سـائق وجرافة وطريق حل
بدرالدين حسن قربي
تبنت مجموعة فلسطينية تطلق على نفسها كتائب أحرار الجليل/مجموعة عماد مغنية الهجوم الذي نفذه فلسطيني مقاوم في تموز/يوليو الجاري في شارع يافا في القدس بعملية يسجل له فيها براءة اختراع الجرافات المقاومة لكل أشكال التهدئة والمساومة. جرافة يقودها باقصى سرعة يفتح بها طريقاً خاصاً به للحل وقد سدت عليه منافذ الطرق والحلول. ليصدم فيها ماواجهه من سيارات وأهمها الحافلة التي انقلبت وكان مافيها من القتلى والإصابات.
لانريد في هذا المقام إعادة وتكرار ما قاله المحللون والمراقبون المؤيد منهم والمعارض وماتناقلته الأخبار المحلية والعالمية عن العملية النوعية ومبرراتها ونتائجها، لأني أعتقد أن كل جهةٍ لم تدخر وسعاً لتقول ماعندها صواباً أو خطأً، حقاً أو باطلاً، فالعملية في النهاية قد وقعت رضي من رضي أو غضب من غضب، وسيسجلها التاريخ اختراعاً مقاوماً وعملاً نوعياً جريئاً نفذه مقاوم بجرافة عماد مغنية على اعتبار أن السائق والجرافة ينتميان لهذه المجموعة.
وإنما نريد التذكير أن العملية من سائق وجرافة شهدها أهل الأرض أجمعون، ولم تبق فيما نعتقد محطة إعلامية عدوة أو صديقة إلا وقد صورت الحادثة ونقلتها للناس من مشرق الأرض إلى مغربها، وصدرت البيانات والتوضيحات. ولكن مالم يُذكر في مناطق الممانعة والمبازرة أو يتذكره الناس فيها بسبب داء النسيان أن من تسمّت المجموعة باسمه والتي ينتسب إليها السائق والجرافة لم يسأل عنه أو يذكر حكاية مقتله أحد، ولا أين أصبحت نتائج التحقيقات فيها رغم وعود قاطعة، وكأنها باتت منسية أو هكذا أريد لها بعد أن دخلت متاهات العوالم السورية.
لقد قال الناس وتخرصوا بكلام كثير عن حادثة اغتياله مساء الثاني عشر من شباط/فبراير الماضي، تكسوه أيضاً سحب أكثر من الظنون والتوقعات والتحليلات (واللت والعجن) لبعده عن الجهات الرسمية والمسؤولة ذات العلاقة التي لم تصدر مايفيد في هذا الشأن فكان سبباً رئيساً في التخرص والتنبؤ كالعادة.
فكل ماهو معروف ومؤكد فعلاً هو أن السلطات الرسمية السورية وخلال الساعات الأولى لحادثة التفجير المريبة نقلت السيارة المتفجرة وجيرانها من السيارات وآثارهم وتم رفعها من المكان كاملاً، وأن صحافياً واحداً مهما كانت جنسيته لايستطيع أن يزعم أنه صور الحدث ونقله فضائياً من موقعه مباشرة لتسمعه الخلائق أو تراه كما هو في شارع يافا المقدسي، بل إن الخبر تجاهلته وسائل الإعلام الرسمية علماً أن الضحية ليس شخصاً عادياً، وأن شيوع الخبر وإذاعته جاءت من الخارج السوري ابتداءً رغم أن الحدث في عميق عمق العمق السوري والأمني.
وجاء كلام وزير الداخلية السوري بسام عبدالمجيد بعد تجاهل لأكثر من عشرين ساعة تقريباً ليهدئ من روع الناس بأن ماكان ابتداءً هو عمل إرهابي وجبان، ويطمئنهم أن السلطات بدأت التحقيق لتحديد الجهة التي تقف وراء السيارة المفخخة.
