ثورة مصر

زعيم افتراضي

حسان حيدر
حتى الآن لم يعثر المتظاهرون الشبان في ميدان التحرير بوسط القاهرة وفي مدن مصر الاخرى، ومؤيدوهم ممن لم ينزلوا الى الشارع، على «زعيم» يقود خطاهم الى «انتصار نهائي» يحلمون به على نظام مبارك. اذ لا يزال يتنافس على ولاءات هؤلاء لفيفٌ من الشخصيات العامة ومسؤولي الاحزاب غير المعروفين لدى غالبية المصريين، والذين لم يظهر بينهم من يتمتع بالكاريزما الكافية ليقود الانتفاضة، على رغم الملايين المشاركين فيها.
هذا ما كشفته استجابة المصريين العاطفية لدموع وائل غنيم عندما بكى رفاقه القتلى في لقاء مباشر على شاشة التلفزيون، فاندفعوا في اليوم التالي ليعبروا عن تضامنهم ويرفدوا المحتجين بأعداد كبيرة إضافية، وليرتفع عدد المؤيدين على صفحته الالكترونية الى مئات الآلاف في غضون ساعات، بعدما رأوا في الشاب القادم من عالم الانترنت الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي عبر الشاشات، بديلاً، موقتاً بالطبع، من «الزعيم» الذي ينتظرون ظهوره، والذي تزداد حاجتهم اليه مع ازدياد تنازلات النظام واقتراب يوم الحسم.
لكن فكرة «الزعيم» تتناقض تماماً مع العالم المتقدم الذي جاءت منه الانترنت، وسيلة التعبئة المعتمدة في انتفاضة مصر والانتفاضات العربية الاخرى، ووسائل الاتصال الحديثة المماثلة. ففي الغرب الذي شهد آخر نزعاته الفردية المدمرة مع هتلر، لم يعد هناك من يستطيع اختصار بلد بكامله في شخصه وافكاره، ولا من يمكنه تطويع الدساتير والقفز على القوانين، ولا من يستطيع التهرب من المساءلة. وبكلام أوضح، سقطت نظرية «المستبد العادل» الى غير رجعة. لكن الشعوب العربية لا تزال تتمسك بها وتنقاد لسحرها، ولهذا لم ينجح محمد البرادعي مثلاً في إلهاب مشاعر المصريين بتصريحاته ومقابلاته المتلفزة، لأنه لا يملك الصوت ولا الصورة المطلوبيْن. ولم يكن حظ قادة «الاخوان» أفضل، وهم الذين لا يهتمون كثيراً بمظهرهم ويبدو الشظف على ملابسهم. وبالتأكيد لم تكن هناك أي فرصة امام «البدلاء» الخارجيين مثل خامنئي ونصرالله اللذين خاطبا المصريين كأنهما وليّا امرهم، وبلهجة غير مصرية.
ربما كان الحذر الشعبي الفطري من الوصول الى «المجهول» الذي تتكاثر التحذيرات منه، وراء رغبة المتظاهرين في قيادة واضحة تستطيع ان تجسد في السياسة ما يقومون به على الارض. وربما ان تجارب سابقة عايشوها او قرأوا عنها اظهرت ان الثورات سرعان ما «تأكل ابناءها» بعد انتصارها، وأن طرفاً ما يسعى دوماً الى قطف ثمار ما شاركه فيه كثيرون وينكر على الآخرين حقهم في اقتسام نتائج الفوز، وهو ما حصل فعلاً بعد الثورة الايرانية في 1979 عندما كان شبان اليسار الايراني الليبيرالي في طليعة المتصدين لدبابات الشاه وقواه الامنية بعد سنوات طويلة من الكفاح السياسي والمسلح، نالهم خلالها القمع والسجن والقتل. لكنهم تعرضوا مجدداً للإقصاء الدامي والجذري بعد رحيل الشاه ووصول الخميني ورجاله، وحرموا بالقهر وبالفتاوى من المشاركة في صوغ مستقبل نظامهم، الذي عاد بعد عقود الى لعب دور الشاه نفسه في مواجهة الشباب الغاضب.
وقد يكون الحرص على استقرار مصر بعد انتهاء الفورة الحالية، هو الدافع وراء البحث عن قيادي ينجح في توحيد المطالب وفي بلورة صيغة تستجيب لمعظم توجهات المشاركين في الاحتجاجات من دون ان تدخل بلادهم في الفوضى. لكن هذا الشخص لا يزال طي الافتراض.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى