ملاحظات حول مواقع النت السورية
غسان المفلح
الوعي السياسي للفعل المعارض في بلدان تعيش في ظل أنظمة استثنائية، يبقى هاجسه أولا في كيفية ايصال صوته للناس، وثانيا الحفاظ على الذات الفاعلة سياسيا من الاعتقال لكي تستمر، في إنتاج الوعي، والعمل من أجل استمرار الصوت المعارض نابضا ويصل للمجتمع. في السابق كان شح الإمكانيات وعلى كافة الصعد، أي قبل ظهور الانترنت، كانت طباعة الجريدة الحزبية المعارضة تكلف غاليا، وهي أيضا تطبع في ظل ظروف قمعية، واحيانا بوسائل تقنية بدائية، ثم يأتي التوزيع، كيفيته وآلياته وعواقبه، إذ نادرا ما كان يوزع عدد من جريدة معارضة في سورية، حتى يكون هنالك اعتقال لشخص أو شن حملة أمنية.
في كل هذه الظروف كان مبررا آنذاك أن تكون المواضيع قليلة وذات نهج حزبي واضح. حيث لا تجد فيها رأيا واحدا معارضا بالمعنى الحزبي، أي من حزب آخر، أو حتى من نفس الحزب، وكان السياق العالمي آنذاك ومركزيته الديمقراطية يقتضيان ذلك. كلها ظروف تجعل رحابة صدر الجريدة يضيق إلى أبعد حد حزبيا، وهذا ربما حق من وجهة نظر الوضع العياني وظروف العمل الحزبي آنذاك.
أما الآن وبعد انتشار النت ودخوله إلى عوالم الفعل السياسي واحتياجاته، ومراميه وأهدافه، صار الوسيلة الأكثر رواجا للترويج لأي خط سياسي، والنت اهم سمة فيها هي تفاعليتها، أي هي الوسط التفاعلي بين البشر الآن، وأكثر من أي وقت مضى، وهذا التواصل التفاعلي يمكن توظيفه بأمور شتى، أحيانا سيئة وأحيانا جيدة وتتراوح بين بين..
أما توظيفها السياسي في بلد كسورية فقد صار لكل حزب أو تجمع سياسي أو حقوقي غير مرخص من قبل الدولة، موقع أنترنت، إضافة إلى وجود مواقع شخصية اقصد بناء على مجهودات شخصية، بات لها الحضور المتميز في الساحة الانترنيتية السورية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، موقع ‘صفحات سورية’ الذي يشرف عليه الشاعر السوري المقيم في هلسنكي الصديق حسين الشيخ، وموقع ‘باخرة الكورد’ للكوردي السوري أنور دقوري وموقع ‘كلنا شركاء’ لصاحبه أيمن عبد النور إضافة لموقع ‘أخبار الشرق’ الذي يشرف عليه كادر إعلامي في الإخوان المسلمين السوريين الصديق عبيدة نحاس، مع أن هذه المواقع وغيرها محجوبة في سورية إلا أن الناس هنالك تحاول دوما فتحها بطرقهم الخاصة، وهذه المواقع اللاحزبية تحاول أن تنشر لكل ما هو سوري، أو ما يكتب عن سورية، مع أن موقع باخرة الكورد كأشهر موقع كوردي سوري كما أعتقد، نادرا ما ينشر من تلقاء نفسه لكتاب عرب سوريين! حتى لو كان الموضوع عن سورية!
هذه العينة من المواقع اللاحزبية تشير إلى توفر وعي ديمقراطي نسبي لدى المشرفين عليها..ومع ذلك يبقى للأمر محاذيره لأن المعيار هنا فردي محض، بينما لننتقل لمواقع تعتبر نفسها حزبية ومنها أشهر ثلاثة مواقع موقع ‘إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في سورية’، وموقع ‘الرأي’ لحزب الشعب الديمقراطي في سورية، وموقع ‘سورية الحرة’ الذي يشرف عليه جهاد خدام وأقرب لأن يكون ناطقا باسم جبهة الخلاص.
ما استغربه في الواقع أن هذه المواقع الثلاثة، تفتقر للتنوع السوري في الآراء المنشورة لديها، علما من المفترض أنها مواقع تسعى لأن تكون صوتا لكل الأطياف والآراء السورية المعارضة وحتى غير المعارضة، مع ذلك ما
زلت تجد أن المعيار الحزبي أو الشخصي أحيانا له حضور في الاختيار، تجدهم يختارون مقالات من صحف عربية، لكتاب عرب لا علاقة لها بسورية لا من قريب ولا من بعيد، وكأنها مواقع شخصية، مثال كأن يختار موقع إعلان دمشق مقالات لكاتب مصري يهاجم فيها النظام المصري، ويترك مقالات لكتاب سوريين دون أن ينشرها، بينما مواقع المعارضة المصرية نادرا جدا ما تنشر لكاتب سوري يتحدث عن سورية! أزعم أن موقعا يريد أن يكون ناطقا باسم السوريين عليه أن يفرد المساحة الأساسية لكل ما ينشر عن سورية بغثه وسمينه سواء معارض أو موالي. المشرفون المفوضون على هذه المواقع ليسوا معيارا لهذا يصلح وذاك لا يصلح، الناس في سورية والقراء هم من يقررون!!
كيف سنزرع في وعي القراء أننا ديمقراطيون؟
علما أن هذه القضية ستجعل المواقع هذه أكثر قراءة، ماذا يعني تجميع مواضيع من الصحف؟
أليس من أجل محصلة يومية توضع امام القارئ السوري وعن سورية بالذات أولا؟
مثال’ يفرد موقع إعلان دمشق رابطا خاصا وفي واجهته، عن كل ما كتبه كتاب عرب وغير عرب عن موقع ويكليكس!! وربما لا يوجد في هذه المقالات سوى مقال واحد أو أثنين يتعرض لسورية…أصلا لم تنشر في ويكليكس ربما سوى وثيقة واحدة تخص الوضع السوري..فإذا كان ضيق المساحة حزبيا كموقع حزب الشعب، فأقله موقع إعلان دمشق وموقع سورية الحرة يجب أن ينشرا كل ما يكتب عن سورية، وأهم سبب في ذلك، ان الموقعين ينطقان باسم تجمعين معارضين فيهما كل الآراء الموجودة عن سورية..!
لماذا نجح موقع ‘الحوار المتمدن’ وتحول لأهم موقع للمعارضات الشرق أوسطية الناطقة بالعربية؟ لأنه ببساطة ينشر كل الآراء حول المواضيع التي تهمه أو التي أحدث من أجلها.. لماذا لا تنشر مقالات لكتاب مثل عماد فوزي شعيبي أو نضال نعيسة عندما يكتبون مواضيع عن سورية؟ مواضيع حتى لو تضمنت مدحا للنظام السياسي فما المشكلة في ذلك؟ هذان التجمعان ليسا حزبا، على طريقة حزب الشعب أو خلافه من الأحزاب الحريصة على مقالات وآراء تخص نهجها الحزبي بوصفه نهجا آحاديا، هذه طبيعة الأمور ومفهومة أيضا ومفسرة رغم أنه أحيانا لم تعد مبررة في هذا الزمن. إن التفاعل لا يكون ضمن الرأي الواحد ولكن يتم بين آراء متعددة ومتعارضة، وهذا ما أزعم أن شبكة النت سمحت به، فلماذا نختصرها نحن على هوانا الفردي أو الحزبي، وعلى طريقة المثل الشعبي القائل’الذي ما له هوى ليس له دين’؟
أتمنى أن يتسع صدركم جميعا لهذه ‘الحركشة’.