الإنسان أولا، في البعد السوري
مازن ميالة
الجزء الأول
يقول أحد الكتاب ولم أعد أذكر أيهم: إن استطعت أن لا تكتب, فلا تكتب. وهو ما أفهمه دعوة كي يفكر الإنسان مليا قبل أن يشرع في الكتابة، إن كان ما يفكر بالكتابة عنه، أمر مهم أو ملح ولا يمكن أن يتركه الإنسان لنفسه، وكنت أجدني أقتدي بهذا من حيث لا أدري وذلك لأسباب، ليس آخرها، إحترامي لمهنة الكتابة ولوقت ومشاعر القراء. مع ذلك بت أشعر يوما بعد يوم، بعبئ أكبر، مع ما أحمل من هواجس وأفكار، في الإستمرار بعدم الكتابة. وإذا فدافعي هنا للكتابة هو إراحة نفسي بداية وإنزال عبئ حمل بعض وجهات النظر، التي قد أشعر أحيانا بالتفرد بحملها في بعض جوانبها. وإن تبين لدي أن لكتابتي وجه فائدة تجاه ما سأحاول البحث به من أمور، فسأكون أكثر من راض.
كتبت منذ أكثر من خمسة أعوام، عندما لم أستطع حينها أيضا أن لا أكتب، متناولآ حال المعارضة السورية وكان ذلك قبل آعلان دمشق. تناولت أنقساماتها وتشتتها من جهة، وضعف الأداء الذي رافق نشاطها من جهة أخرى في وقت كان يبدو فيه أن ظروفآ دولية وإقليمية مؤاتية قد حلت.
ورغم أني لم أكن مشاركآ آنذاك في التفاؤل الذي كان يسود بين أوساط المعارضة حول درجة الإيجابية لتلك الظروف في المساعدة بتحقيق تغيير ما في سوريا، إلا انني كنت أشعر وبشكل ملح بضرورة إستثمار تلك الظروف بعد ثورة الأرز في لبنان ومجريات التحقيق في إغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الشهيد الحريري والإنسحاب الإذعاني لقوات النظام من لبنان الشقيق. إلا ان الأداء للأسف بسبب التشتت وفقدان البحث عن المشترك وتغليب الأجندات الحزبية أو العقائدية أو الفئوية أو حتى الشخصية، ظل دون المستوى المطلوب وقدم للنظام بدون مقابل وقتا وراحة بال كافية لإعادة ترتيب أوراقه .
بعد إعلان دمشق, والذي كنت ولا زلت أعتبره نقلة نوعية في العمل السوري المعارض وكنت من أوائل الموقعين عليه، حاولت أن أتفاءل بأن تغييرآ نوعيا سوف يحصل. وبلا شك فقد حصل ذلك إنما بحدود أعتبرها تحت سقف التوقعات والطموحات. كان ذلك لأسباب أهمها خلفيته الائتلافية لقوى سياسية ذات مرجعيات فكرية وعقائدية مختلفة إلى حدود التناقض أحيانا.
وقد ظهرت الرؤى المختلفة للقوى المختلفة المؤتلفة في الإعلان، في المواقف من الأحداث العاصفة الجارية في المنطقة وبشكل خاص في العراق ولبنان، كما ظهرت “الإستعصاءآت” والخطوط الحمراء والتابوهات الناتجة عن تلك الخلفيات. ولا عجب فقد كان هناك على سبيل المثال، قوى في الإعلان كانت تتبنى تقريبا، القاموس السياسي لإعلام النظام بما يتعلق بالمقاومة والممانعة، ومحور الممانعة في مقابل محور الإعتدال، وترى أولوية لمقاومة مزعومة للمشروع الإمبريالي الصهيوني قبل النضال لإسقاط “الديكتاتورية” وترى أن النظام مستهدف من قبل هذه الجهات العدوة ولا يجوز بالتالي أن تساهم المعارضة في هذا الإستهداف.
وأنا أعتبر إختلاف المرجعيات، ليس سببا موضوعيا كافيا لأن يتسبب بما تسبب به من عواقب على أداء وفعالية أداء الإعلان، لو أن تلك القوى أدركت طبيعة المعركة مع النظام وأخضعت أجنداتها المرحلية على الأقل لمصلحة هذه المعركة ولم تلعب علي حبال الشعبوية والشعاراتية، ووفرت جهودها لمصلحة الإرادة الصادقة في النضال من أجل التغيير.
ورغم أني لست بصدد تقديم تقييم نقدي شامل لأداء إعلان دمشق، فلا أجد بدا من ذكر النظام وأجهزته الأمنية، التي لم تقف بالتأكيد مكتوفة الأيدي حيال الإعلان، ولا أقصد هنا الإشارة فقط إلى كل وسائل القمع، التي مارسها النظام ولا يزال بحق قادة وكوادر الإعلان، وانما أيضا التدخل الخفي لتلك الأجهزة في خلق البلبلة وإثارة الخلافات داخل مؤسساته من خلال بعض المندسين التابعين له.
كل ما سبق، وضع سلفآ حدودآ للكمون النضالي للإعلان والعمل المعارض وآفاقه.
في الخارج ظهرت جبهة الخلاص الوطني, وكنت من بين الذين كانوا عند تأسيسها. ورغم أني كنت أملك في ذلك الحين رؤيا لتنظيم معارض في الخارج يكون جزءآ من إعلان دمشق ورديفا له، يستفيد من هامش الحركة الأوسع الذي لديه، في إيصال قضية الشعب السوري إلى أوسع المحافل الدولية وإستجلاب الدعم اللازم لهذه القضية، ورغم مساعي لعدم تكبيل تجربة الجبهة باي قيود تخضعها سلفا لأجندات فئوية وشخصية، إلا أنني ومن خلال المداولات التي جرت عند تأسيس الجبهة وفيما بعد، لم أنجح في نقل رؤيتي بشكل فعال إلى الأطراف الاخرى، ومن ثم كنت أتوصل تدريجيا، إلى النتيجة المنطقية وهي أن ما لم يبنى على أسس سليمة، وهذا لم يتوفر للأسف منذ البداية، لا يتمتع بالتالي بمواصفات النجاح والإستمرار.
فيما يلي سأتناول بعض القضايا والموضوعات الخلافية، التي يسبب عدم الإتفاق عليها إضرارا بالفعل المعارض ورأيي في هذه الموضوعات:
توصيف النظام والموقف منه
لم يوجد إتفاق على توصيف أو رؤيا موحدة في توصيف النظام بين أطراف القوى المعارضة. وقد يبدو أن هذا الأمر غير ذي أهمية كبيرة، طالما أن الجميع متفقون على ملامح النظام الديمقراطي الذي يبتغونه، لولا ما يستتبع ذلك من مواقف سياسية تستند إلى هذا التوصيف.
فعندما يصفه البعض بالشمولية أو الديكتاتورية أو الطائفية أو الفساد, أو كل هذه الصفات معا وفي نفس الوقت يرى فيه نظاما له مواقف وطنية وقومية مبدئية في قضية الصراع مع الصهيونية وعدم التفريط في الحقوق ويراه ممانعا في فرض الهيمنة الإمبريالية في المنطقة ودعم قوى المقاومة…الخ.
مثل هذه الرؤيا، كما سبق وذكرت، هي التي كانت تعطل وتكبل بشكل رئيسي إعلان دمشق وقادت في النهاية الى الإنقسام الذي حصل فيه في المجلس الوطني نهاية العام 2007. وشبيه بها أدى إلى أن يعلق الإخوان المسلمون معارضتهم على المسمار تضامنا مع إخوتهم في حماس، الذين يحظون أيضا بدعم النظام، ولإدراكهم فجأة بأولوية “القضية الفلسطينية”.
هذه الرؤيا وبحسب قناعتي، هي في خدمة النظام تماما، لأن النظام لا يضيره أن ينعت بالديكتاتوري أو الشمولي أو حتى الطائفي لا بل هو يريد ذلك. وإذا استتبع ذلك، رؤيته أو تصنيفه “من قبل المعارضة” في معارضة المشاريع الإمبريالية والصهيونية فلا شيء يفرحه كهذا، لأنه يصب مباشرة في خدمة آلته الإعلامية المأجورة والمنافقة، التي ما فتئت تروج لهذه الكذبة السمجة والسخيفة ولعقود طويلة.
أن المواقف السياسية للقوى التي تمثلت مثل تلك الرؤيا السابقة, ألحقت أضرارا كبيرة بالفعل المعارض ومن ثم، سواء ارادت ذلك بنفسها أم لم ترد، وضعت نفسها فعليآ خارج المعارضة الحقيقية للنظام. ولا أظنني أبالغ في القول، أن أفقها الفكري والسياسي هذا يؤهلها أكثر للدخول في جبهة النظام الوطنية التقدمية.
هناك طرف أخر يملك رؤية أخرى لا تصدق الآلة الإعلامية للنظام, بل تراه على حقيقته نظاما لا وطنيا ولا قوميا. نظاما يخون المصالح الجذرية للشعب السوري في سياسته الداخلية والإقليمية والدولية. تراه مستعدا للمساومة والإتجار بمصالح هذا الشعب سواء كان ذلك سابقا أوحاضرا ومستقبلا مع أي طرف إقليمي أو دولي يسعى الى توسيع دائرة مصالحه أو نفوذه، أو في القيام بأي دور إقليمي يتقاسم فيه النظام المصالح مع هذه الأطراف أيا كانت هذه الأطراف سواء كانت أسرائيل أو ايران أو تركيا وبغض النظر عن الأضرار، التي قد يلحقها بالشعب السوري أوشعوب المنطقة.
