ثورة مصر

النمط المدهش في استجلاب الحرية

من فتحي أبو النصر

جيل عميق القيم ، وبيقظة أخلاقية ، وبطفرة ضمير:   يحتجون بثبات نوعي لإزاحة معضلة الأنظمة التوريثية والفاسدة  والعميلة والتجويعية والاستبدادية ، فيما لسان حالهم الموحد  ” إن جيلنا هو اللي هيحكمه شخص اخترناه بجد، هيكون القضاء سلطة مستقلة بجد ، المسؤولين والضباط مجرد موظفين في جهاز الدولة ليهم هيبتهم في حدود الوظيفة وزيهم زي أي مواطن عادي، جيلنا هو اللي هيطلع منه علماء وعباقرة ومبدعين، جيلنا هو اللي هيحترم حرية الفرد ويدافع عن كل واحد في التعبير عن رأيه، جيلنا هيكون إيجابي ومش هيسكت عن أي غلط، صدقوني كل ده هيحصل بس نبدأ بنفسنا وباللي حوالينا”  .

إنهم المصريون الجدد ” العرب الجدد” :  تلك القوة الثالثة و الكتلة الإضافية والزخم غير المنمط ، حيث الحيوية والحركة والفعل والشغف الفكري والحلمي والمغايرة عن السائد في الواقع العقيم حد البلادة .

أولئك الشباب الذين قاموا بثورة مصر 2011 ،  وقد جاءوا من خارج اطر السياسة التقليدية ، متجاوزين بهمومهم العالية انغلاق السياسيين على وعيهم المحدود والرث ، فيما يزدهرون بالحميمية تجاه بعضهم ، كما يظهرون براعة فائقة في التعامل مع الوطنية على نحو مثالي .

إن الشباب يعني المغامرة ، المغامرة النبيلة جداً،  وهم وحدهم المعرفة المرحة والخلاقة والأكثر حساسية حسب المفهوم النيتشوي ، كما أنهم أكثر انفتاحا على الآخر ، وعلى صلة كبيرة مع أقرانهم في الداخل والخارج .  إذ “يرفضون تشويه دماغ الناس ” -بتعبيرنوارة نجم- ، و”ظرفهم مش طبيعي ومعقد وملتبس” ، فإنهم يرفضون خيار الأمر القدري الجاهز ، وروحهم حية وزاخرة بالتجاوز الخلاق لأن أدوات العصر ومعارفه تجعلهم كمصابيح متوهجة في زمن قياسي .

لذلك فإنهم النمط المدهش في استجلاب الحرية ، أو الأفق المفتوح المعزز ليس بالسياسة فقط وإنما بالأدب وبالفن ، كما بالفكر وبالتكنولوجيا وحقوق الإنسان وقيم المجتمع المدني إلخ .

يأملون بمستقبل أجمل لبلدهم، مصابين بالأرق الوطني، لا بالخسة السياسية المتعارفة من قبل المعارضات والُسلط. هم الذين فاقوا السلط والمعارضات بلغتهم المستقبلية جداً ، بحيث أصبحوا يغيرون وجه الزمن فعلاً وقولاً  ،كما يعيدون الاعتبار للثورات الوطنية التي تزيفت ، مطالبين بإعادة بناء الدولة الوطنية على أسس ديمقراطية حقيقية، ولائقين تماماً بشجن الضوء وهمومه في آن واحد.

هكذا يأتون ضد خداع الشعب والاحتيال على حقه في المواطنة والمساواة ، فيما تقهرهم على نحو مضاعف كل حماقات التزوير والتزييف والتفقير والفساد وقمع الحريات ، ومعهم كل الحق طبعاً  ففي الـ 2011 كيف يمكن استساغة التعامل مع الشعوب على أنها قطعان غبية وحقيرة من الماشية ؟

حتماً رأيتموهم وهم يسقطون شهداء بكل فخر وبذل واعتزاز من اجل قضيتهم المقدسة  ، فأي إيمان عظيم  توصلوا إليه يجعلنا نتمنى لو كنا الأحذية التي يمشون عليها ؟

آه نسيت أن أخبركم ماقاله لي صديقي المصري الطافح عشقاً وجنوناً للحرية وللكرامة وللعدالة وللثورة    ” مصر مش بس ميدان التحرير, لأ..تقدر تشوف مصر في ميدان الأربعين في السويس, أو في ميدان الشون في المحلة, أو ميدان القومية في الزقازيق, قدام القائد إبراهيم في إسكندرية, وفي كل مكان فيه اعتصام ومظاهرات.. هناك هاتلاقي المصريين مسلمين ومسيحيين بيصلوا, وبياكلوا سوا, ويتناقشوا في أحوال البلد, ويساعدوا بعض, كأنهم بجد عيلة واحدة.. شوفهم كمان وهم بيغنّوا غنوة واحدة, فيها طلب واحد.. ارحل, ارحل, ارحل, ارحل” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى