي فهمي هويدي من أنه اكتشف بأن العديد من المؤتمرات الإسلامية التي شارك فيها، كانت من تنظيم ال”سي .أي .ايه” وتمويلها .
وإذا ما أضفنا إلى هذين الحادثين وقائع نشاطات الموساد المتواصلة في كل المنطقة العربية، ومعها المشهد البشع في الإسكندرية والقاهرة، فقد نصل إلى الاستنتاج بأن مايجري للأمة هو بالفعل نحر وليس انتحاراً .
الخليج