ثم وبعد يومين تاليين جاء التصريح القاطع المانع الجامع لوزير الخارجية السوري وليد المعلم أعلن فيه أن أجهزة الأمن السورية ستعلن قريباً وبالدليل القاطع أيضاً عن الجهة التي تقف خلف الجريمة الجبانة في الاغتيال. جاء كلام السيد المعلم بالطبع بعد مباحثات مشتركة مع نظيره الإيراني منوشهر متكي في دمشق جلياً واضحاً واثق الخطوة: أؤكد لكم أن أجهزة الأمن السورية تواصل التحقيق بجريمة اغتيال مغنية، والحفاظ على أمن الوطن والمواطنين. نأمل أن تسمعوا قريباً هذا الجهد الجبار. نحن كدولة سنثبت بالدليل القاطع الجهة التي تقف خلف الجريمة.
مضى على اغتيال مغنية قرابة خمسة شهور قد تكون السلطات السورية أبلغت حلفاءها بالتحقيقات وبالذي كان، وهو أمر مشكوك فيه فيما يبدو ولا دليل عليه، ولاسيما أنها لم تُصدر عبر داخليتها بياناً بعد يسدد خانة فارغة نشأت نتيجة تصريح وزير الداخلية من جهة، كما لم تُصدر عبر خارجيتها أيضاً بياناً ولا شيئاً من هذا سواء بدليل قاطع أو حتى غير قاطع حسبما وعد الوزير المعلم الخلائق من الجهة الأخرى.
السائق والجرافة وطريق الحل عملية نوعية حملت اسم شخصٍ تمّ تصريفه في وسط العاصمة السورية في منطقة أمنية محفوظة بما تستوجب من حراسات مشددة ومراقبات مستمرة على مدار الفيمتو ثانية، وشاهد العالمون خلال ساعات وسمعوا قصة سائق مختلف عن كل السائقين وجرافة مختلفة عن كل الجرافات وطريقة حل مبتكرة عن كل الحلول بطلاها سائق وجرافة. ولكن الذي لم يشاهدوه ويسمعوه بعد هو بيان السلطات السورية ونتائج تحقيقاتها رغم كل الوعود في حينها عن قصة الاغتيال والتصريف وبعد أكثر من خمسة شهور.
سـأله: فعلاً لماذا لم يصدر مثل هذا البيان بعد رغم طول العهد..!!؟؟
أجابه: قد تكون اعتبارات أمنية لأن الأمن في بلادنا أولاً فالرجل مازالت تنفذ باسمه عمليات والأخيرة إحداها، ويخشى أن إذاعة التحقيقات تؤثر عليها أو تعطلها.
سأله ثانية: أليس للدولة العبرية اعتباراتها الأمنية حتى شاهدنا وسمعنا العملية من أولها إلى آخرها.
أجابه ثانية: الاعتبارات الأمنية في الدولة العبرية هي غيرها في الدولة العربية، وكل واحد أدرى باعتباراته وخصوصياته، والأهم أن الدول كما البيوت أسرار، وخير لك أن تترك مالايعنيك يامواطن.
قاله له: يبدو أن أسئلتي ضايقتك …!!
أجابه: بالتأكيد لأ..، ولكن لفّها أحسن لك ولاتكثر (حكي)، لأن قضية مغنية قضية أمن دولة وليست قصة سائق وجرافة.
فقال جليسهم: في دولة الأمن والفساد، وجمهورية القمع والاستبداد قضاياهم كلها أمن دولة ودولتهم جمهورية صمت، فلاتعجبن من وعود قاطعة بلا رصيد، ولا كلام ليل يمحوه نهار، فالكذب ملح أرضهم. ولكن كل العجب كيف هضم حلفاؤهم أن تصرّف هكذا شخصية مهمة بشربة (كازوزة)، ولم يقدم للناس بياناً أو تحقيقاً مهضوماً أو حتى غير مهضوم.
خاص – صفحات سورية