هوامش سريعة على ” أسئلة موقع بنكة حول الثورة في مصر وتونس وموقف النظام منها ودور المعارضة السورية “”
الأخ حاجي سليمان المحترم
الأخوة في إدارة الموقع المحترمون
تحية طيبة
نشكر جهودكم الكبيرة في مواكبة الأحداث ومعايشة مايجري من تطورات بفتح حوار بين القوى الوطنية السورية الأمر الذي يساهم بشكل كبير في تفاعل الآراء حول القضايا الأساسية التي تجري في العالم العربي وانعكاسها المباشر على الشعب السوري الذي يخوض معركة مستمرة مع الديكتاتورية والفساد منذ عقود.؟؟
إن ماحدث في تونس ومصر يمثل ثورة شعبية حقيقية جديدة تحدث لأول مرة في التاريخ العربي الحديث, قوتها الأساسية هي الشعب الأعزل بصوته وكلمته وكرامته وحريته بموقف شجاع موحد ضد الديكتاتورية والفساد ,محركها هو قلبه الذي يمثله الشباب المهمش ,وبعنوان و شعار واحد جامع هو إسقاط النظام وإقامة الدول المدنية الديمقراطية التعددية, ورغم أن شرارة الثورة في تونس ومصر هي واحدة في المضمون مختلفة في الشكل مثلها الشباب بجرأة جذبت معها كل فصائل المجتمع في جبهة واحدة سلمية سلاحها الإيمان المطلق بعدالة مطالبها وإصرارها على المواجهة السلمية المدنية الحضارية إلى النهاية لنيل حريتها وإسقاط الطغاة وتحرير الوطن من أنظمة حكم بائسة فاسدة فاشلة لصوصية وقفت سدا أمام طموحات الناس في الحرية والحياة الكريمة والتقدم .
وعليه لاشك أن عملية التغيير في العالم العربي الذي تحكمه في معظمه ديكتاتوريات وضيعة لاعمل لها سوى قمع الشعوب ونهب الثروة الوطنية وإشاعة الخوف عبر القمع المروع المتسلسل لعشرات السنين , كان التغيير إلى ماقبل ثورة تونس ومصر أشبه بحلما بعيد المنال , لأن تلك الأنظمة الطاغية استطاعت أن تعمم حالة الخوف والإحباط لدى الكثيرين بعد الإجهاض المتسلسل للحراك المجتمعي المدني والسياسي والفتك المستمربقوى المعارضة السورية التي تتصدى للطغاة في سورية , معروف أن النظام السوري على امتداد مايقرب من نصف قرن مارس كما كبيرا من العنف ضد الشعب السوري كان ذروته وأكثره همجية ولاإنسانية في حماه والقامشلي و تدمر وصيدنايا وفي كل سورية , ضاربا عرض الحائط كل الأعراف والدساتير ومنتهكا لأبسط حقوق الإنسان, طبعا بدعم وتغطية من الخارج على اعتبار أنه نظام ” علماني ,, وسط شعب رجعي ! وعتلة أساسية في الثبات والإستقرار الإقليمي والدولي .
جاءت ثورة تونس ومصر مفاجأة للجميع وخاصة لدى الخارج الداعم والحاضن للنظم الديكتاتورية ومابرح النظام السوري يتعامل مع الشعب على أنه مجموعة من العبيد التي لن تقوم لها قائمة وكل ماتجيده هو التسبيح بظلم النظام وقمعه, جاءت الثورة لتعيد الأمور إلى نصابها التاريخي الفعلي ,ولتبرهن أن إرادة الشعوب أقوى من الجلادين ومن كل جبروتهم وأجهزتهم ,وأظهرتهم بشكل حي ومباشر على حقيقتهم جبناء ,وأن ماكانوا به من هالة هو دعم قوى خارجية وتضليل لخداع الشعوب وتنفيذ سياسات ضد مطالب الشعوب وحقوقهم.
