ساركوزي- برلسكوني كل هذا العار
غسان المفلح
حث الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الدول الأوروبية على تعليق جميع علاقاتها الاقتصادية مع ليبيا، وتبني فرض عقوبات عليها، في أعقاب ما سماه القمع الوحشي للاحتجاجات هناك. واقترح ساركوزي على الدول الأوروبية سرعة تبني عقوبات تتضمن إمكانية إحالة المسؤولين عن هذه الأعمال إلى المحاكمة ومنعهم من دخول أوروبا ومراقبة أرصدتهم المالية. وبلغت قيمة صادرات فرنسا لليبيا نحو مليار دولار في العام 2009، بينما بلغت قيمة مستورداتها من ليبيا نحو 3 مليارات دولار. وتتصدر إيطاليا قائمة الدول الأوروبية المستوردة من ليبيا بنحو 37.5’، تليها ألمانيا بنحو 10’، ثم فرنسا بنحو 8.5’، فإسبانيا بنحو 8’، فيما توزعت النسبة المتبقية على دول أخرى. هذه عينة من حجم العلاقات الاقتصادية التي كانت سائدة حتى اللحظة بين بعض الدول المؤثرة في القرارات الدولية وليبيا القذافي، والعينة الأهم هنا هي حجم هذا النفاق الساركوزي، حيث خرج ليطالب بعقوبات اقتصادية وتجارية على ليبيا، أي عار هذا؟
مفردة العار ليس الغاية منها شتيمة هنا أبدا، لكن هنالك مفردات تجد مكانها المناسب في سياقات لا يمكن أن توصف أو يعبر عنها إلا بمثل هذه المفردات، لقد اتحفنا بعض من رجالات السلك الدبلوماسي الفرنسي برسالة نشرت بصحيفة ‘لوموند’ الفرنسية، من أن ساركوزي كان ولازال صامتا على جرائم القذافي، وقبله يستغرب الدبلوماسيون صمته عن ثورات الحرية في العالم العربي.. وكأن هنالك أسبابا غير معروفة لهم، لكنهم أيضا في حالة استغرابهم هذه يؤكدون أن النفط ليس السبب الحقيقي، أو مبيعات السلاح لشركات الاسلحة الفرنسية، خاصة شركة داسو كأكبر شركة لإنتاج الأسلحة ليس في فرنسا وحسب بل في أوروبا، حيث صاحبها الصديق المقرب من ساركوزي، وهنالك من يتحدث عن أن صاحب داسو هو من أتى بساركوزي إلى الحكم، وهو نفسه من يملك أكثر صحيفة يمينية انتشارا في فرنسا’ لوفيغارو’، الاستغراب ينطلق من كون هؤلاء الدبلوماسيين يستشعرون أن هنالك أسبابا غير اقتصادية، وهذه الأسباب غير الاقتصادية تتعلق بنظرة ساركوزي ونخبه لشعوب المنطقة وسلطاتها وثرواتها، هذه النظرة التي تمتح من الفضاء الاستعماري التقليدي في الواقع، لم يأت رئيس إلى فرنسا، على حد علمي، يحتقر حقوق الشعوب النامية والإنسان بقدر نيكولا ساركوزي.. لهذا نحن ربما من زاوية ما نحترم برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا، الذي صرح في بداية الثورة الليبية، ولم يكن قد وصل عدد القتلى إلى 100، أنه لا يريد إزعاج العقيد معمر القذافي هكذا بكل وضوح وصراحة قالها، ومن دون أن يغلفها بأغلفة النفاق الفرنسي المتشبهة بارستقراطية لفظية قديمة، هي جزء من عادات الارستقراطية الفرنسية قبل أن يقوم الشعب الفرنسي بثورته الشهيرة، ساركوزي يحاول إحياءها أكثر بكل ما تحمله..
في هذه العجالة، لابد لنا من أن نؤكد على مسألة، طالما كنا دوما نكتب عن موقف أوروبا وأمريكا من قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان لدى شعوبنا، عموما ليست كل النخب السياسية في أوروبا هي ساركوزي أو برلسكوني أو ميركل، لكن هذه النخب التي تجد مصالحها في تنمية شعوبنا أو على الأقل المساعدة على تنميتها اقتصاديا وديمقراطيا، هي نخب موجودة، لكنها ليست فاعلة بالقدر الكافي، لهذا عندما نتحدث عن سياسات أوروبية لا نعني بذلك أن كل نخب أوروبا هي هذا اليمين التقليدي المعشش في الحكم، حيث يذهب الأشخاص ويبقى هذا اليمين راسخا بأحزابه، التي لم يستطع اليسار الأوروبي تحجميها، ولهذا أسبابه التي هي خارج هذا المقال الآن..
اليمين التقليدي توارث هذا الفضاء الاستعماري أقله ثقافيا ومصلحيا بالطبع، وراح يجدده وفق منطق التطورات اليومية للحياة، لكنه لم يزح عن ثوابته قيد أنملة، هذه الشعوب العربية يجب ألا تستفيد من ثرواتها كلها، وهم لن يجدوا أكثر من سلطات ديكتاتورية بشعة تخدم هذه السياسة، لأنهم يعرفون في قرارة أنفسهم وفي بحوثهم ودراساتهم، التي بدأت تظهر الآن بعد نجاح التوانسة والمصريين في حريتهم، أن الديمقراطية هي تحرر من هذا الفضاء الأوروبي التقليدي، وأضيف سببا لاحقا أن هذه الشعوب خطر على إسرائيل وأمنها.. الآن بدأوا يتحدثون عن أن مصر وتونس كذبت ما انتجوه خلال عقدين من الزمن، من أبحاث ودراسات ومقالات يومية وإعلام منحاز، على أن هذه الشعوب لن تنتج بدائل للديكتاتورية سوى أنظمة إسلامية متشددة إسلاموفوبيا – كل ذلك ليبرروا عارهم، هم لا يرونه عارا لأنه يرونه مصلحة لدولهم أو لرجالات اقتصادهم..
وكمثال آخر ساركوزي عندما فك الحصار عن النظام السوري، وعد أن لبنان سيترك وشأنه، وأن مباحثات سلام بين سورية وإسرائيل ستكون ويكون هو وسيطا فيها، فلا هذه تحققت ولا تلك… طبعا من الغباء أن نعتقد أن هذا العار يمكن أن تكون على أجندته قضايا الحريات، يصبح منطق الأشياء أعوج ولا تستوي..
الموقف من ليبيا أكثر عارا لأن ربيبهم القذافي من قبل برلسكوني أنامله، ومن فتح له ساركوزي حدائق باريس ليقيم خيمته، كان له فضل بأنه أشعرهم كم هم متواطئون مع الجريمة التي يرتكبها بحق الشعب الليبي.. من الصعب على المرء أن يشاهد ما بثته قنوات التلفزة عن كيفية القتل القذافية، ويمكن له أن يتعامل مع الأمور بعقل بارد ومفردات حيادية، بالمناسبة اكتشفت أن القذافي ليس رئيسا لليبيا، ولو كان رئيسا لرمى الاستقالة بوجوه الجرذان، كما سماهم أو المهلوسين، كما جاء في خطابه الأخير.. هو قائد ثورة وملك ملوك أفريقيا.. والثورة لازالت مستمرة بفضل دعم ساركوزي وبرلسكوني ويمينهم التقليدي تاريخيا..
هل تستطيع أوروبا أن تنفض عنها كل هذا الغبار الأسود، الذي جلب لها العار طوال تاريخها؟
إن أوروبا فيها من النخب الكثير ما يجعلها مرشحة لأن تكون كما انطلقت الثورات منها أن تكون داعما لحرية الشعوب وحقوقها.. فأوروبا الآن تغلي بمستقبلها سواء في اللوحة الدولية، أو الشرق أوسطية أو حتى مؤسستها المتعثرة نحو وحدتها وهي الاتحاد الأوروبي..
أما الموقف الأمريكي فسيكون لنا وقفة عنده في مقال قادم..
متى تتخلص أوروبا من كل هذا العار؟
هذا المقال إلى تهامة معروف المعتقلة اليسارية في سجون النظام السوري، والمضربة عن الطعام منذ أيام، وحتى تاريخ كتابة هذا المقال…
‘ كاتب سوري