هل تكون سورية هي التالية؟
د. رضوان زيادة
عندما بدأت المنظمة النقابية البولندية “تضامن” في كانون الأول/ديسمبر 1988 في تنظيم الاحتجاجات السلمية بهدف إجبار الحزب الشيوعي الحاكم حينها على احترام حقوق الإنسان وفتح المجال للحريات السياسية وعلى رأسها حق التعبير والتجمع حتى استطاعت المنظمة وعلى رأسها ليش فاليسا على إجبار الحزب الحاكم على الاعتراف بها في شباط/فبراير 1989.
كان تشاوشيسكو في رومانيا يقول باستمرار إن بلده رومانيا لن يتأثر بموجة الاحتجاجات تلك، فبولندا وتشيكوسلوفاكيا مختلفتان تماماً عن رومانيا، فبولندا كاثوليكية أما رومانيا فكنيستها أرثوذكسية، وكان البابا حينها يوحنا بولس الثاني يضغط بقوة من أجل حرية التدين في بلده بولندا الذي حظي بتركيز كبير أكثر من غيرها من دول أوروبا الشرقية، كما كان يزيد أن رومانيا هي البلد الوحيد التي ليس فيها قوات سوفيتية من دول الكتلة الاشتراكية، فضلاً عن أنه كان يغتر دائماً بقدرة الأجهزة الاستخبارية الرومانية وقمعها العنيف لأي بوادر انشقاق أو معارضة.
صحيح أن التحول تأخر حتى وصل إلى رومانيا حتى ديسمبر 1989 لكنه أتى في النهاية على شكل “ثورة” كما يحب الرومانيون تسميتها وأتى أكثر دموية انتهى بإعدام تشاوشيسكو وزوجته.
هذه تماماً حال سورية وليبيا، فالرئيس السوري قال في حوار له مع صحيفة الوول ستريت جورنال إنه بمنأى عن الاضطرابات التي حدثت في تونس ومصر والجزائر واليمن، بسبب موقفه المعادي للولايات المتحدة والصراع مع إسرائيل، وهكذا فهو يردد الخطأ نفسه الذي ردده تشاوشيسكو من قبل، فصحيح أن قمع الأجهزة الأمنية السورية هو الأشد مقارنة بمصر أو الجزائر أو اليمن، لكن ذلك يعد عاملاً محرضاً إضافياً. إن الاضطرابات والاحتجاجات في حال حصولها في سورية ستكون أكثر دموية وعنفاً بسبب القمع الأشد.
نسبة البطالة لا تختلف في سورية عما هي عليه في مصر، بل إن مصر حققت نسب نمو من 7 – 8 % خلال السنوات الخمس الماضية، في حين حققت سورية نسب نمو لا تتجاوز 4 % في السنة الماضية وكان متواضعاً جداً أو سالباً في السنوات العشر الماضية، كما أن تحالف سورية مع حزب الله وإيران زاد حنق الشارع السوري أكثر مما طمأنه، فالسوريون يتطلعون غرباً دوماً كما يقول المثل الشهير، وأتى قمع النظام الإيراني للاحتجاجات عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة لتظهر حقيقة “الحليف” الإيراني فيما يتعلق باحترامه لحقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية.
فسورية إذاً حالة مثالية للثورة حيث اجتمع فيها الفشل السياسي مع إخفاق اقتصادي، وفوق ذلك قصص الفساد التي يتداولها السوريون بشأن رامي مخلوف (ماطري سورية) وغيره من رجال الأعمال محدثي النعمة والذين اعتمدوا بشكل رئيس على التحالف مع الأجهزة الأمنية من أجل بناء ثرواتهم التي تظهر حجم الهوة بين طبقة تزداد ثراءً ومجتمع يزداد فقراً ، فهناك 30 % من السوريين تحت خط الفقر وفق الاحصاءات الرسمية، مما يجعل العوامل المؤهبة للغضب في سورية شبيهة تماماً بما جرى في تونس.
ما يؤخر ذلك في سورية هو الخوف بشكل رئيسي ، خوف من قمع الأجهزة الأمنية التي تتباهي أنها لا تتردد في استخدام العنف ضد المتظاهرين وتحفيز ذاكرة الخوف التي ترسخت لدى السوريين بعد أحداث الثامانينات التي خلفت أكثر من 30 ألف قتيل وما يزيد عن 125 ألف معتقل سياسي و17 ألف مفقود لا يعرف ذووهم مصيرهم إلى الآن، فضلاً عن سير التعذيب التي أصبح السوريون يتداولونها باستمرار مما شكل رادعاً نفسياً يلجم أي تحرك مطلبي أو سياسي.
لكن، أعتقد ان كرة الثلج بدأت في تونس وكرت في مصر وغيرها من الدول العربية وأن وصولها إلى سورية هي مجرد مسألة وقت ، ربما تتأخر لكنها ستصل في النهاية.
د. رضوان زيادة: باحث سوري زائر في معهد دراسات الشرق الأوسط، بكلية إليوت للشؤون الدولية – جامعة جورج واشنطن الأمريكية