متى الـ ” طوفان في بلادِ البعث “…؟
وهيب أيوب
في الوقت الذي كان فيه نظام بن علي يعيش لحظاته الأخيرة، وكل العالم يتناقل أخبار فرار بن علي، انتقلتُ إلى الفضائية السورية لأستمع كيف يتعاملون مع تلك الأنباء وأحداث الثورة التونسية، فوجدتهم منشغلين بنقل أخبار الطوفانات والفيضانات في استراليا وبعض البلدان الأخرى، ربما أرادوا أن يُظهروا للسوريين بأن هول تلك الطوفانات ومآسيها سوف تنسيهم طوفان البعث وظلمه واستبداده، وفي اليوم التالي بعد تأكيد هروب بن علي وإعلان سقوط رأس النظام، انتظرتُ بدء نشرة الأخبار على الفضائية السورية، على غير عادتي، فقط لأستمع كيف سينقلون الخبر.. بدأتِ النشرة بخبر عن زيارة رئيس وزراء سوريا محمد ناجي العطري لنظيره العراقي، وأخذوا ينقلون الزيارة بكل تفاصيلها والشعارات القومية والوطنية البالية الكاذبة التي اعتدنا عليها من المدح والردح والتطويل في الكلام والنثر الممجوج، حتى مضى من النشرة ربع ساعة بالتمام والكمال، بينما تنقل كل فضائيات العالم في تلك اللحظات، هول السقوط المدوّي لـ بن علي ونظامه، ثم وفي أقل من دقيقة ونصف، أذاعوا انتقال السلطة في تونس، بحيث بيّنوا صورة رئيس الوزراء التونسي وهو يؤدي القسم، دون أي تفاصيل أخرى أو مشاهد مما يجري في الشارع التونسي.
هذه أبسط معاني الاحتقار الذي يمارسه النظام السوري الأشدّ استبداداً ودكتاتوريّة في العالم العربي تجاه هذا الشعب الراضخ للطغيان والاستهانة بكرامته وعقله حتى اللحظة.
ومضت الأيام سريعاً ليتهاوى رأس ديكتاتور فاسد آخر لأكبر دولة عربيّة، حسني مبارك، فيتظاهر النظام السوري بالبهجة والفرح بإعلان سقوط نظام كامب ديفيد، ولا يأتون على ذكر الاستبداد والفساد وبطش قوى الأمن ومخابرات النظام المصري بشعبه، والأعجب ولكن ليس بمستغرب، أن يمنعوا الجماهير السورية من التعبير عن فرحتها وتأييدها للثورة المصريّة، والسبب لا يخفى على أحد…..
وفي حركة التفافيّة من النظام في سوريا لاستباق الأحداث وما قد تجرّه عليه تداعيات سقوط بن علي ومبارك، يعلن عن توزيع معونات – من عطايا ومكرمات الرئيس طبعاً – لـ 415 ألف أسرة سوريّة فقيرة بقيمة 270 مليون دولار، وهو مبلغ يقوم بسرقته يوميّاً أصغر بعض الفاسدين في النظام ، محوّلين الشعب السوري إلى مجرّد متسوّلين على أبواب تلك العصابة التي نهبت أكثر من 150 مليار دولار من قوت وأموال الشعب السوري وحوّلتها لبنوك أجنبيّة، ثمّ يتصدّقون بـ 270 مليون دولار على 415 ألف أسرة.. بهذا المبلغ الزهيد قياساً بحجم النهب الذي يمارسه أركان النظام، يحاولون إقفال أفواه السوريين، يا للكرم الحاتمي …!
أخشى بأن يوصم السوريون بأنهم في أسفل قائمة الشعوب المطالبة بالحريّة ومواجهة الاستبداد والفساد في بلدهم، وأن يضربوا الرقم القياسي في موسوعة “غينس”، كونهم أول الشعوب السائرة في المؤخّرة…! عِلماً بأن الأوضاع في سوريا، السياسية والاقتصادية والاجتماعيّة وحجم الفساد ومدى القهر والظلم والبطش من قبل أجهزة الأمن والمخابرات، وفي ظل قوانين الطوارئ والأحكام العرفية الظالمة التي يتعرّض لها الشعب السوري منذ عقود هي أشدّ وطأة وإيغالاً منه في تونس ومصر، وليس آخرها الحكم على الفتاة الشابة ابنة الـ 19 عاماً طل الملوحي بخمس سنوات سجن بسبب إدلائها ببعض الآراء في مدوّنتها على النِت. في ظلِّ صمتٍ رهيب وجبان يُخيّم على معظم المثقفين السوريين من كتّاب وفنانين وسياسيين، ما زالوا لا يتقنون إلا مسح الجوخ ولعق حذاء الحاكم والتغنّي بمزاياه وبمواقفه القوميّة وممانعته العتيدة…!
وسيرى العالم يوماً، إذا ما أفاق السوريون من سباتهم وسكوتهم المُستهجن، أن ما تمّ الكشف عنه من قمع وفساد وتخريب لدى النظامين الساقطين التونسي والمصري، أنّها مُجرّد أفلام كرتونيّة مقارنةً بما هو قائم في سوريا، وما يتعرّض له السوريون من إذلال لا يماثله إذلال. استوحيتُ عنوان المقال “طوفان في بلاد البعث” من الراحل المخرج عمر أميرالاي، وكنّا في الجولان المحتل وفي مركز “فاتح المدرّس للفنون والثقافة” قد أقمنا في العام 2006 ما سُمّي “تظاهرة الفيلم السوري في الجولان” عرضنا فيه أفلاماً للمخرجين أسامة محمد والراحل أميرالاي، منها فيلم “طوفان في بلاد البعث” إضافة لحوارٍ مباشر عبر الهاتف مع المخرجين على مسمع الحضور في قاعة المركز.
وقد وجّهتُ سؤالاً للمخرجين، في معرض النقاش معهما، هذا نصّه:
وهيب أيوب: الأخ عمر أميرالاي، في أحد أفلامك تتحدّث عن التشققات والتصدعات في السدود في سوريا. وسؤالي لكما: هل هنالك أمل في الأفق القريب بانهيار تلك السدود؟
الجواب :
الجواب /عمر اميرالاي: “السؤال طبعاً فيه مجاز وفيه ذكاء لا شك، وهو من وحي المجاز الموجود في الفيلم كما أظن. ما حاولت تلخيصه في الفيلم عبر الترميز، أو بشكل أدق عبر المجاز أو الاستعارة، أن الموضوع ليس انهيار السدود، وإنما كيف يهيئ نظام استبدادي السرير لبديل استبدادي آخر. وهذا ما أردت قوله في فيلم الطوفان. السؤال هو هل أننا محكومون بأن تتوالى علينا إلى الأبد أنظمة الاستبداد، جيلاً بعد جيل، كي لا ننعم يوماً بلحظة حرية حقيقية خارج هذا الاستبداد الذي هو من صنع هذه المنطقة كما نعلم، ويبدو أنه يستهويها لآخر عمرها؟ الحلّ في رأيي ليس بسقوط السدّ الحالي، لأنّ خلف هذا السدّ تراكما هائلا من الكبت والحرمان والغضب ورفضا للفساد ولانعدام الأخلاق والكذب والشعارات، الخ. فهذه المياه التي يزداد ضغطها على هذا السدّ لا أحد يستطيع، سواء أنا أو أنت أو أي شخص آخر، أن يتصوّر إلى أي منقلب أو جحيم أو جنون سيأخذنا إليه انفجارها في حال وقوعه. هذا هو السؤال المرعب والمخيف الذي ألمحت إليه في الفيلم، والذي أحاول أن أغتاله كل يوم في مخيلتي لأنه مرعب بالفعل.”
فلتكن إجابة الراحل أميرالاي عام 2006 هي خاتمة هذا المقال في العام 2011
الجولان المحتل / مجدل شمس
خاص – صفحات سورية –