صفحات مختارة

هل تواجه أوروبا خطر الأسلمة ؟

تمرّ الدول الأوروبية عامة بمرحلة إعادة نظر جذرية في سياساتها تجاه المهاجرين المسلمين على أراضيها، في ظل تزايد الكلام عن نمو نفوذ الاسلام الراديكالي في أوروبا، وانعكاساته السلبية على الهوية والتعددية الثقافية وقيم الديمقراطية وأنماط العيش في القارة الأوربية.
وتزداد المخاوف في أوروبا مما يسمى بخطر أسلمتها، وذلك في ظل التزايد الديموغرافي الكبير للمهاجرين المسلمين، وتراجع الولادات في أغلبية الدول الأوروبية، ناهيك عن التطرف والتشدد الواضحين اللذين طرأ على هوية الإسلام هناك خلال العقود الماضية، وتحوله أكثر تماهياً مع التيارات الراديكالية السلفية الجهادية بزعامة القاعدة التي تخوض حرباً لا هوادة فيها ضد عدد من الدول الأوروبية.
ويمكن القول ان اعلان رئيس الحكومة البريطانية دافيد كاميرون عن فشل السياسة البريطانية التي تشجع التعددية الثقافية، واعتبارها المسوؤلة عن تصاعد التطرف الإسلامي يمثلان نقطة تحول بارزة في السياسات الأوروبية إزاء تنامي التيارات الإسلامية المتطرفة على أراضيها، لا سيما ان بريطانيا كانت الدولة الأوروبية شبه الوحيدة التي طبقت لعقود سياسة تسامح أطلق عليها إسم “Londonistan” (والكلمة مزيج من لندن – باكستان، اطلقتها الاستخبارات الفرنسية في العام 1990 على السياسة البريطانية التي استقبلت على أراضيها لعقود الشخصيات الإسلامية المنفية من بلادها، مما حول بريطانيا معقلاً وملاذاً للإسلام الراديكالي، وجنبها الهجمات الانتحارية حتى تموز 2005، تاريخ الهجوم الذي شنه أنصار القاعدة على قطار الأنفاق وأدى الى مقتل 52 شخصاً).
وخلال الأعوام الماضية شهدت الدول الأوروبية سلسلة مواقف حادة ومواجهات مع المهاجرين المسلمين على أراضيها، من معركة حظر ارتداء النقاب في فرنسا وما أثاره من ردود فعل عنيفة، مروراً بردات فعل الشارع الإسلامي الغاضبة على الرسوم المسيئة للرسول وما أثارته من مواجهة بين المدافعين عن حرية الرأي والصحافة الحرة والمسلمين المتشددين، انتهاء بالاستفتاء السويسري على رفض بناء المآذن والمساجد، وما رافق كل ذلك من صعود واضح للحركات اليمينية في أوروبا المعادية للمهاجرين المسلمين، وبروز موجة شعبوية معادية للإسلام، قد يكون أهم الناطقين باسمها غيرت وايلدرز، النائب عن حزب الشعب من أجل الحرية في مجلس النواب الهولندي.
الخطر الديموغرافي الإسلامي
تراوح الأرقام في شأن أعداد المسلمين الذين يعيشون حالياً في أوروبا ما بين 20 مليوناً و54 مليوناً (5 ملايين في فرنسا، 4 في ألمانيا، 2 في بريطانيا). ويشيرالنائب الهولندي غيرت وايلدرز في محاضرة له الى أنه في غضون 12 سنة، سيصبح 25 في المئة من سكان أوروبا من المسلمين، وأنه في مدن، مثل أمستردام ومرسيليا، أغلبية الذين هم دون سن الـ18 سنة من المسلمين. كما يشير الباحث البريطاني كريستوفر كالدويل مؤلف كتاب: “Reflections On The revolution In Europe, Immigration,Islam and the west” إلى أنه السنة 2006 كان 57 في المئة من المواليد الجدد في بروكسيل من المسلمين الذين يحملون أسماء مثل محمد وآدم ومهدي وحمزة.
