لماذا يستبعد وصول الديمقراطية العربية إلى سورية الآن؟!
سورية أبدت اهتمامها بالرأي العام العالمي عبر تخفيف مظاهر القمع المحلي، على عكس مصر التي حرصت على احترام الحساسيات المحلية لحليفتها الأميركية، فاختارت محاربة المحتجين الديمقراطيين في «ميدان التحرير» من خلال دس عناصر باللباس المدني بينهم بدل استعمال الجيش المموَّل من دافعي الضرائب الأميركيين.
بينما تتجه جميع أنظار العالم العربي نحو انتفاضة الديمقراطية في مصر بدهشةٍ كبرى، بدأ الناشطون في بلدان مثل الأردن واليمن وسورية بتنظيم الاحتجاجات ضد أنظمتهم الاستبدادية للمطالبة بالإصلاح، فقد دعا الناشطون على صفحات «الفيسبوك»، مثل صفحة «الثورة السورية»، إلى تظاهرة احتجاجية يوم الجمعة، مع التخطيط لإطلاق مسيرات أمام البرلمان في العاصمة دمشق وأمام السفارات السورية في أنحاء العالم. لكن على عكس مصر، وحتى اليمن والأردن، كان مستبعداً أن تنال التظاهرات في سورية أيّ زخم مشابه لما حصل في تلك الدول بشكلٍ يهدد فعلياً نظام الرئيس بشار الأسد. السبب وراء ذلك بسيط: سورية، على خلاف مصر واليمن والأردن، ليست حليفة للولايات المتحدة.
لا يعني ذلك أن النزعة المعادية للولايات المتحدة تشكل قوة تدفع نحو هذه التظاهرات العربية، بل على عكس ذلك، يستهدف السخط الشعبي في مصر الرئيس حسني مبارك مباشرةً، ولم يكد المحتجون يأتون على ذكر الولايات المتحدة وإسرائيل، غير أن التحالف مع الولايات المتحدة يضع مبارك أمام مجموعة من الأعباء التي لا تواجهها الحكومة السورية.
قبل كل شيء، لا تعتمد سورية على مساعدات بقيمة مليارات الدولارات الأميركية كما تفعل مصر والأردن، فكل ما يحصل عليه نظام الأسد من الحكومة الأميركية هو العقوبات، إلى جانب مساعدات دولية ضئيلة، علماً أن سورية تشكل بلداً معزولاً منذ سنوات بسبب دعمها لمختلف الجماعات المسلحة في المنطقة. كما أن العملة السورية ليست متداولة في الأسواق الدولية، ويُعتبر النظام المصرفي مغلقاً جداً وسوق البورصة السورية ضعيفة، ويكدس البنك المركزي السوري العملات الصعبة منذ سنوات لمثل هذه الظروف، ولا تضم دمشق أحياء فقيرة واسعة تصل إلى مستويات الفقر الإفريقي كما هو الوضع في القاهرة.
يعني ذلك أن سورية أبدت اهتمامها بالرأي العام العالمي عبر تخفيف مظاهر القمع المحلي، على عكس مصر التي حرصت على احترام الحساسيات المحلية لحليفتها الأميركية، فاختارت محاربة المحتجين الديمقراطيين في «ميدان التحرير» من خلال دس عناصر باللباس المدني بينهم بدل استعمال الجيش المموَّل من دافعي الضرائب الأميركيين. كما أن معارضة «أجندة الديمقراطية» التي وضعتها إدارة بوش ساعدت النظام السوري. صحيح أن عدداً كبيراً من السوريين يشعرون بالاستياء من التزوير الفاضح لنتائج الانتخابات في بلادهم، غير أن معظمهم يفضلون الاستقرار على الطريقة السورية بدل الديمقراطية المُصاحبة للفوضى، كما حصل في دولة العراق المجاورة بعد الغزو الأميركي.
لدى سورية أيضاً بعض الأوراق الاستراتيجية المفيدة، وتحديداً دعمها لمقاتلي حركة حماس الفلسطينية ومقاتلي «حزب الله» اللبناني، ما يخوّلها استغلال هذه الأوراق عند الحاجة لتحويل الانتباه عن الاستياء المحلي، ولا ننسى واقع أن البلد لايزال رسمياً في حالة حرب مع إسرائيل التي تحتل الأراضي السورية في هضاب الجولان. يشكل ذلك الصراع الأساس الذي تعتمد عليه دمشق لمتابعة تطبيق قوانين حالة الطوارئ.
لكن سرعان ما ستتلاشى إيجابيات الأنظمة الاستبدادية المُعادية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، في المستقبل القريب، ولاسيما إذا أبدت إدارة أوباما دعمها الكامل لنشر الديمقراطية في مصر، وحثت على فرض تغييرات مماثلة في الأنظمة الاستبدادية الأخرى التي تدعمها الولايات المتحدة في العالم العربي. صحيح أن مشاكل سورية الاقتصادية تبقى أقل حدة مما هي عليه في مصر، لكن تضم سورية بدورها عدداً كبيراً من الشباب الذي يريد فرصة أكبر من الفرص التي يقدّمها اقتصاد سورية المغلق. في حال بدأ الشرق الأوسط يشهد قيام حكومات مُنتخبة تلبّي طموحات شعوبها، فلا يمكن أن تكتفي سورية بوضعٍ أفضل من العراق ببساطة.