لكنها تقرن هذا التوصيف الصحيح بلا شك، بوصف النظام، بالنظام الطائفي أو نظام الطائفة. هذا التوصيف، حسب رأيي يفتقد الدقة وبعض الحساسية المطلوبة بهذا الشأن، لأن النظام لا يمثل الطائفة العلوية. وإن كان الأمر يتعلق بالممارسات الطائفية للنظام، فهنا يجب القول أن هذه الممارسات لا تخدم أبناء الطائفة وإنما تلحق بهم الأذى قبل غيرهم.
النظام في الواقع غير معني بالطائفة ولا برفع شأنها، وإنما كان ولا يزال معنيا بأن يسود الإعتقاد وخاصة لدى أبناء الطائفة بأنه نظامهم ويحكم لمصلحتهم، وهذا ما قامت بترويجه أجهزته الأمنية قبل غيرها وفي سبعينيات القرن الماضي، كي يتمكن النظام من كسب ولائهم المطلق له ومن ثم تعبئتهم وتجييشهم بأبخس الأثمان لصالحه وتكريس مبدأ فرق تسد في المجتمع السوري.
إن ممارسات النظام الطائفية لا يمكن ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تسمح لنا بالمطابقة بين النظام والطائفة، او تسميته بنظام الطائفة أو أن نكرس علاقة لا تنفصم بين النظام والطائفة، بل بالعكس، علينا أن نرفض مثل هذا الربط حتى النهاية مهما حاول النظام تأكيد ذلك. مما سبق يتضح للقارئ تقريبا رؤيتي الشخصية في توصيف طبيعة النظام. فأنا أرى، وبغض النظر عن كيفية أو آلية صنع القرار في سوريا، ومن هم، وما عدد الأشخاص الذين تناط بهم هذه المهمة، والإرتباطات الداخلية والخارجية، التي تؤثر أو تتحكم في ذلك، فإننا بصدد نظام، لا أستطيع أن أتخيل قدرا أسوأ من الذي أتى به إلى سوريا وشعبها.
هذا النظام “توفق” في أن يجمع أسوأ ما لدى جميع الأنظمة دفعة واحدة في نظامه، فلم يعد يوجد نظام يسبقه بالإستبداد والإرهاب ومصادرة كل أنواع الحريات، ولا نظام يسبقه بالفساد المبرمج والممنهج ومن قمة الهرم حتى قاعدته، ولا نظام يسبقه بالكذب والنفاق والعهر السياسي، ولا نظام يسبقه في سرقة خيرات بلده ووضع اليد على جميع مقدرات البلد الإقتصادية وربطها بعصابته المافيوية، ولا نظام يسبقه في تنفيذ المهمات القذرة للأجندات الإقليمية والدولية المعادية، ولا نظام من أي مواصفات أخرى كان بإمكانه أن يمزق الروابط المجتمعية للشعب السوري ذي التقاليد الإنسانية والحضارية كما فعل هو، ولا نظام، وهذا أخطر ما في الأمر، كان بإمكانه أن يذل أو يستعبد الإنسان السوري أو يقتل القيم الإنسانية فيه كما فعل هو.
خلاصة ما أود الإشارة اليه في هذا الصدد، هو أن تكرار توصيفات للنظام من التي سبق ذكرها في بداية هذه النقطة، ما هو إلا إطراء في غير محله للنظام، لا يليق بمن يصف نفسه بأنه معارض، سواء كان فردا أو تنظيما.
وليسمح لي القارئ في نهاية هذه الفقرة، أن أسوق له على سبيل المثال، تجربة نظام شمولي في بلد أعيش فيه مدة أطول مما عشته في بلدي الام “تشيكيا، تشيكوسلوفكيا سابقا”. هذا النظام الشمولي عزيزي القارئ كان يضمن بالقانون حق الانسان، كل إنسان، بالعمل والسكن والرعاية الصحية الكاملة بما فيها أعقد العمليات والدواء مجانا، والتأمين الاجتماعي والتقاعد، ولم يكن يوجد فيه متسول واحد أو إنسان بلا عمل أوسكن. وبعد سقوط هذا النظام نهاية عام 1989، لم تجر إدانة مسؤول واحد بجريمة رشوى أو إختلاس أو فساد من أي نوع.
كما لا يخف على أحد مثال الصين وهي الدولة الشمولية بإمتياز والتي مع شمولية نظامها، تحقق أعلى وتائر نمو إقتصادي في العالم، وأهم ما يميز نظامها الشمولي هو محاربته الصارمة للفساد، حيث تصل فيها عقوبة الفساد إلى الإعدام، و ليس فيها من هو فوق القانون. أذكر هذا ليس حبا بالنظام الشمولي وإنما كي لا يخدع الانسان السوري المسكين، عندما يوصف له بعض “المثقفين” نظامه بالإشتراكي والشمولي.
