قراءة في ثورات الشارع العربي
عماد عزوز
حتى تاريخ بدئ قيام الثورات الحالية في العالم العربي كان المشهد شبه مأساوي ليس بسبب القمع المعمم والفقر الذي عانى منه هذا المجتمع فحسب وإنما لأن اللوحة كان عنوانها وبالخط العريض الجزر السياسي وسط قمع معمم من السلطات الحاكمة وصعود واضح لتيار ديني كان جزء منه سلفيا يمتلك أدوات قمعه الخاصة أيضا.
وحتى تاريخ البدء هذا استندت مجتمعاتنا العربية على جملة من الأسس بدت وكأنها عوامل مهمة في تراجع وتخلف هذه المجتمعات قياسا بمجتمعات العالم الأخرى. تأتي في مقدمة هذه الأسس قوة تأثير مايسمى النص المغلق والثابت والذي يمكن تسميته الإيديولوجيا بكل تسمياتها الدينية والقومية والماركسية …..الخ هذا النص الثابت ارتبط بالعموم بأشخاص ثبتوا في مواقعهم, أشخاص يمتلكون كاريزما قوية في التأثير لنقل ورسوخ هكذا نصوص في المجتمع.
النص الديني لايستطيع الخروج أو تعديل القرآن الذي هو أساس كل مرجعية قضائية أو تشريعية , سياسية أو إجتماعية أو اقتصادية…الخ. ولايستطيع الخروج عن أقوال النبي محمد ومن ثم الصحابة وفيما بعد الأئمة والخلفاء. وبعكس ماقامت به المجتمعات الأوروبية بتحولها إلى مجتمعات علمانية بعد السيطرة القوية للدين المسيحي فيها وبعكس أيضا بعض المجتمعات الإسلامية كتركيا وإندونوسيا مثلا التي شكلت حالة وسيطة بين المجتمع العلماني والديني, بعكس هذه المجتمعات بدت مجتمعاتنا تسير باتجاه ترسيخ هذا النص وفي حالات عديدة شكل هذا النص تربة صالحة لتيارات سلفية كالقاعدة مثلا للإنطلاق في سياساتها المعروفة للجميع.ويعتبر النص الديني من أكثر النصوص المرجعية التي تحكم آلية تطور مجتمعاتنا العربية والتي يصعب تغييرها أو تطويرها أو حسب قول محمج عابد الجابري أنها نصوص تثبيتية.
النص الماركسي العربي أراد وعلى طول الخط إحياء ماركس, إنجلز ولينين وماقالوه واعتبار هذه النص هو المرجعية لإعادة بناء المجتمع, هذا النص عمل في أحسن حالاته في منطقتنا على محاولات أسماها إعادة إنتاج الماركسية وذلك في وقت كانت مجتعات اوروبية بأكملها تبتعد عن هذه النصوص الجامدة دون أن يشكل ذلك إهانة لماركس أو لينين نفسيهما أو حتى الإنتقاص من قيمتهما كمبدعين وفلاسفة. الإبتعاد عن هذا النص الماركسي في أوروبا ومناطق أخرى من العالم لم يكن رفضا تاما لهذا النص وإنما فهما جديدا يقوم على إعتباره تاريخا وتجربة وليس مرجعية, وذلك بعكس الماركسيين العرب الذين لايزالوا يروه مرجعية تقليدية.
النص القومي ارتكز أساسا على أشخاص لعبو دورا قوميا بارزا كعبد الناصر مثلا رغم القمع الذي مارسه داخل مصر, وكالبعث السوري والعراقي والذي يعرف الجميع ماآلت إليه الأمور في هذين البلدين. عاشت هذه التيارات القومية على أمجاد الماضي وتخليده كتعويض على سوء الأمور ككل.
أهم فرز قامت به هده المظاهرات هو رفض الصراع القائم على صراع الإيديولوجيات المتمثلة بأحزاب ومعارضات شاخت وضعف دورها, كذلك رفض الصراع الذي يقوده أشخاص قادة في الحكم أو في المعارضة لايستطيعوا التخلي عن هذه المناصب وإن تخلوا عنها فإن ذلك يكون بدافع الموت أو المرض, وإن كان الفرق واضحا بين الحاكم والمعارض إلا أن صفة عدم التخلي عن المنصب هي تكاد تكون قاسما مشتركا, لنلاحط مثلا خالد بكداش الذي بقي أمينا عاما للحزب الشيوعي السوري حتى وفاته ومن ثم أصبحت زوجته أمينا عاما كذلك ورث وليد جنبلاط وسعد الحريري زعامة الحزب عن والديهما. وهناك العشرات من الأمثلة عن تكلس القادة.
بهذا المعنى تحمل هذه المطاهرات رفضا ضمنيا للقديم في العديد من أشكاله وربما هذا مايفسر ضعف مشاركة الأحزاب المعارضة فيها, رفضا يطرح في طياته العديد من التساؤلات والإحتمالات أيضا.
وإن كانت رسالة الرفض قد وصلت مقرونة بالتغيير أيضا فإن السؤال المطروح هو مهم بقدر أهمية التغيير نفسه, السؤال المتعلق بمآل وصيرورة التغيير هذا. هل هي البداية إلى تأسيس مجتمع مدني على نمط المجتمع الغربي حيث هناك مجتمع مدني بني على مدى مئات السنين قدمت فيه العديد من الضحايا, فيه احترام للمواطن والدستور والقوانين, أم أن التغيير على غرار ماحصل في ثورات اوروبا الشرقية حيث امتلأت الحكومات الجديدة بعد ثورات حملت أسماءا جذابة :الثورة المخملية والثورة الأورانجية… هذه المجتمعات تشهد مظاهرات إحتجاج على الحكومات التي أتت بعد تلك الثورات التي تتهم بالفساد والقمع.
في العراق وبعد إسقاط صدام حسين تشكلت الدولة الجديدة على أرضية طائفية وإثنية وقبلية أيضا وثمة من يربط ذلك بالتحول القسري للمجتمع الذي شهد عملية تغيير قادمة عن طريق تدخل خارجي سافر.وبغض النظر عن إختلاف وجهات النظر المتعلقة بأسباب هذا التشكل إلا أن التشكل الطائفي والإثني هذا طرح سؤالا مهما في أذهان الجميع عن إمكانية وإحتمالات التشكل السياسي المستقبلي لهذه المنطقة
في لبنان أيضا والذي كان ذات يوم منارة العرب تحولت السياسة والأحزاب السياسية الى أحزاب طائفية مرتبطة بدول خارجية لتضيع البلد وتدفن مشروعه التنويري.المشروع الطائفي تشكل مع نهاية السبعينات والتي شهدت بداية فترة انتشار المد الديني والذي كانت الثورة الإيرانية من أهم عناوينه. منذ هذا التاريخ يتأسس حزب الله المدعوم من إيران وتتجمع الطائفة السنية حول الحريري المدعوم من السعودية بينما تستقطب الكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية معظم المسيحيين.
مايحصل الآن هو ليس لبنان أو العراق أو ماشابه ذلك. هو ثورة تهدم جميع مخلفات الماضي ويحاول تجاوز أخطاء التجارب السابق. هو ثورة تكسر الخوف الذي عشعش فينا. هو مشروع لم يعتمد على الخارج وربما فقد الأمل بهذا الخارج الذي يركض خلف مصالحه ناسيا شعوب العالم ومشاكله هو أمل جديد بكل معنى الكلمة. لكنه إلى أي درجة يقدر أن يسير قدما في طموحاته وآماله.
حتى هذه اللحظة لم تستطيع هذه المجموعات الشبابية تقديم نفسها في تمثيلات سياسية تشكل البديل للقديم وهذا في حد ذاته يعتبر أهم خطر يحيط بالثورة هنا أم هناك, كذلك لم تستطيع بلورة مشروع سياسي محدد وواضح لمرحلة مابعد الثورة.
من الصعب هنا تحميل هنا هذه الملايين المتظاهرة فوق طاقتها فهي غير مطالبة بتقديم تصور تفصيلي لكل المسائيل حيث يكفيها شرفا بأنها قامت بأهم خطوة في التاريخ الحديث لمنطقتنا. أما المستقبل فمن الأفضل أن يأخذ صيرورة التشكل المدني الطبيعي لاالتشكل القسري. التشكل الذي يعطي الجميع حق المشاركة حيث لايحق لفئة أو مجموعة إحتكار حق التأسيس والتحكم بمقاليد الأمور, التشكل الذي لايرفض حق الآخر ولايخونه. التشكل الذي يهتم بالمواطن بالدرجة الأولى
هذا التأسيس يجعلنا كلنا مسؤولين عن المستقبل بكل إحتمالاته وتعثراته.
سوري مقيم في السويد
خاص – صفحات سورية –