زعيمنا المفدّى!… زعيمنا الخالد
هوشنك أوسي
جاء في خبر، نشرته جريدة “آوينه” الصادرة في كردستان العراق، ونقلاً عن صحيفة إيطاليّة، أن رئيس إقليم كردستان العراق، السيد مسعود بارزاني صرّح، تعليقاً على الاحتجاجات الجماهيريّة في كردستان العراق،وقال: “استلمت منصبي، بانتخابات ديمقراطيّة نزيهة. وإذا طالب خمسون ألف كردي عراقي بتنحيتي، سأتنحّى”. لكن، عدد المتظاهرين في المدن الكرديّة العراقيّة، خلال الأسبوعين الماضيين، فاق الخمسين ألف. أحد الزملاء، ممازحاً، عقّب على تصريح الرئيس بارزاني، بالقول: “ربما يقصد، لو طالبه خمسون ألف من عشيرة بارزان بالتنحّي، سيتنحّى، ولم يقصد من أبناء الشعب الكردي في العراق. ذلك أن عدد المتظاهرين، خلال الأيّام الماضية، تجاوز الخمسين ألف”!.
الزعيم والقائد المفدّى، في الشرق الأوسط، حين ينتقل الى الرفيق الأعلى، يتقلّد منصب؛ القائد الخالد!. ولنا في مثال الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والزعيم الكردي الراحل، الملا مصطفى بارزاني، خير مثال!. والقائد المفدّى، حين يكون حيّاً، ينجب قائداً مفدّى آخر، ثم يرحل!. إذ كيف له أن يرحل دون أن يترك للوطن والشعب والمجتمع قائداً مفدّى، لئلا تنقطع سلاسة القادة، ولئلا يبقى المنجز ناقصاً!؟. في الحال الشرق أوسطيّة، القائد المفدّى، ربما ينجب دزينة من القادة المفدودين، وليس واحداً أو اثنين فقط!. وهذه الظاهرة، كرديّاً، تتجلّى أكثر، في أسرة الزعيم الكردي، البارزاني الأب!.
احتفل بعض الكرد، وهللوا، لمنح رئيس كردستان العراق مسعود بارزاني جائرة إيطاليّة، نتيجة جهوده في “إنعاش الديمقراطيّة، وفصل القبيلة عن الدولة، وفصل الحزب عن العائلة، وفصلَ رئاسة الإقليم عن رئاسة الحزب، وفصلَ رئاسة الحزب عن رئاسة العشيرة، وإشراك الإيزيديين والآشوريين في إدارة الدولة، ومنحهم كامل حقوقهم، وحرّم ختن النساء، وحصّن المرأة بالقوانين المدنيّة، وعزز دورها في الحزب والدولة والمجتمع، زأنشأ العشرات من مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجيّة، والعلميّة، ذات مزايا وموصفات عالميّة، وسدّ الطريق على الهرب المريع للشباب من كردستان العراق، عبر مكافحة الهجرة غير الشرعيّة، وكافح الفساد، عملاً بقول النبيّ الكريم: “لو أن فاطمة سرقت، لقطعت يديها”. لذا، بالفعل، أن الرئيس بارزاني، يتسحقّ جائزة نوبل للسلام، وليس تلك الجائزة الايطاليّة!.
حول الذكرى الثانية والثلاثين لرحيل الزعيم مصطفى البارزاني، نجد بعض الكرد، يعاودون تكرار الإنشاء والإطراء، دونما تحليل عميق في تجربة هذا الزعيم. وحين تقرأ بياناً صادراً من بعض الأحزاب الكرديّة، التي تزعم البارزانيّة، ولحجم التملّق والتزلّف الموجود فيه، وتكبير وتعظيم وتفخيم لهذا المناضل الكردي الراحل، نظنّ أن شعوب أمريكا اللاتينيّة، وحركاتها الثوريّة، كلّها، طلّقت الماويّة والماركسيّة _ اللينينيّة، وتبنّت “البارزانيّة”!. وكذا حال حركات الشعوب في الهند وجنوب أسيا والشرق الأوسط الساعية للتحرر!. دون أن تتساءل هذه الاحزاب، “البارزانيّة” في سورية: لماذا هي ثلاثة أحزاب، قابلة للتفريخ، ما دام عمادها و”أيديولوجيّتها” هو “نهج” البارزاني الأب _ الخالد!؟. وأعتقد أنه من الأجدى والأجدر بكل من يريد أن يفي هذا الزعيم حقّه، أن يبحث في تراث علاقاته مع تركيا وايران وسورية واسرائيل وأمريكا وروسيا، وأين أخطأ، وأين أصاب؟. لا أن يدبّج فيه المدائح المجانيّة، التي لا علاقة لها بحقيقة الرجل. من السخافة والدجل، إجراء مقاربة بين هيغل أو روسو أو ماركس وسارتر…، والبارزاني، كما نفهم من خطابات بعض الاحزاب التي تعلي من الشأن الفلسفي والفكري والمعرفي للزعيم الكردي!. كما أنه من السخافة والدجل، إجراء مقاربة بينه وبين غاندي!، لجهة ممارسة الزعيم الكردي للعنف، والزعيم الهندي للاعنف، ناهيكم عن الفارق الفلكي بين الاثنين لجهة التراكم الثقافي والمعرفي بين الاثنين، لصالح غاندي!.
وعليه، فمن يطلق أوصافاً ونعوتاً، كيفما اتفق، على البارزاني الأب _ الخالد، ليس ببارزاني الميل والمنهج!. وثمّ، هل فعلاً لم تتلطّخ أيدي البارزاني الأب، بدماء أبناء شعبه، كما يزعم البعض؟. فما قصّة، تصفيّة الدكتور شفان إذن؟. وما قصّة سليمان معيني؟. وما قصّة فاخر ميركه صوري؟… ولماذا لم يلتزم البارزاني الأبن، بالنهج السلمي التسامحي لوالده، منتصف التسعينات في تعاطيه مع خصمه السياسي اللدود، وقتئذ!؟. أعتقد أنه تأخّر كثيراً أجراء مراجعة لنقديّة محايدة وموضوعيّة ومنصفة لتجربة الملا مصطفى بارزاني. ولا بأس أن يقوم الدارسون والباحثون بذلك، ولو بعد كل هذه السنين.
مبارك قال: أنا كذا وكذا…، وأحصى إنجازاته، وأنه أتى بانتخابات ديمقراطيّة نزيهة. وبن علي أيضاً قال ذلك. وبشار الأسد يقول ما قاله البارزاني الأبن للصحيفة الإيطاليّة…!. ثم ما نفع جائزةٍ، إذا كانت الاحتجاجات في كردستان العراق، ضدّ الفساد والاستبداد القبلي والحزبي والعائلي، لا زال مستمرّاً!؟.
كاتب كردي سوري
ايلاف