ثورة مصر

الوصفة التونسية.. في مصر

فخر الدين فياض
1
لا يقلل العنوان من أهمية وعظمة الثورة المصرية.. فالوصفة التي بدأت مع رجل بسيط يدعى محمد البو عزيزي، ربما حولته الأقدار إلى عظيم العصر العربي الحديث، كانت نفسها في مصر.. ولا فوارق تذكر حتى اليوم بين الثورتين..
كلتا الثورتين عظيمتين.. وكلتاهما تسطران سيناريو لعصر عربي جديد لا رجعة عنه، وواهم كل نظام عربي يخطر له أنه يتمتع بالقدرة على صد رياح الحرية والتغيير عن شعبه..
فجميع هذه الأنظمة في الداء سواء: قمع، اضطهاد، فساد، فقر وقهر..
وتبدو صورة النظام العربي، في ظل ما حصل في تونس ومصر، وكأنه مجاميع من “قطاع الطرق” استطاعوا الاستيلاء على القوة والثروة والسلطة في مجتمعات مسالمة.. مجتمعات صبرت طويلاً.. ولكنها اليوم ضاقت ذرعاً بهم جميعاً..
2
بدأ عصر الثورات العربية حقاً..
ومن تونس كانت البشارة لجميع شعوب المنطقة..
هي ثورات شعبية حقيقية، لا تشبه من قريب أو من بعيد (ثورانات) العسكر والانقلابات.. الثورة اليوم هي ثورة على النظام بأكمله، مواليه ومعارضيه.. وهنا تكمن عظمة هذه الثورات..
النظام القمعي الفاسد خلق نقيضاً يماثله، معارضات ضعيفة ورخوة وغير فاعلة حتى بالنسبة لحياتها التنظيمية داخل أحزابها وجمعياتها وحركاتها.. فجميع أمراض النظام من محسوبيات وتسلط وتغييب الحياة الديمقراطية تعيشها معظم هذه “المعارضات” داخل أطرها التنظيمية..
من هنا أتى سخط الشبان على الموالين والمعارضين، واستطاعوا تشكيل روحية عمل سياسية مدنية تتمتع بمعايير شفافة إزاء أي رئيس أو حكومة أو انتخابات آتية.. وهذه الأوساط الشبابية سوف تشكل أطرها التنظيمية الجديدة فيما بعد على أسس حديثة وحضارية تتجاوز النظام الحاكم وتنظيمات “المعارضة” التقليدية في آن..
3
الثورة في تونس ومصر، وهي شكل الثورات الآتية في باقي البلدان العربية، تتمتع بمزايا علمانية أصيلة.. ليست ثورات أيديولوجية (فلا أحزاب قومية أو إسلامية أو شيوعية تقودها)، وليست عقائدية (ثورات لا يشوبها أي تطلع أو هدف ديني أو مذهبي أو عرقي)..
وتتجلى علمانيتها في شعاراتها وأهدافها التي رفعتها، وتسعى إلى تطبيقها اليوم في تونس، فالمواطنة بكل ما تحمله من حريات مدنية وعدالة اجتماعية وانتخابات حرة ونزيهة هي المحور الذي لم تخرج عنه شعارات المتظاهرين..
العظيم في هاتين الثورتين، أن التيارات التقليدية الإسلامية والقومية والشيوعية لم يكن لها دور يذكر فيها (والمقصود هنا كتيارات وليس كأفراد).. وتبدو المفارقة غريبة بعض الشيء.. إن الإخوان المسلمين في مصر كانوا يقودون التظاهرات السابقة ودخلوا في لعبة النظام البرلمانية من أبوابها الواسعة، لكنهم مع ثورة شباب مصر قالوا أولاً: “إننا نساند هذه الثورة”.. ثم قالوا: “سنخرج في التظاهرات دون شعارات”.. وآل الأمر بهم إلى أن يكونوا مواطنين مصريين بين المتظاهرين ليس إلا (وخيراً فعلوا).. رغم أنه سيكون لهم دور فيما بعد في الحياة السياسية العامة، داخل الحكومة والبرلمان، ضمن حياة سياسية مدنية وديمقراطية.. وهو ما يصبو إليه المواطن العربي.
