مسيحيو سوريا في أمان.. لكنهم ينادون بدولة المواطنة والقانون
محي الدين عيسو
المجتمع السوري يدين تفجير كنيسة الإسكندرية
يجمع السوريون مسيحيون ومسلمون على إدانة تفجير كنيسة الإسكندرية، ويعتبرون أن لا خطر على بلادهم لأن أهلها ينعمون بالعيش المشترك. لكن بعض الفئات تنادي بدولة القانون والمواطنة حيث يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات لأي طائفة انتموا.
ماذا بعد اعتداءات كنيسة سيدة النجاة العراقية والهجوم الذي استهدف الكنيسة القبطية في الإسكندرية؟ هذا السؤال راود الكثير من مسيحيي العالم ومنهم مسيحيي سوريا الذين يشكلون حوالي 10 % من مجموع السكان المقدر عددهم بحوالي 23 مليون مواطن يعيشون في وطن يتمتع بالأمان والاستقرار بحسب رأي العديد من المواطنين الذين أكدوا على أن مسيحيي سوريا هم أكثر الناس تمتعاً بالأمان وحرية في ممارسة طقوسهم الدينية وحقوقهم الثقافية، على الرغم من وجود حالات تعصب معينة من بعض المتطرفين في بعض الأحياء السورية.
الناشط والكاتب الصحافي أسامة إدوار موسى قال في تصريح لـ”إيلاف” حول الوجود التاريخي للمسيحيين في بلاد الشرق “مسيحيو الشرق هم سكان البلاد الأصليين قبل أن يحتلها العرب تحت يافطة الفتوحات الإسلامية. فالأقباط في مصر والآشوريون السريان في سوريا والعراق والموارنة في لبنان وغيرهم هم سكان البلاد الأصليون، وقد استمدت هذه البلدان أسماءها من هذه الشعوب”.
وأضاف “في حقبة ما من التاريخ كان للمسيحيين دوراً ريادياً في إدارة شؤون الدولة الإسلامية وتطورها وتقدمها، إلا أن ها الدور إنحسر بعد أن قويت الدولة الإسلامية وصارت تفرض على المسيحيين شروطاً تعجيزية لإرغامهم على ترك ديانتهم أو دفع الجزية بمبالغ طائلة، لم يعد بإمكان معظم العائلات أو العشائر تسديدها فتحولوا إلى الإسلام مرغمين، والأمثلة كثيرة على ذلك ومنها ما حدث في التاريخ القريب جداً”.
التهديد موجود
يرى بعض المسيحيين بالفعل أنهم مهددين بصفتهم مسيحيين، فيما يرى آخرون منهم، أنهم مهددين بوصفهم مواطنين بغض النظر عن كونهم مسيحيين. ومهما تكن وجهة النظر، فلا شك أن خطراً يحيط بالمسيحيين في المنطقة العربية، وهذا ما يؤكده أحد أبرز مؤسسي لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا الكاتب والصحافي فايز سارة لـ”إيلاف” إذ يشير إلى أن “جزء مما تتعرض له المنطقة من أخطار بينها خطر الأعمال الإرهابية التي أدت في العقد الأخير بشكل خاص إلى قتل وجرح وتشريد مئات آلاف الأشخاص، ولا سيما في البلدان التي كانت مسرحاً لعمليات إرهابية واسعة التأثير ومنها العراق ولبنان ومصر وفلسطين والجزائر، وفي معظم هذه البلدان كان المسيحيون بين ضحايا الأعمال الإرهابية التي شارك في صنعها المحتلون الإسرائيليون كما في فلسطين، والأميركيون في العراق، وجماعة القاعدة وأخواتها كما في اليمن والجزائر ولبنان ومصر. وقد شارك في القيام بالعمليات الإرهابية في العراق إلى جانب قوات الاحتلال، كل من أخوات القاعدة والمليشيات الطائفية وعصابات النهب والقتل”.
ماذا عن مسيحيي سوريا؟
تهديدات تنظيم القاعدة التي توعدت المسيحيين في الشرق، ونفذتها في عدد من الدول لم تشعر المسيحي السوري بالخطر هذا ما يؤكده المواطن المسيحي داني س. لأنهم يمارسون طقوسهم وعاداتهم الإجتماعية “دون خدش لمشاعر الآخرين، ودون وجود حساسيات سابقة بين المسيحيين وأي فئة أخرى” بحسب تعبيره.
ويعتقد علاء الدين جنكو الحاصل على دكتوراه في الفقه الإسلامي في تصريح لـ”إيلاف” أن “صورة التعايش الإسلامي المسيحي في سوريا نموذج راق، على الرغم من احتفاظ كل طرف بخصوصياته من العبادات والمناسبات إلا أن التعايش قائم على الاحترام المتبادل، وإلى هذه اللحظة لم يستطع أحد النيل من هذه العلاقة المميزة، ونتمنى أن نحافظ عليها جميعاً”.
من جهتها تؤكد الناشطة السياسية ندى الخش أن “تصعيد المسألة الدينية وخصوصاً المسيحية في العالم العربي شيء غريب وجديد، ويحتاج لكل الجهود لمنع تواصلها والتصدي لكل هذه الفتن”، وتضيف “ليس هناك أي تمييز أو مضايقة من قبل المجتمع أو الدولة بالنسبة لمسيحيي سوريا، وإذا كان ثمة مضطهد فهو مضطهد بصفته مواطناً وليس بصفته مسيحياً”.
يصف عضو مجلس الشعب السوري محمد حبش التعايش الإسلامي المسيحي في سورية بالقول “تشكل سورية قاعدة متينة لتأمين حياة كريمة للمسيحيين في البلاد العربية، فالكراسي الرسولية المنتشرة في سوريا تقوم بدور رئيسي وهام في الحياة العامة”.
ويضيف “منذ قرون إنتقل الكرسي التاريخي من أنطاكيا إلى دمشق سريانياً ورومياً، واختيرت دمشق عاصمة لسائر المشرق، ويؤدي المسيحيون شعائرهم بمنتهى الحرية ويقومون بتشييد كنائسهم وفق الحاجات المتجددة بكل حرية، وهناك مجمعات مسيحية كبرى أنشئت وتقوم بدور مركزي في خدمة المجتمع المسيحي، ويتولى مسيحيون مواقع هامة في الحياة العامة، كما تحرص الدولة على تمثيل مناسب لهم في الحكومة والبرلمان والجيش والسفارات وسائر المواقع الإدارية، وذلك بشكل مدروس دون كوتا معلنة، ولا أعتقد أن هناك أي مشكلة يعانيها المسيحي في سوريا إلا بقدر ما قد يعانيه المواطن المسلم”.
إدانات واسعة
لاقى تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية وهي تعج بالمؤمنين عند استقبال العام الجديد، إدانة صريحة من أطياف المجتمع السوري كافة: أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية وشخصيات مستقلة مسيحية وإسلامية، حيث أكد مصدر رسمي سوري في تصريح للوكالة السورية الرسمية (سانا) أن “سورية إذ ترى أن مثل هذه الجرائم الإرهابية إنما تستهدف الوحدة الوطنية والتعددية الدينية في مصر أو في غيرها من بلداننا العربية، تقف إلى جانب الشقيقة مصر في تصديها للإرهاب ومحاربتها لكل ما من شأنه الإضرار بالوحدة الوطنية المصرية”، مؤكداً أن “سورية على ثقة بأن الشقيقة مصر حريصة على وحدتها الوطنية وعلى عروبتها”.
واعتبرت المنظمة الآشورية الديمقراطية في سوريا (حزب سياسي غير مرخص) في بيان لها أن “هذا العمل الإرهابي الجبان هو استمرار لما حدث في كنيسة سيدة النجاة في بغداد، ولما يحدث في العراق تجاه شعبنا الكلداني السرياني الآشوري، وجزء من مخطط خبيث يهدف إلى تهجير وإفراغ الشرق من المسيحيين باعتبارهم مكوناً أصيلاً ومتجذراً في المنطقة”.
واستنكرت المنظمة بشدة الاعتداء، وتوجهت إلى الحكومات والنخب السياسية والثقافية والدينية لتحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها المسيحيين، وتوفير الحماية الكافية لهم، والعمل على إرساء قيم العيش المشترك والمواطنة والشراكة الكاملة بين جميع مكونات المجتمع على أسس العدالة والمساواة، وكذلك نبذ كل أشكال التطرف والتعصب القومي أو الديني أيا كانت مصادره، أو الجهات التي تقف وراءه.
في حين قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سوريا أن ما حدث كان “صدمة مروعة وجريمة بشعة ارتكبت بحق إخوتنا وبحقنا كعرب (مسلمين ومسيحيين) بل وبحق الإنسانية جمعاء” وأكدت أن “الأيادي العابثة بالوطن العربي لا تترك فرصة تسنح لها إلا وتستغلها بما يخدم أهدافها في بث الفوضى وزرع الفتنة الطائفية والعرقية وتمزيق الحياة الأخوية المشتركة بين أبنائه”.