في المقابل شهدت أوروبا تراجعاً ديموغرافياً خلال السنة 2010، إذ بلغ تعداد سكانها 500 مليون نسمة، أي بزيادة 1,4 مليون عن السنة التي قبلها. وتعود الزيادة في 19 دولة أوروبية الى الهجرة. وخلال الخمسين السنة الأخيرة انعكست النسبة سلباً بين الزيادة المتأتية من الولادات والزيادة من الهجرة، مع ارتفاع واضح في الهجرة التي مصدرها الدول الإسلامية. هذا الأمر الذي أدى، بالاستناد الى كلام وايلدرز، الى نشوء “مجتمع مواز” للمهاجرين المسلمين في المجتمعات الأوروبية، يعيش وفق نظمه الخاصة، ويطبق الشريعة الإسلامية منغلقاً على نفسه في ما يشبه الغيتو، في محاولة واضحة للتشديد على تمايز الهوية واختلافها لدى المسملين عن شعوب البلدان الأخرى، وازدياد المطالبة بمزيد من الحرية في ممارسة الشعائر الدينية الإسلامية، مستغلين القوانين العلمانية والنظم الديمقراطية التي تسمح بحرية التعبير وبالتعددية الثقافية”.
وفي الواقع إن تنامي نفوذ التيارات الإسلامية الردايكالية، لا سيما السلفية منها، داخل المجتمعات الأوروبية كان له دوره الأكبر في تدهور العلاقة بين مجتمع المهاجرين من المسلمين وبين المجتمعات والأنظمة السياسية في الدول الأوروبية، مما شجع على بروز الكلام عن “الخطر الأخضر” وعن استبدال الخطر الشيوعي بخطر الإسلام التوسعي.
صعود الإسلام الرايكالي في أوروبا
يميز جيل كيبل في كتاب بعنوان “فتنة، الحرب داخل الإسلام” ما بين التيارات السلفية وحركة الأخوان المسلمين في أوروبا. ويشير الى نوعين من السلفية: السلفية الجهادية، التي تتمثل بتيار القاعدة والتنظيمات الإسلامية الردايكالية التي تتدرب على القتال في معسكرات باكستان والبوسنة والشيشان، والتي تعتبر أوروبا “دار حرب” يجب نشر الإسلام فيها ومحاربة الكفّار؛ وبين التيار السلفي اللاعنفي، أو ما يسميه بـ”بالسلفية المؤمنة” أو سلفية “المشايخ”. ويعتبر هذا التيار أوروبا “دار صلح”، وعلى خلاف السلفية الجهادية ينبذ أنصار هذا التيار العنف، ويدعون الى الابتعاد الكامل عن الثقافة الأوروبية “الكافرة” والتقيد الحرفي بما جاء في القرآن والسنة، ويتبع هؤلاء مشايخهم في السعودية، ويتواصلون معهم عبر قنوات الاتصال الاجتماعي، طالبين منهم المشورة في كل كبيرة وصغيرة. يقول كيبل إن أتباع هذا التيار السلفي يعيشون نوعاً من “نظام فصل عنصري طوعي” داخل ما يسميه “غيتو فكري”.
في مقابل السلفية الجهادية وتلك المؤمنة تبرز حركة الأخوان المسلمين في أوروبا. يقول كيبل إن الأخوان المسلمين لا يعتبرون أوروبا “داراً للكفر” وإنما “دار الإسلام”، وهم بهذه الطريقة استوعبوا الخطوة القانونية التي سمحت بحصول أبنائهم المولودين في أوروبا على الجنسية الأوروبية، والافادة من وضعهم هناك.
ويضيف: “لقد استغل الاخوان المسلمون انهيار الشيوعية والاوضاع الاقتصادية المتردية للمهاجرين المسلمين في الدول الأوروبية، من أجل خلق هوية جماعية إسلامية حادة للشباب المسلم الفقير، الذي يصل الى سن النضج ليواجه ظروفاً اقتصادية واجتماعية صعبة”. ومن أهم قادة هذا التيار الشيخ قرضاوي الذي يطلب من مكان إقامته في قطر من أتباعه تطبيق مبادئ الشريعة في أماكن اقامتهم في أوروبا لأنها تعتبر في نظره “أرضاً للإسلام”. وهذا يشكل فارقاً كبيراً عن التيارات السلفية الآنفة الذكر. وقد سعت التنظيمات التابعة للأخوان في اوروبا الى التعاون مع المؤسسات الحكومية، وشجعت أتباعها على المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وأقامت شبكات ناشطة من الجمعيات الخيرية في الأحياء الفقيرة، من أجل التشجيع على الإيمان ونشر تعاليم الدين الإسلامي.
كما نشطت حركة الأخوان داخل أحرام الجامعات الكبرى، في فرنسا على وجه الخصوص، وأقامت اتحادات خاصة بالطلاب المسلمين، التي عمدت الى تقديم المنح للطلاب الجامعيين ومساعدتهم على التأقلم في المجتمعات الغربية. هذا بالاضافة الى المشاركة الفعالة في الحملات الدعاوية في تصوير المسلمين”ضحية”، واستغلال قضايا خلافية مثل قضية منع الحجاب في المدارس من أجل التظاهر والسعي الى الحصول على دعم وتأييد المنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الانسان والمجموعات المعادية للفاشية ودعاة الدفاع عن البيئة ومعارضي العولمة وغيرها، على الرغم من التناقض الكبير بين ايديولوجيا الأخوان الايمانية وبين التوجهات العلمانية واليسارية لهذه التنظيمات.
التيارات الأوربية المعادية للأسلمة
في رأي علماء الاجتماع، هناك غير سبب وراء المخاوف الأوروبية من الأسلمة، وموجة العداء للإسلام في أوروبا. فهناك أولاً الأسباب الاقتصادية. ففي رأي ماغالي بالان المختصة بالموضوعات الأوروبية في معهد روبرت شومان “الأزمة الاقتصادية التي تجتاح عدداً من الدول الأوروبية تشجع على ردات الفعل الانطوائية والآراء المعادية للأغراب وللمهاجرين الذين يشكلون تهديداً حقيقياً أو متخيلاً للرخاء الاقتصادي ولأنماط العيش الغربية”.
وهناك أسباب سياسية، إذ يعتقد بيار مانينت، مدير معهد ريمون أرون للعلوم السياسية في فرنسا، أن عجز الأحزاب اليسارية عن تمثيل حركات الاحتجاج الشعبية أتاح الفرصة للحركات الشعبوية اليمينية للحلول محلها. ويبرز ذلك خاصة في شمال أوروبا وجنوبها حيث تسيطر الثقافة الكاثوليكية واللوثرية والكلفانية، والتي تشكل جبهة المواجهة الأفعل للإسلام وللهجرة الجماعية. في رأي مانينت: “الشعوب الأوروبية ضحية الاحساس بتراجع كرامتها الجماعية، وشعورها بأنها تعيش عملية نهب تدريجي لإرثها وتمر في “Zone Depressionnaire”، وباتت تشعر بالحاجة الى أن تجد صورتها وما يميزها عن غيرها. والبعض يعتبر أن ذلك يكون عبر عودتها الى تاريخها وإرثها المسيحيين”.
وبالطبع هناك الحرب التي تخوضها حركة القاعدة ضد الأنظمة السياسية في اوروبا على خلفية الحرب في العراق وفي أفغانستان، وتعاطف الجاليات الإسلامية الدول الاوروبية مع عملياتها الإرهابية.
كل ذلك أدى في الآونة الأخيرة الى بروز عدد من الحركات اليمينية المتطرفة في اوروبا المعادية للإسلام. ففي 18/12/2010، شهدت مدينة باريس انعقاد مؤتمر ضد أسلمة أوروبا، شارك فيه أكثر من 32 جمعية وتنظيماً مناهضاً للأسلمة من اليمين واليسار، ومن بين الأسماء البارزة فيها مارين لوبن [ابنة جان ماري لوبن] مرشحة الجبهة الوطنية التي شبهت صلاة المسلمين يوم الجمعة “باحتلال فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية”. الى جانبها يبرز اسم أوسكار فريسنجر، زعيم حزب اليمين المتطرف في سويسرا المعروف بأنه هو الذي كان وراء فوز الاستفتاء الذي جرى في سويسرا ضد بناء المآذن.
يرفض محاربو أسلمة أوروبا أن يكونوا من كارهي الإسلام أو من الإسلاموفوبيين. فثمة فارق في نظرهم ما بين التصدي لمحاولات أسلمة الحياة في أوروبا عبر فرض أنماط حياة غريبة عن المجتمع الأوروبي وتتعارض مع قيمه الحضارية والثقافية، وبين العداء للإسلام أو الإسلاموفوبيا، الذي، وفقاً للتعريفات القاموسية لهذا المصطلح، هو الجمع ما بين الكراهية المسيحية للديانة المحمدية على المستويين الديني والفقهي، والكراهية العنصرية.
والواقع إن نشوء تيارات أو تنظيمات في أوروبا تدعو الى التصدي لمحاولات الأسلمة التي تتعرض لها القارة على يد مهاجريها المسلمين يعكس حالاً من عدم الارتياح العام يسود المجتمعات الأوروبية، والقلق من تنامي أعداد المهاجرين من المسلمين وانعكاسات ذلك على حياتهم. وربما من أبرز التعابير عن حال عدم الارتياح هذه صعود شعبية الأحزاب اليمينية في الانتخابات الأخيرة التي شهدها عدد من الدول الأوروبية، كما ألمحت اليه مجلة “الأكسبريس” الفرنسية في ملف أعدته عن الموضوع، حيث ظهر تقدم اليمين الذي يعبر عن هذه الموجة الشعبوية المعادية للأسلمة في الانتخابات الأخيرة التي جرت في كل من بلجيكا وألمانيا وايطاليا، والسويد وهولندا والنمسا.
كل هذا دفع بالبرلمان الأوروبي الى اصدار بيان في 17/12/2010 يندد فيه بالتيارات التي تحارب الأسلمة، ويدين المنظمات والجمعيات الاسلامية في أوروبا الممولة من الخارج والتي تتلقى أوامرها منه. كما دعا البيان المسلمين الى عدم بناء “مجتمع داخل مجتمع” ورجال الدين المسلمين الى وقف التشجيع على التطرف، بالاضافة الى دعوته الى وقف التحريض على الإسلام، واستغلال مبادرات سياسية مثل الاستفتاءات الشعبية من أجل قمع الحريات والتضييق على ممارسة الشعائر الدينية.
ووضع البيان الصادر المشار اليه أسساً واضحة وعميقة لكيفية معالجة ظاهرة التطرف المزدوجة الاتجاه في أوروبا. وظهر بصورة خاصة دور التربية والمناهج التعليمية في المدارس في محاربة التطرف الديني والدعوة الى الحوار والتلاقي بين الديانات. فالجهل بالآخر وبالنفس هو الأرضية الخصبة للتطرف والعداء والكراهية لهذا الآخر.
الهجرة المضادة للزعامات الإسلامية
في هذه المرحلة الحاسمة التي يمر بها العالمان العربي والإسلامي في أعقاب الثورة الشعبية في تونس ومصر، يبدو أن التيارات الإسلامية في المنطقة مقبلة على حقبة جديدة من تاريخها، وهي مرشحة لأن تلعب دوراً مهماً، سواء من خلال مشاركتها في حركات الاحتجاج الشعبية والمطالبة بالتغيير، أو عبر المساهمة في رسم صورة المستقبل السياسي لدول المنطقة.
وما زال حاضراً أمام أعيننا مشهد عودة الزعيم الإسلامي طالب راشد الغنوشي الى تونس من المنفى بعد الاطاحة بزين العابدين بن علي. ويبدو أن أوروبا التي تعاني من تنامي الإسلام الأصولي في أراضيها على استعداد تام لإعادة تصدير الزعامات والقيادات الاسلامية التي استضافتها عقوداً من الزمن الى أرضها الأم، للمشاركة في تغيير الأنظمة العربية، بدلاً من محاربة الكفّار ونشر الاسلام في أوروبا.

المسلمون في أوروبا
توزع اعداد المسلمين في اوروبا الغربية: فرنسا 5٫576٫000 نحو 70 في المئة منهم من المغرب العربي – المانيا: 3٫200٫000 نحو 11 في المئة منهم من المغرب العربي – بريطانيا: 1٫700٫000 نحو 27 في المئة منهم من العراق – ايطاليا: 1٫000٫000 65 نحو  في المئة منهم من المغرب العربي – هولندا: 900٫000 نحو 39 في المئة منهم من المغرب العربي – بلجيكا: 600٫000 – اسوج: 400٫000 – سويسرا: 400٫000 – اسبانيا: 380٫000 -النمسا: 400٫000 – اليونان: 700٫000 – الدانمارك: 120٫000 – فنلندا: 40٫000 نحو 52 في المئة منهم من الصومال – اضافة الى اعداد اخرى قليلة في كل من البرتغال والنروج واللوكسمبور. هذا ويبلغ مجموع عدد المسلمين في اوروبا الشرقية 34٫618٫000.

رنده حيدر
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى