قلت قلبي على وطني
بشار العيسى
تحية لشعب تونس وهو يعيد بذرة الأمل
“محمد بوعزيزي” شاب تونسي، منسيا كان قبل شهر حتى من مدينته المنسية بدورها قبل أن يشعل النار في جسده اليافع بنار القنوط، ينتقم برائحة اللحم المحروق من روائح بخور التخدير السياحي والاستكانة اليائسة.
رأى “البوعزيزي” أن كل الابواب مغلقة، أبواب الشكوى، أبواب الدولة / الوطن، لقد طغت الدولة السلطة على الدولة/ الوطن، حين صفعته شرطية على وجهه الحيي معتدية ومستقوية بقوانين الفساد المحمية بقوة الطغيان على قوت أسرة تعيلها عربة خضار يجرها شاب قد كان من المفروض أن يكون كادرا وطنيا.
لم تتسع قوانين دولة الفساد لمليمات عربة خضار تفلت من أرباح ملايين الدينارات لأسرة السيد الرئيس وإتباعه وأعوانه، فأشعل “محمد” النار في جسده ليس يائسا هاربا، بل مغادرا بإباء الكريم النبيل الذي لم تتسع له فسحة عربة خضار ولا الساحات الافتراضية لوطن أبو القاسم الشابي:
” ما عاد يفيد ملام على زمان غدار في بلاد الناس……مسافر يا أمي، ما تلومي عليّ، مسافر ونسال زعمة السفر باش ينسّي…”
ما بين منتصف ديسمبر 2010 ويناير 2011 ليس أكثر من أيام شهر بثلاثين يوما، فعلت رائحة اللحم المحترق، (لجسد الشاب الذي أشعل النار في عرش الطاغية) أكثر مما فعلته آلاف التحليلات النظرية والبيانات السياسية في الوجدان الشعبي التونسي، فهل كان الشعب يحس بحرقة الشواء في كبده؟
لم يكذب الشعب حرقة كبده ولا دفق إحساسه ، تجمع، تظاهر، صرخ، التقت صرخةٌ، صرختان، تلاقت حرائق الجسد المنطلقة من جسد في “سيدي بوزيد” لتعم البلاد والتراب الوطني كما ينطقه إخوتنا المغاربة، شهادة شهيد استدعت شهداء بغير حساب جراح لاقت جراحا، وأي جراح، جراح الضحايا؟!
فان جراح الضحايا لها فم
أتعلم أنت أم لا تعلم / فأن جراح …………
فم ليس كالمدعي قولة / وليس كآخر يسترحم
يصيح على المدقعين الجياع / أريقوا دماءكم كي تطعموا
ويهتف بالنفر المهيطعين / أهينوا لئامكم تُكرموا ” الجواهري”
التاريخ يمهل ولا يهمل وكان الشعب التونسي في الثلاثين يوما مضت على ما تأخرت عنه الشعوب العربية سنينا طوال حتى تجد وصية المحجوب عبد الخالق طريقها إلى جسد البوعزيزي المتألق بحرائق بددت ظلمة ليل الطغاة وليل الاستكانة وليل الخائفين وليل اليائسين، بلسان “الفيتوري”:
لا تحفروا لي قبرا / سأرقد في كل شبر من الأرض
ارقد كالماء في جسد النيل
ارقد كالماء فوق حقول بلادي / مثلي أنا ليس يسكن قبرا
لا تحفروا لي قبرا / سأصعد مشنقتي / واغسل بالدم رأسي / وأقطع كفي / وأطبعها نجمة فوق واجهة العصر…
……………………..
أعلم سر احتكام الطغاة إلى البندقية
لا خائفا .. أن صوتي مشنقة
.. للطغاة جميعا
ولا نادم ..
قتلوني وأنكرني قاتلي
وهو يلتف بردان في كفني
وانأ من؟ سوى رجل
واقف خارج الزمن
.. كلما زيفوا بطلا
قلت قلبي على وطني
” الفيتوري في رثاء عبد الخالق المحجوب”
خاص – صفحات سورية –