واعتبرت الأمانة العامة لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي (مجموعة من الأحزاب السورية المعارضة) في بيان لها حول الهجمات التي يتعرض لها المسيحيين أن “القوى الإرهابية تستمر بمنهجها الذي يستهدف ضرب أهم ما تمتاز به هذه المنطقة عبر تاريخها الطويل، وهو التنوع القومي والديني والثقافي. فبعد اعتداء كنيسة سيدة النجاة في بغداد، دخلت شعوبنا العام الميلادي الجديد، بجريمة لا تقل بشاعة وقبحاً، عندما استهدف تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية..”.
وأضاف البيان “لا يشك أحد أن استبداد النظم الحاكمة، الذي يخيم على المنطقة منذ نصف قرن وفشلها في إدارة الدول وفي التنمية وإعاقتها للتحول الديمقراطي واعتمادها المعالجات الأمنية سبيلاً وحيداً، كل هذا يهيئ المناخ لإنتشار ونمو قوى الإرهاب والتطرف”.
ونبه البيان الشعب السوري وكل شعوب المنطقة إلى خطورة السكوت عن الإرهاب والعنف أو تجاهل عواقبه، لأن “ناره ستأكل الجميع. وهو في التحصيل النهائي تعبير عن التآكل الذاتي لأمة عجزت عن مواجهة مستبديها، فراحت تأكل أبناءها. إن استهداف المسيحيين على وجه التحديد عمل ينال من وجودنا وقيمنا وحتى مبرر إنسانيتنا وهو يستوجب الإدانة والمواجهة حتى لا نستفيق يوما فلا نجد لوجودنا معنى”.
الإرهاب يهدد الجميع
رغم أن الأكثرية المسيحية في البلدان العربية لا تعتبر نفسها مهددة من قبل المسلمين، وبين الإثنين تاريخ طويل من التساكن والعيش المشترك، والإندماج الوطني والقومي، وهي حيثيات يمتد عمرها إلى ما يزيد على ألف وخمسمئة عام، فإن بعض المسيحيين، يعتقدون أن المسلمين أو بعضهم على الأقل يمثلون تهديداً للمسيحيين، هذا ما يؤكده فايز سارة “يستند هذا التقدير بصورة أساسية إلى حالة الحقن الطائفي التي تصاعدت في المنطقة في العقود الثلاثة الماضية، والتي شهدت تطورات أدت إلى الحقن الطائفي ومنها الحرب الأهلية في لبنان وتداعياتها، وأحداث الحادي عشر من أيلول الأميركية وما أعقبها من حرب معلنة على الإرهاب، والتي غالباً ما ربطت بالإسلام، ثم الحرب على العراق وما أحاط بها”.
ويؤكد علاء الدين جنكو أن “أي إستهداف للمسيحيين في الشرق جريمة نكراء ترفضها كل تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، فالتعامل معهم على أساس أن دولنا تحكم بالإسلام خطأ كبير، ولذلك هم يملكون حق المواطنة في دولنا كما نملكها نحن”، ويضيف “إذا اعتبرنا أنهم أهل ذمة بناء على إعتبار مجتمعاتنا إسلامية، فحقهم في ذمة المسلمين أقوى لأن النصوص الشرعية كلها جاءت تطالب المسلمين بحماية أهل الذمة”.
وإن كان المسيحي يجد نفسه مهدد من قبل المسلم؟ أو من المتطرف؟ يجيب د.جنكو أنه “بتصوري المسيحي المنصف لا يجد أنه مستهدف من المسلم، لأن المسيحي يرى بعينيه ما يعانيه المسلم من المتطرفين أكثر من المسيحيين. من ناحية أخرى مرت مئات السنين ونحن والمسيحية نعيش جنباً إلى جنب في وئام ومحبة وخير”. ويتسائل “كيف ينسى الأخ المسيحي عشرة السنين من أجل جرائم فردية، ثم هل أخذ المسلمون الإنتقام من المسيحيين عندما قامت الجيوش الصليبية بقتل المسلمين أيام الحروب الصليبية؟ يجب على العقلاء من الطرفين تحمل المسؤولية لإحتواء الموقف”. بينما يجد عضو مجلس الشعب السوري والعلامة الإسلامي الدكتور محمد حبش في حديث لـ”إيلاف” أن “المسيحيون مهددون في الشرق بقدر ما المسلمون مهددون فيه، فالإرهاب أعمى وهو لا يفرق بين دين ودين وطائفة وطائفة، ولا يوجد سبب استراتيجي لاشتداد العنف ضد المسيحيين، وأنا أفضل أن أفهم لمسائل كما هي وليس بإفتراض مزيد من الأسرار، فالشرق كله مهدد بنار الغضب الأصولي بعد أن فشل النظام العربي في منح الديمقراطيات دوراً كافياً لاستيعاب الرأي الآخر، وبالتالي لدعم خيار المقاومة والمواجهة، وهذا ما أدى بمرارة إلى ازدياد دور الإرهاب للتعبير عن أصوات مكبوتة تتوزع في كثير من الآفاق المغيبة”. ويضيف “بالطبع هذا ليس تبريراً للإرهاب بقدر ما هو تفسير له، ومقاربة لما يجري على الأرض من دورة العنف الجديدة”.
