صفحات ثقافية

المحرر الثقافي.. مستبدا!

null
سعيد الشيخ
لا اعتقد ان أحدا ممن يشتغل في الشأن الثقافي يفتقد الاخلاص لبناء ثقافة شاملة ميزاتها الابداع المتطور والمتقدم من شتي الافكار المنتجة لبهاء انساني يزيّن الوجود. والافكار المنتجة هذه تضم كل ميادين الكتابة من رواية وقصة وشعر ومقالة مع المحافظة علي كل شرط من شروط هذه الفنون علي قاعدة التجديد وضد التحجر. وكل جديد لا بد ان يقابل بعاصفة من الاسئلة قد لا تهدأ طيلة ردح من الزمان.
هذه الرؤية للمشهد الثقافي تبدو تقليدية وساذجة، ولكن لا بد من تكرارها وتأكيدها أمام التسلل الخفي في صناعة نشر الابداع.
ولكن من يحدد قيمة المبدَع من الافكار شكلا ومضمونا؟
ان الجواب السريع والبديهي عن هذا السؤال: ان الناقد هو من يتحمل عبء هذه المسؤولية الفضفاضة لما يفترض انه يتمتع بثقافة عالية وبما يحمل من اختصاص… ولكن برأيي ان الناقد يعاني كما يعاني بقية المبدعين من وجود الفرص في عرض افكارهم. ولتأكيد هذا الرأي فان نظرة فاحصة علي الصفحات الثقافية في الصحافة العربية تجعل المتفحص يكتشف ندرة النقاد بين مجموع المحررين الثقافيين لهذه الصفحات، وان النقاد قد تخلوا او علي الارجح قد اجبروا علي التخلي عن القيام بدورهم لصالح المحرر الثقافي الذي استمد سلطة مما يتوفر للصحافة كسلطة رابعة.
فمادة الناقد المعروضة للنشر مثلها مثل اي مادة اخري خاضعة لتقييم وقرار المحرر الثقافي في ان تأخذ أو لا تأخذ طريقها الي النشر. والتقييم هنا ليس بالضرورة ان يجري حسب جودة المادة الادبية بمقدار تقارب او تماهي الكاتب مع المحرر الثقافي، الذي هو بالاساس كاتب أو شاعر عادي منحته الوظيفة ان يتعالي علي اقرانه من المبدعين.
اذن نحن امام استبداد مطلق، وليد منطق غير ثقافي أساساً يقوم علي المصلحية والشللية المؤدية الي المنافع المشتركة وذلك علي حساب العملية الابداعية وتطورها. فما بالك لو ان محررا ثقافيا امتطي ظهر صحيفة لأكثر من عشر سنوات وربما الي عشرين سنة، ومع كل سنة ينمو ويترعرع النرجس في دواخله.
الا يصبح داخله غابة نرجس متشابكة؟
الي حد ان العصافير الصغيرة لا تستطيع الطيران في أجوائها!
حيث ستمنعها نرجسيته العالية، وستحوله الي طاغية.
وحينها ألا يستطيع فرض نوع من الخوّة علي من يريد الطيران في فضائها؟
وبعد ذلك كيف لنا ان نري ابداعاً سليماً ومعافي من التشوهات؟
واولي هذه التشوهات هو تكريس الأسماء علي أساس حزبي وعشائري، وللأسف هو أساس لا تمضي الحياة العربية دونه، والي الآن لم تستطع الحياة العصرية الانفلات منه لصالح ثقافة شمولية تخترق الحدود. هذا النمط من اصحاب المنطق القهري من المحررين الثقافيين موجود حقا في صحافتنا العربية وفي خاطري اسماء عديدة لا مجال لذكرها الآن وهي قد تربعت علي كرسي مهنتها عبر أجيال ثقافية. ويكاد هذا النمط ان يكون هو السائد شرقا وغربا ومهاجر… محررون متحررون من التواضع بأيديهم ما هو أقطع وأمضي من مقص الرقيب السلطوي. لديهم أدوات الكبت والخنق وارسال كل ما هو منتج من ابداع الشباب وغيرهم الي حاويات القمامة لسيادة نتاجهم واطالة أمد نجوميتهم المتكئة اساسا علي وظيفتهم وليس علي جودة ابداعهم. وهم مثلهم مثل اي زعامة بحاجة الي مريدين ومصفقين، وعادة ما يكون هؤلاء من اصحاب الحاجات دفع بهم استبداد المحرر الثقافي لأن يكونوا جماعة من المداهنين والمنافقين في عملية تأدية الحساب المطلوب لسيادة المحرر الثقافي لكي تمر نتاجاتهم.
ان اقسي ما يمكن ان يواجهه المبدعون هي ظاهرة دفع تكاليف طباعة نتاجاتهم علي نفقتهم الخاصة، والنشر في الصحافة بلا مقابل أو احيانا الدفع بشكل معكوس. وهذه ظاهرة عربية بامتياز جعلت من المبدعين من افقر الطبقات، وهي الطبقة التي انسلخ عنها المحرر الثقافي وأخذ يستلذ في جلدها من خلال سلطته التي استمدها من وظيفته التي تضاهي سلطة الرقيب الحكومي. وأستثني قلة قليلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى