أيها الطغاة العرب الصغار …. انتبهوا أو لا تنتبهوا!
أمجد ناصر
ليس هناك، على ما يبدو، أكثر’ تناحة’ من حسني مبارك. ليس هناك من هو أكثر بلادة. ملايين الأصوات. ملايين الحناجر بُحَّت وهي تصرخ ‘ الشعب يريد إسقاط النظام’.
وعندما لم يفهم الشعار، كما يبدو، سهَّل المتظاهرون الأمر على الرئيس، جعلوه قريباً من مستوى فهمه، فعادوا يهتفون بالملايين: الشعب يريد إسقاط حسني مبارك. لكنه لم يفهم ايضاً فما كان من المتظاهرين الا ان صرخوابصوت أعلى: يسقط، يسقط حسني مبارك.
لكن عدم الفهم، او ‘التناحة’، استمرّ. أذن من طين وأذن من عجين.
كأن الرئيس المخلوع، بعدد الأصوات التي هتفت ضده، يقول لمواطنيه: قولوا ما تريدون. زيدوا العيار. ارفعوا السقف. لكني سأفعل ما أريد. سأقولها لكم واضحة، صريحة، بليدة. إني هنا باق. على هذه الأرض ولدت وعلى هذه الأرض أموت. فموتوا بغيظكم! ولم يذهب.
شيء يدعو الى الغيظ فعلاً. الأمر صار يحتاج إلى استدعاء كل العلوم الانسانية المعروفة، الاستعانة بالأبراج والطوالع، استنفار السحرة والمشعوذين، استشارة علماء النفس لمعرفة هذا الشخص الذي يدعى محمد حسني مبارك الذي شغل، حتى ساعات مضت، منصب رئيس جمهورية مصر العربية.
طقَّ الشعب المصري، طقَّت الشعوب العربية، طقَّت اوروبا. طقَّت امريكا وهي ترى هذا ‘التـِّنح’ يتلاعب بأعصابهم، وهو يستعصي على اي فهم. بالله عليكم هل رأيتم هل سمعتم هل قرأتم في حياتكم عن شخص كهذا؟ مَنْ في التاريخ القريب والبعيد سمع شعبه يطالبه بالرحيل بكافة الألفاظ المباشرة وغير المباشرة وبالرسوم التوضيحية ولا يتزحزح من كرسيه؟
اي أعصاب، بل أي بلادة يمكن أن يتوافر عليها شخص ( من لحم ودم) وهو يسمع اسمه مشتوماً بالعربية الفصحى، بالعامية المصرية، بالهيروغليفية ولا يحمل نفسه ويمشي؟
لا يوجد ولم يوجد. لم يسمع الناس عن رئيس كهذا. لم يسجل التاريخ ان حاكماً لا تهزّّه ملايين الحناجر الهاتفة ضده، لا تحركه ملايين القبضات الملوحة بغضب في وجهه.
لكن هذا الشخص، هذا الحاكم، وجدَ وعاش حتى ساعات مضت بيننا واسمه: محمد حسني مبارك.
كادت أن تصح النكتة التي قيلت في اول أيام هذه الثورة المصرية العظيمة عندما طُلِب الى حسني مبارك ان يوجه خطاباً وداعياً لشعبه فقال لمن طلبوا منه ذلك: هوّا الشعب رايح فين؟!
لكن ‘التناحة’ مهما طالت لها آخِر. الليل له ايضاً آخر. ولم تخذلنا هذه الحتمية، هذا القانون الأزلي.
فها هو ليل حسني مبارك ينتهي. ها هو الفجر يطلع. ها هي الغيمة الثقيلة السوداء التي كبست على صدور المصريين تنزاح. وقريباً، وقريباً جداً، سوف تنزاح العديد من الغيوم السوداء الثقيلة التي ترزح فوق سماوات عربية أخرى.
يا أيها الطغاة العرب الصغار، يا أيها المؤبدون في الحكم، أيتها السلالات العائلية المنقرضة التي تحكم ‘ كذا’ بلد عربي انتبهوا، أو لا تنتبهوا، فدوركم قد حان.
ليلكم، ظلمات سجونكم، أجهزة أمنكم العتيّـة، حرسكم الجمهوريّ أو الملكي أو الأميري قد تؤخر يوماً كهذا لكنها لن تستطيع الفرار من مجيئه الحتمي. إنه قادم غداً أو بعـد غد.
القدس العربي