الجزء الثاني
في الجانب البرنامجي
تجمع قوى المعارضة السورية في برامجها المقرة، على النظام الديمقراطي بديلا للنظام الحالي، كما أنها ترسم فيه ملامحه، التي باتت معروفة والتي لا خلاف عليها من كونه يجب أن يكون نظاما برلمانيا، يخرج بنتيجة إنتخابات تعددية حرة، ويكون فيه فصل للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ويكون فيه دستور ديمقراطي جديد يضمن حقوق متساوية للناس بغض النظر عن الجنس أو الدين أو العرق، يضمن أيضا حرية المعتقد وحرية الرأي ….الخ.
مأخذي الأول على البرامج التي أعرفها كإعلان دمشق مثلا، أنها لم تحصر برنامجها على المشترك، الذي لا خلاف عليه، وانما تجاوزت هذا المشترك لتضع بصمات فكرية أوعقائدية لبعض التيارات، كالتيار الإسلامي أو القومي، سواء العربي أو الكردي في نص الإعلان، مما عكس هوية الأطراف التي ساهمت في إعداده.
رب قائل وما هي المشكلة في ذلك؟ وأنا أقول أن لا مشكلة في أن يؤكد أي طرف سياسي مرجعيته الفكرية أو العقائدية وفي جميع وثائقه وأدبياته، لكننا هنا حصرا بصدد وثيقة أو إعلان، كان من المفروض أن يتوجه بمضمونه الى كل إنسان سوري، ليعلمه أنه الطرف الذي أخذ على عاتقه شرف قيادة النضال لتحريره من عبودية النظام، وفي هذه الحالة، لن يغيب عن ذهن أحد من خارج تلك التيارات السياسية أو الأعراق، التي لم يأت ذكرها ولم تظهر بصماتها في الإعلان، أن هناك محاولة، ومن خلال بعض النصوص فيه، لتسجيل نقاط لصالح تلك الجهات على حسابه وقبل أن تبدأ المعركة.
إن هذا الامر، يعكس أيضا درجة الحساسية السياسية للاطراف “أو لبعضها على الأقل” التي قامت بصياغة الاعلان ودرجة أو عمق إيمانها بالعملية الديمقراطية التي تدعو إليها، لأن هوية الدولة الديمقراطية تتحدد من خلال العملية الديمقراطية نفسها وبالوسائل الديمقراطية وبالإلتزام غير المنقوص بحقوق الإنسان وليس بإرادة سابقة لقوى بعينها وفي وقت لا يزال فيه كل أبناء الوطن ومن جميع الأطياف تحت نير العبودية المفروضة من قبل النظام.
مأخذي الثاني يتعلق بتوصيف ورد للنظام الديمقراطي الجديد ألا وهو النظام المدني، وهو نظام لا يوجد حسب رأيي تعريف له، سوى أنه ليس دينيا ولا هو علماني. وهي على ما يبدو الصيغة، التي تترك للأطراف المؤتلفة في الإعلان “وكذلك في جبهة الخلاص” هامشا للتفسير كل حسبما يراه مناسبا ولا تربط أي طرف بأي تفسير واضح الحدود والمعالم.
وفي واقع الأمر لايوجد نظام ديمقراطي حقيقي غير علماني ولا يوجد ضمانة للنظام الديمقراطي خارج إطار العلمانية ولا يوجد ضمانة للمساواة بين الناس وخاصة بما يتعلق بالمرأة خارج إطار العلمانية. لا أستطيع أن أرى في هذه الصيغة سوى مساومة بين طرفين سياسيين هما الطرف الإسلامي من جهة وغير الإسلامي من جهة أخرى للتغاضي البراغماتي مؤقتا عن خلاف جذري في رؤيتهما لطبيعة النظام المنشود.
المأخذ الثالث وقد يكون الأهم، يتمثل في أن البرامج السياسية للمعارضة لم تستطع حسب رأيي أن ترى وتعرف التناقض الأساسي في الدولة السورية ولا الطريق نحو حل هذا التناقض. ورغم أن الصراع القائم بين الإنسان والشعب السوري من جهة، والنظام من جهة أخرى لا يخف على أحد، إلا أن عدم وضعه في المستوى النظري وبالتالي البرنامجي في إطار صراع مبني على تناقض أنتاغوني “جذري”، يبين حسب رأيي أن رؤية المعارضة هنا لم تكن ناضجة.
وعندما لا تصل المعارضة في تصورها لطبيعة التناقض الى رؤية تتلخص في أن لا حل لقضية الإنسان السوري والشعب السوري مع وجود النظام الحالي، نكون لم نخط بعد أي خطوة في الإتجاه الصحيح.
إن النظام، وعلى الفارق من المعارضة يدرك هذا التناقض ويبني سياسته على هذا الأساس، إنه يدرك بعمق أن دوام حكمه مرهون شرطا بالإستمرار في نجاحه في الحؤول بين الإنسان وإنسانيته أي الحؤول دون أن يتمكن الإنسان بإعتباره الخلية الحية في المجتمع من تأدية دوره، لأن المجتمع بدوره لا يمكن أن يكون مجتمعا حيا، ما لم يكن الإنسان خلية حية تؤدي دورها.
وفي السياق التاريخي كان النظام يدرك بلا شك ومنذ البداية, أن نجاحه في ترسيخ دعائم حكمه، لن يتحقق دون النيل من الإنسان السوري وإخضاعه، وبغض النظر عن هويته الدينية أو العرقية أو العقائدية أو الحزبية. وليس أدل على ذلك من السجل المشين لسجون النظام، أو قوائم ضحاياه، التي لم تستثن حزبا سياسيا أو أتباع دين أو طائفة. كل الذي جمع ويجمع ضحايا النظام هو كونهم أناسا يدافعون عن حقوقهم وشرفهم “ليس بالمعنى الشرقي للكلمة” كبشر ويأبون أن يتحولوا إلى مجرد كائنات بشرية تقودها حصرا غريزة البقاء ولو على حساب المبادئ والقيم، ولهذا السبب تحديدا أصبحوا أعداءآ للنظام.
وأيضا في السياق التاريخي وفيما عدا القمع والإرهاب الفردي والجماعي، لم يوفر النظام أية وسيلة أخرى في عملية إخضاع الإنسان وهدم إنسانيته سواء بالفساد والإفساد وشراء الذمم، أو هدم قيم المحبة والتضامن بين الناس وزرع الأنانية والإنتهازية والتعصب الطائفي.
وفي هذا الصدد أيضا، وبغية تفسير ما قام النظام به، لا بد لي من الإشارة إلى أن العلاقة الجدلية بين النظام، اي نظام، والمجتمع المحكوم بهذا النظام هي مسألة معروفة على الأقل منذ قيل “كما تكونوا يولى عليكم”، وحتى يستطيع نظام على درجة إنحطاط النظام السوري من أن يحكم شعبا كالشعب السوري “آنذاك”، فقد كان لا بد له من أن يحط من شأن هذا الشعب قدر ما يمكن كي يؤمن استمراره.
كل ما فعله ويفعله النظام وعبر تاريخه الطويل في هذا الصدد لم يكن سوى عملية منهجية لقتل الإنسان في الكائن البشري أو لمنع أن تعود الإنسانية إليه.
وبالعودة الى موضوع التناقض سابق الذكر، لا بد لي من التأكيد على أن النظام لن يكف بنفسه ولا بقدرة قادر عن حالة العداء للإنسان والشعب، لأنه يدرك أنه بذلك يلغي نفسه. ويكفي الإشارة هنا إلى تجربة ربيع دمشق والحراك السياسي الشعبي العارم والمتنامي الذي رافقه والذي كان قد بدأ يؤسس لحالة إستعادة الإنسان السوري المستعبد والمذل لشعوره بإنسانيته وكرامته وبدأت مظاهر تفاعله مع واقعه، حين بدأ يرفع إصبع الإتهام تجاه النظام، وهو ما لم يكن بإمكان النظام أن يسمح به، ومن ثم كان رد فعله الراديكالي بحملات القمع والإعتقال لشخصيات ورموز تلك الحركة.
وهذا إن أكد على شيء، فإنه يؤكد على وجود وطبيعة هذا التناقض. كما تؤكد عليه كل حملات القمع المستمرة إلى الآن لأناس تجرؤوا فقط في التعبير عن رأيهم. والتعبير عن الرأي من وجهة نظر النظام أمر خطير، إن مر دون عواقب أو عقاب، فقد يجعل الآخرين يتجرؤون أيضا، ويصبح من بعدها المتجرؤون مثالا لغير المتجرئين وهنا الطامة الكبرى بالنسبة للنظام.
المعارضة الصادقة وإستنادا إلى ما سبق ذكره في هذه الفقرة، عليها أن تدرك بعمق طبيعة التناقض سابق الذكر، وبناءا عليه تأخذ على عاتقها مهمة وشرف النضال لتحرير الإنسان السوري المنكوب أولا وقبل أي شيء آخر، كما عليها أن تبرهن أنها تعرف الطريق الى ذلك.
الجزء الثالث
الطريق نحو التغيير
تذكر المعارضة في برامجها أن الطريق الى التغيير هو استنهاض الشارع السوري وكسر حاجز الخوف وصولا إلى العصيان المدني.. الخ، وأن التغيير الذي تنحو إليه هو التغيير السلمي وبقوى الشعب السوري الذاتية ودون تدخل خارجي… الخ.
هذا الكلام صحيح بمجمله رغم الطابع الشعاراتي الغالب فيه. مع ذلك لا أستطيع أن لا أشعر ومن خلال متابعتي لكتابات وأدبيات المعارضة، أنه لا يزال لا يوجد تصور عملي لكيفية بلوغ هذا الأمر، سيما وأن البرنامج “الإعلان” لم يتوصل أساسا إلى تعريف التناقض الرئيسي الذي يحكم الصراع.
أنا شخصيا تعلمت من خلال عملي الهندسي أن النجاح في إنجاز أي مشروع، هو محصلة لنشاط وعمل يستند الى الإلمام الكامل بجميع الجوانب الفنية والإدارية والتنظيمية فيه. وكل ثغرة في هذا الإلمام تنعكس بأضرار تتناسب وأهمية أو وزن هذه الثغرة المعرفية.
تعلمت أيضا أن المقدرات والخبرات المتراكمة لدى الجهة المقاولة أو المتعهدة، لن تفيد بشيء إن لم تستطع هذه الجهة أن تعرض وتقنع بها الزبون المستثمر أو الشريك التجاري.
وفي العلاقة ما بين المعارضة والشعب السوريين، ما ينطبق على ما ذكرته من تجربتي في العمل الهندسي. المعارضة يجب أن يكون لديها وعلى أرض الواقع، الخبرة المطلوبة والكوادر المؤهلة والرؤية غير المنقوصة لإنجاز مشروع التغييرمن ناحية، وان تملك الوسائل التي تتيح لها إقناع الشعب السوري بأهليتها للتصدي لهذه المهمة من ناحية أخرى.
وإذا تخيلنا الإنسان والشعب السوري في موقع المستثمر في العلاقة سابقة الذكر، الذي يريد إنجاز صرح التغيير، والمعارضة إذا في موقع المتعهد، فلا بد من الإشارة إلى أن هذا المستثمر وبسبب الكثير من تجاربه الفاشلة السابقة مع بعض المتعهدين المغامرين، الذين أخذوا سلفا كبيره ولم يمنحوه شيئا سوى الخسائر، قد أقلع عن الإستثمار أو أصبح لا يمنح ثقته على أقل تقدير بسهولة، وهو يريد أن يفكر ويحسب ألف حساب قبل أن يتورط في أي مشروع غير محسوب.
حسب رأيي هذا بالضبط هو حال الإنسان والشعب السوري، الذي قدم الكثير فيما سبق ولم يجن إلا المحن والخسائر التي لا تعوض، وقد حصل ذلك لأن “المتعهدين” الذين ورطوه في تلك المشاريع لم يكونوا أهلا للأمانة التي حصلوا عليها. المعارضة الحقيقية الشريفة يجب أن تبرهن على أنها نوع مختلف من المتعهدين. يجب أن تبرهن على أنها أكثر إلماما وأكثر أمانة وصدقا مما عرفه الإنسان السوري في السابق وأنها لن تورطه في مشروع خاسر ولن تسبب له إحباطا من جديد. وعندما كنت أشير في الفقرات السابقة إلى موضوع توصيف النظام، فإن الصدق والأمانة في توصيف النظام على سبيل المثال تعكس مصداقية المعارضة، ولا يختلف الأمر فيما يتعلق بالفقرات البرنامجية التي سبق وأشرت اليها والتي بصيغها الحالية تعوز لبعض المصداقية المتمثلة بالشعاراتية حينا وضعف الثقافة الديمقراطية حينا آخر، وأهمها غياب قضية الإنسان والتناقض الرئيسي.
التغيير على المستوى النظري الفلسفي هو التغيير النوعي الحاصل بفضل تراكم كمي في جانب القوى الساعية للتغيير تقلب فيه ميزان القوى لصالحها كما يحصل في الثورات. إعلان دمشق يرى التغيير عبر طريق تدريجي غير إنقلابي ومثل هذا التغيير التدرجي يتطلب إستعدادا من النظام نفسه للمشاركة أو السماح به فهل هذا من قبيل المعقول؟ هل يمكن تصور أحد من رجالات النظام وقد استفاق ضميره وحسه الانساني والوطني ليعلن من داخل سوريا أنه يدعو مثلا إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين؟. وأنا أعلن هنا أني لست من أنصار الطريق الإنقلابي للتغيير، لو كان هناك أية فرصة لإنجاز التغيير التدرجي، لكني أعتقد أن النظام لم ولن يدع مجالا لأي تغيير وسيحاول حتى النهاية وبكل الوسائل التي لديه للحؤول دون نضوج أية شروط موضوعية للتغيير وسيستمر بشكل أساسي بهدم كل ما هو إنساني في الكائن البشري السوري وسيستمر بإفساده والحط من شأنه ما إستطاع إلى ذلك من سبيل، حتى يضمن إستمراره.
هنا بالضبط تكمن المسألة المفصلية. إنه الإنسان السوري، الذي حوله تدور أو يجب أن تدور المعركة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن النظام، قد قام بعملية الترويض والإخضاع للإنسان السوري بطريقة خبيثة ومدروسة وهي طريقة الخطوة – خطوة. كان يدفع الإنسان لتنازلات بشكل متدرج وبحيث يكون القبول بها أقل مرارة من عواقب رفضها، وما إن كان النظام يحصل على تلك التنازلات، حتى كان يطلب المزيد ويلوح بالعواقب في حال عدم القبول، وصولا إلى الترويض أو الإخضاع وبحيث لا يدرك الإنسان المآل الذي يؤول إليه، إلا عندما يجد نفسه في “القفص”.
وعندما يجد الإنسان نفسه في القفص إما أن يقنع نفسه أنه دخل القفص بذكائه وحنكته أولا ليحتل المواقع “الإستراتيجية” داخله كأحزاب ما يسمى بالجبهة الوطنية التقدمية، أو يقوم بعملية تمرد وإشتباك محدود وبدون الإتفاق مع الآخرين داخل القفص ينتج عنها حملة إنتفام وتشفي من الجميع “أحداث نهاية السبعينات والثمانينات” أو يستكين لهذا القدر الظالم بالقول “حط راسك بين الروس وقل يا قطاع الروس” وهو حال الغالبية الساحقة، أو يفكر بأنجع الوسائل للتحرر من القفص، كما نحاول أن نفعل في المعارضة اليوم.
هذا القفص عزيزي القارئ هو النظام لا غير. ولا يمكن التحرر منه إلا بتحطيمه ولا يمكن تحطيمه إلا بالإتفاق بين ضحاياه على الوحدة لتحطيمه.
وكما تدرج النظام في إخضاع الإنسان السوري، فإن المعارضة مدعوة لأن تكون على الإستعداد لخوض نضال طويل في عملية إعادة تأهيل تدرجية لهذا الإنسان “وهنا فقط يمكن الكلام عن التدرج” ليكون تلك الخلية الحية في المجتمع.
يبدأ ذلك في السعي عبر الوثائق والأدبيات والبرامج الى إعادة الإعتبار لقيم الحرية والكرامة الإنسانية والتآخي والمساواة والشجاعة والنبالة والعدالة والتضامن ….الخ، أي بإختصار للقيم الإنسانية، لأن الإنسان المؤمن حقا بهذه القيم لا بد وأن يكون معارضا.
وبالمقابل لا بد من رفض العنصرية والتعصب العرقي والديني والمذهبي لأن ذلك لم ولن يكن إلا في مصلحة النظام والآخرين من أعداء الشعوب. أذكر هنا وأشدد على أمور قد تبدو في غاية البديهية وأنا لا أرى غير ذلك، إلا أنني أشعر بالحاجة الماسة لأن يجري تكرار ذلك، كلما سمعت بأخبار القمع أو العنف والإرهاب، وكلما سمعت الخطابات المدوية للوحوش البشرية المأجورة، سواء من أتباع الإستبداد والعبودية أو أتباع العنصرية الدينية والمذهبية والإرهاب وما أكثرهم، والذين يشتركون جميعا في كونهم أعداء للإنسانية والإنسان.
معركة التغيير الديمقراطي هي وبدون أي مبالغة معركة وجود يستطيع التصدي لها فقط إنسان حر يتبنى حقا القيم الإنسانية، وليس مجرد كائن بشري مسلوب أو مشوه الفكر والإرادة. وإن سعى للتغيير من لا يتحلى بقيم الإنسانية أولا، فلن يكن مبتغاه التغيير الديمقراطي حتما.
هذه النتيجة تشير بنظري إلى القوى المؤهلة لحمل راية التغيير الديمقراطي الحقيقي حتى النهاية.
لا أريد هنا أن أنكر حق أي طرف في أن يكون طرفا في النضال من أجل التغيير، إلا اني أعتقد أن القوى التي خاضت في تاريخها أعمالا لا تتفق والقيم الإنسانية كالقمع أو العنف والإرهاب أو مجرد الوقوف مع النظام، لا تستطيع أن تقدم نفسها كقوى مخلصة للتغيير الديمقراطي، دون أن تدين تلك الحقبات من تاريخها وتقدم الإعتذار للشعب السوري. هي يجب أن تكون معنية بإثبات إنتقالها، إن هي أرادت فعلا أن تنتقل إلى موقع الإنسان وضد أعدائه. وفيما عدا ذلك لايمكن لنا أن نعتبرها بعد الآن حليفا في النضال من أجل التغيير، حتى لو إقتنعنا انها تريد تغييرا ما، لأن هذا التغيير ليس هو التغيير الديمقراطي الحقيقي الذي ننشده.
وإذا كنت فيما سبق ذكره قد تناولت مسألة أداة التغيير، فلا بد لي أن أشير إلى أن إعلان دمشق بواقعه الراهن، وبدون أن يجري فيه تطور نوعي على الصعيد الفكري والبرنامجي، لا يستطيع أن يبقى حاملا لراية التغيير. أنا آخر من يفكر أو يدعو إلى هدم أي صرح يحمل كمونا نضاليا يمكن الإستفادة منه في تحقيق الهدف، إلى النقطة التي يظهر فيها أنه لم يعد يتضمن أي كمون. وفي هذا الإطار أدعو لتشكيل “بلاتفورم” جديد ضمن وخارج الإعلان وليس نقيضا له، يسعى إلى تحقيق هذا التطوير النوعي سابق الذكر. التطوير الذي أنشده في الإعلان هو الذي يجعله قبلة لكل إنسان سوري كائنا من كان وبدون تحفظ.
يبقى هناك سؤال. هل من أنصار وحلفاء محتملين لقضية الإنسان والشعب السوريين في هذه المعركة خارج سوريا؟ وهل بإمكاننا كمعارضة أن نحلم بدعم ما من الخارج.
لا أستطيع وأنا أطرح هذا السؤال إلا أن أشعر ببعض المرارة، كوني أعرف الجواب، وأرى في نفس الوقت كيف تقوم الدنيا ولا تقعد في وسائل الإعلام، عندما يتعلق الآمر بمنشق صيني أو كوبي على سبيل المثال، قد لا يكون أكثر من عميل مأجور لل سي آي اي أو غيرها من أجهزة الإستخبارات، بإعتباره ضحية إنتهاك لحقوق الإنسان ولا نسمع على الإطلاق شيئا عن سحق شعب كامل كالشعب السوري وعن سجن بأبعاد الوطن لهذا الشعب.
لا توجد بكل أسف دول، لا في الشرق ولا في الغرب على صعيد الحكومات، تقف إلى جانب الشعب السوري وذلك لسببين لا ثالث لهما وهو إما أن هذه الحكومات لم تسمع قط صوت الإنسان السوري وهو يستغيث طالبا النجدة وإما لأنها شريكة بشكل أو آخر مع النظام وترى مصلحتها معه، وهي بالتالي لا تريد أن ترى وتسمع معاناة ذلك الكائن التعيس.
لن أردد هنا المقولات الشعاراتية عن تمسكنا بالتغيير دون الإستقواء بالخارج، لأنها أكثر من سخيفة وديماغوجية وتحاول أن تخلق إنطباعا مزيفا لدى المتلقي وكأن جحافل الجيوش الأجنبية تقف على أهبة الإستعداد كي نعطيها الإشارة لإجتياح البلد وإسقاط النظام. والحقيقة التي يجب ألا تغيب عن بال المعارضة، هي أن النظام لا يزال قائما ليس بسبب المشروعية التي يحظى بها في الداخل، بل لأنه جزء لا يتجزأ من اللعبة الإقليمية والنظام العربي والإرادة الدولية ولا يزال له دور لم ينته.
ومع ذلك فيجب القول بان هذا الواقع، المتمثل في الوقت الراهن بكون قضية الشعب السوري، ليس لها حلفاء في الخارج، لا يعني بالتأكيد بأنه سيكون واقعا مستمرا في المستقبل، وانما سيكون الأمر مرهونا بأداء هذا الشعب في النضال لإستعادة حريته. وعندما يبدأ ميزان القوى في هذا الصراع يميل لصالح الشعب ضد مضطهديه، فسوف تنقلب الأمور بسرعة وستتسارع هذه الدول بما فيها تلك، التي تؤمن أكبر حماية للنظام بالتخلي عنه وإظهار تأييدها للتغيير وسيتحول مسعاها الى محاولة التدخل والتأثير فيه بحيث لا تتضرر مصالحها كثيرا.
أما فيما يتعلق بالحلفاء، فإن الحليف الطبيعي لنا هو الشعوب ومؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان وجميع القوى والحركات السياسية الإنسانية التحررية، وعلينا أن نقوم بعقد الصلات معها ونوصل لها صوت ومعاناة شعبنا وندعوها للقيام بالضغط على حكوماتها . ولا يعني هذا بالطبع أن لا نحاول إيصال صوتنا كلما استطعنا إلى ذلك سبيلا، إلى أي من المحافل الإقليمية والدولية الأخرى.
في ختام هذا الجزء الذي أسميته بالبعد السوري، أود أن أشير إلى أننا بصدد معركة طويلة مع النظام، سيضطر الإنسان السوري أن يقدم فيها ثمنا لحريته لن يكون بالثمن الزهيد، وهذا ما يجب أن تشير المعارضة بصدق إليه، كما يجب أن تشير الى أن دفع هذا الثمن، هو واجب كل إنسان تجاه نفسه وتجاه أبنائه. وأنا أعتقد أني من خلال هذا البحث، سعيت لرسم معالم معارضة مؤهلة بحكمتها ودرايتها من جهة وصدقها وإخلاصها من جهة ثانية كي لا يكون هناك هدر للجهود ولا يكون بالتالي ثمن الحرية أكثر من الحد الأدنى الضروري.
*ملاحظة: الموضوع تمت كتابته نهاية العام الفائت قبل الأحداث العاصفة في تونس ومصر ولذلك لا توجد هنا إشارة لها.