صفحات الناسهيام جميل

محامو معتقلي الرأي في سورية.. حين تصبح المحاماة طريقا للعقاب

null
هيام جميل
هم محامون، يترافعون في المحاكم، أنهوا دراستهم في كلية الحقوق ونالوا درجة الأستذة، لكنهم ليسوا محامين عاديين كبقية المحامين في دول العالم، لأنهم ببساطة محامو معتقلي الرأي والضمير في سورية.
هم في هذا البلد الذي لا يعرف الإحصائيات “لا يتعدى عددهم أصابع اليدين”، كما يقول أحد هؤلاء المحامين، رافضا الكشف عن اسمه.
وفي سورية وحدها، بلاد القوانين الاستثنائية ولد محامون استثنائيون، يهبون للتوكل عن كل معتقل جديد من معتقلي الرأي، غالبا ما يقومون بذلك بشكل تطوعي، بل ويقدمون ما يستطيعون لعائلات المعتقلين عبر لجنة تم تأسيسها باسم “لجنة دعم أسر معتقلي الرأي والضمير في سورية”.
يشوب العلاقة بين محامي معتقلي الرأي وموكليهم الكثير من اللحظات الإنسانية العميقة، وخصوصا حين يكون المحامي صلة المعتقل الوحيدة بالعالم الخارجي، في قاعات المحاكم الضيقة، وفي زياراته الخاطفة المنتزعة من بين يدي التنكيل بالسجين.
يعلم محامو معتقلي الرأي أن جميع مرافعاتهم وجهودهم المضنية تستهدف تخفيض الحكم، الحكم الذي يعلمون أنه قرار أمني مسبق، لا سبيل للوقوف في وجهه.
وفي كثير من الحالات تكون الاستدعاءات الأمنية أيضا من نصيبهم، رغم أنهم لا يقومون إلا بواجبهم في الدفاع عن موكليهم، والمحكمة ذاتها تعلم أن القانون ينص على توكيل محامين لهؤلاء ممن يتواجد في المحكمة من المحامين لحظة تقديم الموقوفين إلى المحاكمة.
ولا يقف الأمر عند حدود الضغط الأمني، بل يتعدى ذلك لحرمان المحامي حتى من حقه في الحصول على العلاج، حيث تم منع أحد المحامين من السفر خارج القطر لعلاج مرض ألمّ به بسبب نشاطه في الدفاع عن معتقلين سياسيين وحقوقيين في سورية.
وبالطبع فإن اعتقال المحاميين مهند الحسني وهيثم المالح أتى لإسكات هذين الصوتين المدافعين عن معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين، فتاريخ المحامي هيثم المالح ذي الثمانين عاما يشهد بدفاعه عن المعتقلين السياسيين في البلاد، كما نشاط المحامي مهند الحسني الذي لم تكتف الأجهزة الأمنية باعتقاله وتحويله للمحاكمة بسبب نشاطه الاستثنائي في محكمة أمن الدولة، بل تم تحريك دعوى مسلكيّة ضده تمهيدا لشطبه من قوائم نقابة المحامين في سورية.
ويستمر المحامون في نقابة محامي سورية بالمشاركة في عقاب زملائهم، بصمتهم وحده الذي يتيح للأجهزة الأمنية اختطاف الحق والعدالة، وصنع ما يريد بالمعتقلين والمحامين.
هي انحناءة رأس أمام من يعرف الجميع تضحياتهم، وقليلا ما يتذكرها، ونادرا ما يفكر فيها.

كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى