صفحات سورية

قراءة في أحداث بيروت الأخيرة

null

عمر كوش

الحوادث والمواجهات الدموية التي حصلت في الضاحية الجنوبية في بيروت هي تعبير عن الاحتقان والتأزم السياسي الحاصل في لبنان منذ أكثر من عامين، ونتيجة له، وبات الخوف يتزايد من نذر كارثة كبرى ستقع في حال لم تتدارك الأمر القوى السياسية اللبنانية، وتبدأ في صوغ حلول سياسية لإنقاذ البلد الصغير من الانهيار، وفي مقدمتها انتخاب رئيس توافقي للجمهورية وتشكيل حكومة وفاق وطني، إلى جانب النظر في كثير من الاستحقاقات المعيشية والاقتصادية.

ويعتبر دخول الجيش اللبناني في المواجهة التي حصلت رسالة خطيرة، تلخص عناوين الصورة المحتملة للانفجار، والأخطر منها أن الأمر ظهر بعد الأحداث وكأن مجموعات من اللبنانيين تحتضن الجيش وتشيد به، ومجموعات أخرى تلومه، وتأخذ عليه استسهاله إطلاق النار على المحتجين والمتظاهرين، بينما يتوجب أن يكون الجيش اللبناني ضمانة وصمام أمان لجميع اللبنانيين على اختلاف أهوائهم وآرائهم السياسية وانتماءاتهم الدينية والمذهبية.

ولا يكفي في هذا السياق توجيه الاتهامات أو تنصل كل طرف سياسي من المسؤولية وتحميلها للطرف الآخر، فضلاً عن عدم فائدة التهرب مما جرى والتعامل معه وكأنه مجرد حوادث عفوية. لأن ما حصل خطير، ويعبّر عن احتقان أهلي، يتغذى من استقطابات سياسية وطائفية ومذهبية، ويدلّ على أن أصابع الفتنة بدأت بالتسلّل إلى شوارع بيروت، ومناطق أخرى في العاصمة وخارجها.

إذاً، ما حصل ولّدته أجواء التأزم والاحتقان، وذلك بعد أن جنح الخطاب السياسي نحو حالة غير مسبوقة من التجييش والتحشيد، جعلته يستمد مفردات لغته السياسية من قاموس التشنج والتصعيد والتهويل والتخوين على حساب تراجع لغة التفاهم والوفاق، الأمر الذي أدى إلى اضمحلال مساحة التهدئة وتضايق خيوط الحوار، وذلك بعد أن وصل الانقسام إلى ذروة جديدة، وبات خطر “انكسار الشراكة” يتهدد المجتمع.

ويبدو أن الأوضاع الملتهبة في لبنان، ستتجه نحو المزيد من الاحتقان والالتهاب إذا لم يدرك منتجو الخطاب السياسي اللبناني أن المطلوب هو فتح فجوة في جدار الأزمة، وليس الانجرار نحو المزيد من الانسداد، خاصة وأن لبنان في حال سباق مع الزمن لتجنب أجواء المواجهة الملتهبة، وبحاجة إلى إنعاش فرص الانفراج بالرغم من تضاؤلها واقتراب نفاد الزيت في قنديلها.

وجاء الفراغ الرئاسي الذي يعيشه لبنان، منذ أكثر من شهرين، ليزيد من أجواء التأزم والاحتقان الذي بلغ منسوبه حدود عدم القدرة على الاحتمال، الأمر الذي منح المخططين لتفجير الوضع اللبناني فرصة لتفخيخه واستباحته وتجييره لصالح أعمالهم التخريبية.

ويجمع المهتمون بالشأن اللبناني على أن لبنان أصبح بلداً مكشوفاً أمنياً، بل ومكشوفاً سياسياً، خصوصاً بعد انهيار كافة المبادرات والوساطات، والتي كان آخرها “خطة العمل العربية”، حيث لم يتمكن عمرو موسى من الحصول على توافق الفرقاء السياسيين اللبنانيين عليها. وكلنا أمل في أن ينجح في تسويقها في محاولته الجديدة القادمة، خصوصاً بعد تجديد الإجماع العربي على الخطة؛ في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير. لكن السيد عمرو موسى لا يحمل عصا سحرية يمكنها حلحلة الأوضاع اللبنانية المأزومة، كونه يستند إلى منظمة مشلولة وغير فاعلة هي الجامعة العربية، وسيواجه بسلة واسعة، مليئة بالمطالب والمواقف والتفسيرات، الأمر الذي سينجم عنه الفشل والعودة الخائبة.

غير أن الأهم هو أن تتم معالجة الحوادث الأخيرة وفق قراءة سياسية للوضع اللبناني بموضوعية، تقرّ بحق الجميع في العيش الآمن والكريم، وبما يزيد لحمة الاجتماع اللبناني، ويزيل تشرذم السياسات إلى إطارات طائفية ومذهبية ومناطقية، لأن الأمر سيأخذ أبعاده الخطيرة وسيتجه إلى التفكيك، في ظل سيادة حالات التوتر والقلق والخوف والتشكيك.

إن انفلات الأمور، وهو أمر لا نتمناه ولا يتمناه أي إنسان غيور على لبنان وناسه، سيفضي إلى مخاطر كثيرة. مخاطر قد تعصف بما يسمى “الموالاة” و”المعارضة”، أو “قوى 14 آذار” وقوى “8 آذار”، وبالحكومة والدولة والمقاومة وبأكثرية الجموع الصامتة، أي لن يسلم أحد من الكارثة في حال وقوعها. وبالتالي فإن القوى السياسية، التي دخلت لعبة كسر العظم، عليها أن تعي تماماً حجم الأزمة وامتداداتها أياً كان المحور الخارجي الذي تنتصر له.

كاتب من سورية
السبت, 2 فبراير 2008

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى