رسالة الوداع
ساطع نور الدين
يضحك الزملاء والأصدقاء في القاهرة عندما يطرح عليهم السؤال عما اذا بات الرئيس حسني مبارك على وشك الظهور على التلفزيون ليتوجه الى الجمهور بالكلمة الديغولية الساحرة: «فهمتكم»، أو ما اذا كان يستعد للالتحاق بالرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي في حجه المبرور وسعيه المشكور الى السعودية.
لكن بعد الضحكة الأولى، يدخل الحديث في العمق: ما زالت هناك فرصة لكي يظهر الرئيس مبارك انه فهم شعبه، ولكي يطل خلال الأيام أو الساعات المقبلة، كما هو متوقع ومرغوب في القاهرة، وفي جميع عواصم العالم المهتمة بمستقبل مصر، ليستعيد مقاطع من خطاب زميله التونسي الشهير قبل يومين من فراره من القصر الرئاسي التونسي، عندما وعد أبناء بلده بالحرية الكاملة والديموقراطية التامة وزيادة الأجور وتوظيف نحو 300 ألف عاطل من العمل، لكن وعده جاء متأخرا جدا، ومخادعا جدا مثله مثل تعهده بعدم الترشح لولاية رئاسية جديدة في العام 2013، الذي لن يجديه نفعا أمام ضباط الانتربول الذين شرعوا في تنفيذ مذكرة ملاحقته.
حتى الآن على الأقل، ليس الرئيس مبارك مضطرا لإطلاق مثل هذه الأكاذيب، حول تخليه عن فكرة الترشح لولاية رئاسية سادسة كما كان مرتقبا في وقت لاحق من العام الحالي، فالشارع تجاوز هذا الاحتمال البائس، كما داس على فكرة التوريث الاستفزازية، وهو لن يصدق بعد اليوم أي وعد يأتيه من الرئاسة الاولى بالحرية والديموقراطية ولا بمحاربة الفساد ومكافحة البطالة. الوعد الوحيد الذي يمكن أن يهدئه ويرضيه ويطمئنه هو إعلان مشروع للحكم يضمن الاستقرار والازدهار للسنوات بل ربما للعقود المقبلة. المرحلة الانتقالية المطروحة هي مجرد افتئات على التاريخ المصري الحافل بالسلطات المركزية الطويلة العمر والبعيدة المدى، التي لا تجلس على مقاعد الحكم لفترة طبيعية تتراوح بين أربع أو ثماني سنوات لا أكثر. وهي بهذا المعنى يمكن أن تشكل مغامرة خطرة، على الرغم من إغراء اختبارها ومصداقية الداعين الى اعتمادها.
المخرج الوحيد لمبارك هو تسليم السلطة وبسرعة فائقة تزيد عن سرعة تسليمها في تونس. الخيار الساداتي غير وارد على الإطلاق، لأن القيادة المصرية الحالية لن تجد معارضين بارزين ترميهم في السجون أو في المنافي لكي تستعيد سيطرتها وترسخ شرعيتها على نحو ما جرى في سبعينيات القرن الماضي. ولعل الشارع يمكن أن يصفق لمثل هذه الخطوة، لكنه يمكن أن يشتعل بشكل لا يمكن تصوره ابدا، اذا ما اكتشف أن أجياله الشابة، غير الحزبية، التي تقود التظاهرات والاحتجاجات اليوم تحت شعارات عفوية بسيطة ومحقة، صارت في الحبس.. كما انه يمكن أن ينفجر بقوة إذا أصر مبارك على إطلاق مومياءاته السياسية التي ظهرت على الشاشات خلال الأيام القليلة الماضية.
لم يفت الأوان على تلك اللقطات التاريخية، لكي يعرض التلفزيون المصري واحدا من أهم إنتاجاته الدرامية، ولكي يقدم مبارك واحدا من أهم أعماله السياسية: رسالة الوداع التي يترقبها المصريون بحماسة شديدة، وينتظرها العرب بشغف خاص.. وإلا فإن النكات المتبادلة هذه الأيام على شبكات الانترنت والهاتف التي تلهب الشارع المصري، ستفقد دورها وقدرتها على انتزاع ضحكة واحدة.
السفير