وحول تهديدات القاعدة للمسيحيين في الشرق أكد الدكتور محمد حبش “إن الخطر الإرهابي جدي وحقيقي، لكن من غير الواقعي أن نعتبره وحشاً مرعباً ضد المسيحية وحدها، فقد ضرب الإرهاب عشر سنين في الجزائر ولم يكن المسيحيون هدفه ولا غايته، وضرب في المغرب وتونس واليمن والصومال ولم يكن المسيحيون هدفه، كما أن الحرب الضارية في العراق نهشت من القوميين والعلمانيين والسنة والشيعة والكرد قبل أن تصيب المسيحيين”.
خطران ضد المسيحية في الشرق
إلا أن الناشط الآشوري أسامة إدوار موسى يؤكد أن هناك خطرين رئيسيين يتهددان المسيحيين في الدول العربية وفي الشرق عموماً، الأول يتمثل في “الفكر الإسلامي الأصولي الأحادي النظرة، بما يمثله من نزعة تكفيرية إلغائية تسعى لإجتثاث وإلغاء كل ذي رأي مختلف حتى لو كان مسلماً، وهو يشرع مواقفه ويبررها إعتماداً على القرآن والسنة، مما يضفي طابعاً جهادياً مقدساً على الحرب ضد المسيحيين في الشرق. ومشكلة هؤلاء أنهم لا يجدون في القرآن إلا ما يتناسب وأفكارهم ويتناسون في المقابل كل الآيات والأحاديث الصريحة التي تدعو إلى احترام أصحاب الديانات السماوية الأخرى”.
ويرى بأن “هذا الفكر الأصولي الأحادي يتعزز عندما يقابله صمت مطبق من قبل الجهات الرسمية الإسلامية من مفتين وعلماء متنورين ومعتدلين، ويمكن أن يفسر على أنه موافقة ضمنية أو رضا مقنع على ما يجري من تجاوزات ومجازر ضد المسيحيين في أوطانهم”.
أما الخطر الثاني وفقاً لموسى الذي هاجر منذ قرابة العام يتمثل في “الأنظمة الإستبدادية التي تفرض بالحديد والنار رؤاها ونظرتها الأحادية، وتجعل الحياة السياسية والثقافية في البلاد تدور حول الحزب الواحد والفكر الواحد. وتخنق كل فكر حر ومنفتح والمسيحيون منهم بالتأكيد. وبالتالي تغييب المناخات الديمقراطية التي تشكل البيئة المثلى الحاضنة للأفكار والرؤى الدينية والقومية والسياسية المختلفة والمتعايشة مع بعضها وبالتالي إسقاط المناخات الديمقراطية التي تحافظ على قيم التعددية القومية والدينية والثقافية والسياسية وغيرها والتي يغلب فيها ثقافة الحوار وقبول الآخر المختلف أيا كان وكيفما كان”.
وهذا الرأي يتطابق مع رأي فايز سارة الذي يعتبر أن “سياسات الأنظمة العربية ساهمت في تعزيز الاحتقانات الدينية والطائفية وخاصة بين المسيحيين والمسلمين، نتيجة تغليب فكرة الدولة الدينية هوية لنظام السياسي بدلاً من دولة المواطنة والدولة العلمانية، ونتيجة إتباع سياسة تمييزية من جانب السلطة بما في ذلك التمييز بين المسلمين والمسيحيين من النواحي القانونية والإجرائية، وتزايد الميول نحو الانكفاء في إطار الجماعات الوطنية في البلدان العربية، وهو الخط الموازي للإنكفاءات القومية الحاصلة على المستوى العربي العام، الأمر الذي دفع كل واحدة من الجماعات للبحث عن خصوصياتها وتميزها عن الأطراف الأخرى المكونة للجماعة الوطنية”.
الإسلام لم يشرع الإرهاب
أما بالنسبة للآيات القرآنية التي يتذرع بها الإرهاب لقتل الآخر، فيؤكد الدكتور محمد حبش “أن التعاليم الدينية التي يتذرع بها الإرهاب لتبرير القتل على شكل آيات قرآنية وبشكل خاص آيات سورة التوبة، لا تكفي لتفسير الإرهاب الذي نواجهه اليوم فهذه الآيات والسنن الشارحة لها وأقوال الفقهاء والمفسرين التي تذكي النار فيها كل هذه الأدلة موجودة منذ قرون بعيدة، لكن ذلك لم يتحول في القرون المتطاولة إلى بارود ونار، وظل شكلاً من أشكال التعصب الخبيء في الكتب الصفراء لا ظلال له على الواقع، وكانت المشكلات التي يعانيها النصارى بين الحين والآخر تماما كتلك التي تواجهها طوائف أخرى على خلفيات عشائرية ونزاعات على عقارات وأملاك، وأحياناً على مواقف وإنتماءات سياسية. لكن لم تسجل مواقف إبادة على خلفية دينية أو فقهية، ولا أعتقد أن ما يجري اليوم يخرق القاعدة إياها”.
ويدافع العلامة الإسلامي عن التاريخ والتراث الإسلامي في حماية المسيحيين بالقول “في التراث الإسلامي رصيد هائل لحماية المسيحيين العرب وتعزيز وجودهم، فالمسلم يؤمن بكل أنبياء الله، لكنه يؤمن بالمسيح زيادة على ذلك على أنه رسول الله ونبي الله وكلمة الله وروح الله، وأنه النبي الذي يعود آخر الزمان فيوحد العالم وتمتلئ به الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً”.
ويضيف “خلال التاريخ ظل المسيحيون يعيشون في الأرض العربية كما كانوا قبل الإسلام، ويجب أن تظل هذه الغاية في رأس أهداف وجودهم وأن يعمل عليها المسلمون والمسيحيون على السواء، فأي هجرة للمسيحيين من الأرض العربية هي في الواقع خسارة للجميع”.
أهداف الغرب مبطنة
يؤكد عضو مجلس الشعب محمد حبش أنه “حين تعلن صحيفة اللوموند في آخر إحصاءاتها أن 40 بالمئة من الفرنسيين والألمان يعتبرون الإسلام تهديداً لهم فإن ذلك الرقم سيتضاعف عندما تفرغ المنطقة من المسيحيين، وسينجح المشروع الصهيوني في تصوير الإسلام على أنه عدو الحضارة المسيحية وأن المطلوب من العالم هو شن الحرب الصليبية الجديدة ضد كل ما هو إسلامي”. ويؤكد أيضاّ “هناك بالطبع رغبة صهيونية في ارتكاب مزيد من المظالم ضد المسيحيين وذلك بهدف تفريغ المنطقة العربية من الوجود المسيحي”.
وفي هذا الصدد تؤكد الناشطة ندى الخش “أن تبني الغرب حماية المسيحيين ذو مأرب سياسي يهدف إلى تمزيق المجتمعات العربية ودفعها بعيداً عن الانتماء الوطني والوقوع في حضن الإنتماءات ما قبل الوطنية من طائفية ومذهبية ودينية وذلك في إطار ترتيب المنطقة لتقبل إسرائيل كدولة يهودية شأنها شأن الدويلات الدينية والطائفية المزمعة في المنطقة.. وهذا يساهم في إضعاف الدول واستمرار السيطرة السياسية والاقتصادية عليها”.
ويؤكد الناشط موسى على معاناة المسيحيين في بلاد المهجر بالقول “لا تنتهي مأساة المسيحيين عندما يهاجرون أو يهجرون من بلدانهم الأصلية، فهنالك مصاعب من نوع آخر تنتظرهم هناك، أهمها تمزقهم بين وطن أحبوه ورفض أن يدافع عنهم ووطن جديد لجأوا إليه ويرفض أن يحميهم، فهم يقتلون في أوطانهم ويطردون من مهاجرهم”.
ويضيف “للأسف أقول أن المسيحيين غير مرحب بهم في دول المهجر، فهناك عشرات الآلاف من اللاجئين المسيحيين الذين فروا من مناطق النزاع في العراق مثلاً، قد رفضت طلبات لجوئهم في أوروبا وبعضهم تم ترحيله إلى العراق وكثيرون قتلوا هناك بعد أن أعيدوا. وهناك أسماء وقوائم عمل عليها ناشطون وصحافيون وحقوقيون آشوريون مسيحيون من العراق وغيره عن هؤلاء، ويؤكد أنه “منذ أيام كنا في مقر البرلمان السويدي مع مجموعة من الناشطين المسيحيين الآشوريين في لقاء مع تحالف الأحزاب الحاكم وممثلين عن دائرة الهجرة السويدية وكنا نناقش قضية ترحيل طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم مع المسؤولين السويديين لكن الأجوبة كانت غامضة ولم نحصل على أجوبة ايجابية منهم حول إمكانية تعديل نظام قبول طلبات اللاجئين المسيحيين بعد المجازر الأخيرة التي تعرضوا لها ووقف ترحيلهم”.
أخطار التعرض للمسيحيين
يؤكد الصحافي فايز سارة أن “التعرض للمسيحيين، لن يلحق الأذى بهم فقط، بل سيلحق أفدح الخسائر بالواقع العربي والمنطقة من جوانب مختلفة، أبرزها الجانب الحضاري. فالمسيحيون جزء أساسي من المكون الحضاري للمنطقة العربية، ليس من الناحية الدينية، فالمسيحية ولدت في قلب المنطقة ومنها انتشرت إلى العالم كله، ولا من الناحية الديمغرافية، وغالبية المسيحيين من أبناء المنطقة، حيث أكثريتهم من العرب وجزء مهم منهم من الآشوريين والكلدان والسريان والأقباط من أبناء المنطقة ويعود تاريخهم فيها إلى ما قبل الميلاد، وأقلهم من الأرمن الذين وفدوا إلى المنطقة ودخلوا في نسيجيها كما هو وضعهم في لبنان وسوريا، ولا شك أن التعرض للمسيحيين سيلحق الضرر بالموروث والواقع الحضاري خاصة إذا غاب المسيحيون عن المنطقة أو تضاءل دورهم”.
ويضيف “شارك المسيحيون في حياة المنطقة وتطوراتها وما زالوا، وغياب حضورهم في المنطقة وحياتها، أو إنكفاؤهم عن ممارسة دورهم، سيترك أثراً سياسياً شديد الخطورة، لأنه سيفتح بوابات المنطقة وبلدانها نحو مزيد من الصراعات الداخلية، ويحول الجماعات الوطنية إلى جماعات متنابذة متحاربة، ويفتت الكيانات الوطنية الحالية، ويدفع المنطقة نحو دول الطوائف والأقليات المتناحرة”، لكن من ناحية ثانية يضيف سارة “فإنه سيعطي المبررات العملية والسياسية لحضور إسرائيل بوصفها دولة يهودية في المنطقة، بشكل يجعلها أقوى وأكبر الدول الدينية، مما يعطيها فرصة لإحكام سيطرتها على المنطقة، وسيسهل عليها تأكيد أنه ما من شعب عربي ولا فلسطيني في المنطقة”.
ويؤكد سارة على أن “الأخطار المحيطة بالمسيحيين في المنطقة، تحيط بالمنطقة كلها وبأكثريتها الإسلامية، مما يفرض توجههم لدرء هذه الأخطار وحماية المسيحيين، وهو لا يمكن القيام به دون إحداث تحولات سياسية وقانونية وإجرائية إصلاحية أساسها قيام دولة المواطنة والمساواة والالتزام بالقانون”. وتعبتر ندى الخش أن “وراء كل هذا الاحتقان المتنوع الأسباب فشل الدولة القطرية العربية في تحويل الوطن إلى دولة مدنية ديمقراطية بأفق وامتداد عربي دولة مواطنة وقانون”.
ويكمن الحل بحسب الناشط موسى في “إقامة دولة المواطنة القائمة على مبدأ العلمانية والديمقراطية، دولة تتعاطى مع جميع المواطنين بتساو في الحقوق والواجبات بغض النظر عن دياناتهم وقومياتهم، ولا يكون فيها المسيحيون كفاراً ولا أهل ذمة. دولة علمانية كون الكلمة العليا فيها للقوانين والدساتير فقط وليس للكتب السماوية والتي يكون الإنتماء الأول فيها للوطن فقط وليس لأي دين أو قومية”.
ايلاف