إن النظم الديكتاتورية متشابهة في البنية والوسيلة والهدف والانحطاط , تشترك بصفة أساسية هي قمع الشعوب بكل الوسائل وتجويعها وانتهاك حقوقها وكرامتها الإنسانية واكتساب شرعية “ الجلاد ,, وفرضها بالقوة على الشعب والعبث بمصير البلاد والعباد بدون رقيب أو حسيب, ورغم صلة القرابة الدموية تلك التي تجمع الطغاة ,لكن النظام السوري هو صورة عن النظامين المقبورين إلا أنه يزيد عنهما بثلاثة أوسمة غير أخلاقية , الأولى هي أنه أكثر قمعا ولصوصية وغوغائية ,والثانية هي السير بهدى سياسة المجتمع المغلق ,حيث القضاء على أي هامش من الحرية وإغلاق الأرض والسماء أمام الشعب ,والثالثة هي بنيته الطائفية التي تسيطر على الدولة بكافة مؤسساتها المدنية والعسكرية وتهميش شبه مطلق لكافة مكونات المجتمع السوري.
نأت إلى السؤال الأول / أرى أنه يمكن أن يكون أكثر وضوحا وتعبيرا عن واقع الحال لو كان كالتالي:
كيف سيواجه النظام السوري الشعب في حال حدوث انفجار شعبي مماثل لتونس ومصر؟!
إن النظام السوري كبنية وشكل وممارسة هو فردي ديكتاتوري بامتياز , يتطابق كليا مع النظامين الساقطين في تونس ومصرسلوكا وهدفا ونتيجة , ومنطقه ورد فعله يؤشر أن النظام الديكتاتوري في سورية سوف يتعامل مع الإنتفاضة الشعبية بكل مالديه من تراكم عنف ,واهما بأنه سوف يقمع الشعب ويسكته ويوقف حركة التاريخ, ويستمر في تاريخه سيء الصيت هذا أولا , وعندما يدرك الطغاة في سورية بأنه من المستحيل إبادة شعب بأكمله ومن المستحيلات وقف ثورة شعبية عارمة ,حينها يظهرون على حقيقتهم عراة جبناء أقزام يتوسلون الحماية واللجوء إلى القوى التي غطتهم ودعمتهم , لكن عبثا لأن لكل مصالحه والميزان السياسي يحدده الوضع الجديد ,وحماية مصالحهم تتطلب لفظ الطغاة في تلك اللحظات لأنهم أصبحوا عبئا عليهم وعلى غيرهم هذا ثانيا , يبقى الحل الأخير المؤقت هو الهروب الذليل لكن إلى أين ؟
يؤكد ماسبق أن تصرف النظام السوري خلال ثورة مصر وتونس عبر الخوف والإرتباك حيث تعامل بتجاهل كامل في البداية وكأن ماحدث ليس في دولة عربية وضد نظام عربي أقوى من نظام بشار أسد داخليا وخارجيا وأكثر خبرة ومرونة وأجهزة متعددة ,لكن في معادلة الثورة الشعبية متغيرات جديدة لايدركها الطغاة ,تجعل كل ذلك قيمته العملية مجاورة للصفر, هرب بن علي بعد أقل من شهر وسقط مبارك في اثني عشر يوما ,هكذا هي النهاية الحتمية للديكتاتورية , في سورية رغم بعض الخصوصية البنيوية للنظام ,لكنه أضعف بكثير وأكثر جبنا وغباء وأشد كرها من الشعب ,وعليه سيسقط النظام بأسرع مما يتصور الكثيرون, في تلك الحالة هو أمام خيارين لاثالث لهما ,ولازال لديه هامش من الوقت ليخرج من “المولد بقليل من الحمص ,,أي بالقناعة بتسليم السلطة للشعب والنفاذ بريشه , أو السير على هدى نيرون روما وتشاوشيسكو!. أو أن يشذ عن القاعدة الديكتاتورية بالكامل ويتجاوز أجهزة مخابراته السرية والعلنية وعسكره ومستشاريه الجلادين ونصائحهم إلى سماع صوت الشعب عبر قواه السياسية المعارضة بحثا آمنا عن مخرج سلمي للجميع , النظام في سورية أغبى وأجبن من يتصرف بهذا المستوى من العقلانية والحكمة والحفاظ على مصيره الشخصي قبل الوطني ,وعليه يبقى الخيار الوحيد الذي يسلكه هو الهروب السريع إن تمكن من ذلك !. .
أما السؤال الثاني عن واجب المعارضة الوطنية السورية بكل تجلياتها العربية والكردية والمجتمعية الأخرى , نرى أنها أمام تجربتين طازجتين ملهمتين, فيهما فائدة مباشرة عملية إجرائية سياسية لعمل المعارضة السورية , باختصار أرى أنه من واجب كل فئات المعارضة السورية في الداخل والخارج دراسة عميقة لماحدث في تونس ومصر في الشكل والمحتوى والهدف والسرعة والسير على نفس الطريق وكسر الحواجز المتعددة التي بناها الأستبداد وصورها بحملاته الإعلامية على أنها أشبه بقوانين ثابتة , و أن التغيير لايمكن أن يحدث سوى بدعم الخارج , أوأن أي تغيير سوف يكون على الوصفة العراقية ,وبالتالي القبول بالإستبداد هو أهون الشرين !, ثورة مصر وتونس برهنت عمليا أن التغيير الشعبي الداخلي بالاعتماد الكلي على موازن القوى الداخلية ممكن بل واسرع وأقل كلفة وأكثر نجاحا وضمانا وسلمية من باقي الاحتمالات ,هذا تطور كبير كسر موازين القوى التقليدية الجارحة التي في معظمها يملكها الديكتاتور ولايملكها الشعب , وبرهن أن إرادة الشعب أقوى من الديكتاتور ومن كل جبروته وأجهزته وأعوانه , وثانيا أن الوصفة السحرية لثورتي تونس ومصر هي وحدة الشعار والعنوان وواقعيته وحاجته الشعبية وعصريته ,والترفع عن سجال الشعارات الجزئية التي يستمر على هامش تناقضاتها النظام الديكتاتوري , كان الشعار شعبيا مختصرا جامعا عنوانه إسقاط النظام وبناء الدولة المدنية الديمقراطية ,لذلك كان قويا محركا لكل الشعب وحاسما في لحظات المواجهة المفصلية النهائية .
خاتمة القول أن ثورة تونس ومصر تفرض على المعارضة السورية تجاوز الكثير من برامجها الأحادية التقليدية الإيديولوجية التي أثبتت السنوات الطويلة من المواجهة مع الديكتاتورية عدم كفائتها والوقت لايسمح بالتفاصيل , والاقتداء بروحية وعقلانية وديناميكية وحداثة الثورة التونسية والمصرية حتى بلوغ أهدافها , هذا يفرض على أطراف المعارضة كلها أن تكون في قلب الحدث ومواكبة له , مقدمة ذلك السريعة هو عقد مؤتمر للحوار الوطني يضم كافة فصائل العمل الوطني هدفه توحيد أطرافها في هيكل وطني واحد وبرنامج مختصر واحد والنزول الميداني إلى ساحة المواجهة و التفاعل مع الشعب والعمل على تسريع إشعال شرارة الحرية وكنس النظام الديكتاتوري إلى مكانه المعروف في التاريخ.
وأخيرا إن الحالة التي أفرزتها انتصار ثورتي تونس ومصر تمثل حالة فريدة في التريخ تشحن وجدان الشعب بقوة وتمده بطاقة نفسية لاحدود لها تتجاوز الأطر التقليدية وتبدي اندفاعا هائلا لرمزية الشعب وكمونه التاريخي المحدد في طلب العزة والحرية والكرامة وإصرار لامثيل له على التمسك بشعاراته وعدم التراجع عنها بل تطويرها حسب متطلبات المواجهة مع الديكتاتورية حتى النصر.
د.نصر حسن
خاص – صفحات سورية –