في تونس لم يكن لراشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية، أي دور أو حضور يذكر أثناء الانتفاضة أو بعدها..
ما خلا (شكره) الغريب لمعمر القذافي على مساندته (الثورة التونسية)!!
مصطفى بكري، المعارض القومي للنظام المصري، لم يختلف قيد أنملة عن أجهزة النظام ومخابراته في الحديث عن الدكتور محمد البرادعي.. كلا الجهتين اعتبرتا البرادعي “عميلاً للغرب” واستخدما نفس المفردة..
ألم يقبل حزب “الوفد” المعارض وبعض الأحزاب المتحالفة معه الحوار مع النظام بعد خطاب مبارك، في الوقت الذي كان الشبان المتظاهرين يذبحون في “ميدان التحرير” على أيدي بلطجية مبارك وحزبه وشرطته؟!!
وحدهم الشبان المصريون الذين قاموا بهذه الثورة وتحملوا عبئها، وحدهم أبرياء من حسابات وتحسبات النظام والمعارضة في آن!!
4
من أكثر الصور الكارتونية تعبيراً عن حقيقة النظام العربي الحاكم، ما شهده ميدان التحرير مساء الثاني من شباط.. تدافع آلاف من “المتظاهرين” الموالين لحسني مبارك على ظهور الخيل والجمال وهم يلوحون بالسيوف والخناجر والقضبان الحديدية، التي انهالوا بها على الشباب المتظاهر سلمياً والذي أسقط النظام المصري حقاً، قبل رحيل زعيمه حسني مبارك نفسه (وحتى لو لم يرحل فالنظام بحكم الساقط واقعياً).. أثبتت الوقائع أن هؤلاء “المتظاهرين” الموالين الذين أوقعوا مئات الجرحى والقتلى في صفوف شباب “الفيس بوك” السلمي، خلال ساعات قليلة، أنهم ينقسمون إلى ثلاث جهات رئيسية:
الشرطة والحزب الحاكم والبلطجية المأجورين، مع العلم أن الشرطة ورجال الحزب الحاكم لا يختلفون عن هؤلاء “البلطجية المأجورين” في الحياة العادية، السياسية والأمنية في مصر.. وباقي “بلاد العرب أوطاني”!!
الصورة الكارتونية الرائعة هي أن الرئيس المصري هو رئيس لهؤلاء المتظاهرين “الموالين” ليس إلا!! وهم بدورهم يمثلون رعاع البلاد وبلطجيتها التي لا تعي ولا تدرك ولا يعنيها فكرة الدولة والقانون والدستور أو أية قيمة مدنية أخرى.. وبالتالي حين نقول أن الفئة الحاكمة في النظام العربي هي عبارة عن قطاع طرق ولصوص، لا نكون مبالغين أو مفترين على هؤلاء، على اختلاف ألوانهم..
هل يختلف الوضع في باقي الدول العربية عن فئة البلطجية الحاكمة في مصر؟!!
لا أعتقد ذلك.. والأهم أن نزول الشرطة المصرية و”زبانية الحزب الحاكم” ليس اختراعاً مصرياً.. فقبل ذلك خرجت مخابرات النظام وشرطته السرية، في ثياب مدنية لتفريق الاعتصامات في أكثر من مدينة عربية، مرة بصورة “طلاب جامعة” ومرة بوصفهم”وطنيين موالين”..
الدرس المهم هنا، هو ألا نتوقع من أي نظام عربي أن يتخلى عن السلطة بسهولة، مهما كانت أرقام المتظاهرين مليونية، فلن يتورع هذا النظام أو ذاك، عن استخدام شتى أساليب البطش والقتل حتى لو كانت الضحايا بعشرات الآلاف من الناس.. لكنه طريق الحرية، ولا طريق سواه لشعوبنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى