ربيع العرب
زين الشامي
بعد أعوام طويلة من الشعور بالإحباط واليأس، لدرجة اعتقد فيها بعضنا أن هناك مشكلة بنيوية وثقافية وربما جينية عند العرب، أتت موجة الاحتجاجات في كل من تونس ومصر، والتي أسفرت لاحقاً عن ثورات شعبية عظيمة أطاحت بالنظامين السابقين، لتؤكد أننا أمة عربية ما زالت حية ولا تختلف عن أي أمة وشعب آخر يتطلع للحرية والعدل والمساواة والتقدم.
للمرة الأولى في العصر الحديث نشعر بفخر الانتماء إلى أننا عرب، وللمرة الأولى نجلس مع الآخر من الأمم الأخرى، الأوروبي، الأميركي، الصيني، الياباني، الإيراني، التركي، وغيرهم، مرفوعي الرأس معتزين بما صنعناه وحققناه، فخورين بشبابنا وبراعتهم في استخدام وسائل الاتصال الحديثة، بتنظيمهم وثقافتهم ولغتهم ووعيهم السياسي، بالنهج السلمي اللا عنفي الذي اختاروه لتحقيق أهدافهم، أهدافنا، أهداف شعبنا العربي في التطلع لحياة كريمة.
صرنا نتباهى بين الأمم بأن شبابنا في تونس ومصر لم يستخدموا العنف، لم يحرقوا المنشآت والممتلكات التابعة للشعب، لا بل على العكس، عمل الشبان في ميدان التحرير في القاهرة، وبعد أن فرغوا من مظاهراتهم ونجحوا في إسقاط النظام المصري، عملوا على تنظيف الساحات والشوارع التي هتفوا ومشوا وناموا…
واستشهدوا فيها أيضاً.
ربيع العرب يزهر في كل مكان. بعد تونس ومصر وما يحدث الآن في ليبيا وغيرها، ثمة ملامح وارهاصات لثورة هنا وهناك، ربما ينجح البعض وربما يخفق، لكن حتى لو لم يزهر الربيع في كل بلاد العرب، يكفي أنه أزهر في دول معينة، وهذا وحده كفيل بخلق بذور لربيع جديد، مقبل بعد حين، بعد عام أو عامين أو أكثر، لكن لا بد أنه مقبل.
مثلما هي مساحة الأحلام عريضة وتمتد إلى كل بقاع بلاد العرب، لكن للأسف، ما زالت هناك بقع سوداء هنا وهناك، وما زال هناك من هو مصاب بعمى الألوان، ويعتقد أن «الزعيم» فوق النقد، أو خارج الزمن، رغم أننا جميعاً كمواطنين عرب نشترك في الألم، ونخضع لنفس شروط الحياة غير الآدمية، من قمع وسجن وتكميم لأفواهنا. وما يزيد المشهد سوءا، أن «الزعيم والقائد المفدى وحبيب الشعب، والأمين العام للحزب» عمل على خلق أتباع و«بلطجية» مهمتهم ضرب المحتجين والثائرين والمقهورين منا، بعد أن غسل أدمغتهم وأفهمهم أن المحتجين مجرد «عملاء للغرب وأميركا واسرائيل»، للاسف، يريد «القائد» أن نقتتل ببعضنا ويسيل دمنا من أجل أن يبقى صامداً على كرسيه «للأبد».
لأولئك «البلطجية» نقول إنكم مجرد أدوات، مجرد سياط، مجرد حجارة، لقتل وضرب أهلكم وناسكم، أهلكم الذين خرجوا واحتجوا على الظلم والقهر ليس إلا، أهلكم الذين خرجوا من أجل حلم، من أجل وطن أجمل وأبهى، أهلكم الذين خرجوا من أجل التأسيس لوطن قوي جميل ومعافى، وطن لأجل كل ابنائه.
محاولات الأنظمة القمعية في استخدام «البلطجية» تذكرنا بفيلم «البريء» الذي لعب بطولته الممثل الراحل أحمد زكي، الذي مثل في الفيلم دور شرطي وتم حشو دماغه بأفكار عن المعارضة مثل تلك التي تستخدمها الأنظمة اليوم ضد المتظاهرين، مثل أنهم عملاء وخونة، ويعملون لصالح مخططات كبيرة تستهدف وحدة الوطن والنيل من الاستقرار الداخلي، لكن هذا الشرطي وحين بدأ في الهجوم على المعارضين وجد بينهم جاره المواطن المصري البسيط الشريف، ليكتشف لاحقاً أنه تعرض لكذبة كبيرة من قبل رؤسائه، وأن ما قيل له عن «مؤامرة وعملاء وخونة» ما هو إلا محض افتراء على الناس البسيطين، ليقرر لاحقاً عدم إطاعة الأوامر ثم ليدفع الثمن ويسجن، وخلال السجن يتطور وعيه السياسي وينضج، إلى أن يقرر الانتقال إلى الضفة الأخرى المعارضة للنظام.
الربيع في البلاد العربية، أزهر، إننا نراه، إننا نعيشه، إننا نتنشق عبير أزهاره، وغداً ستحمل النسمات عبقه الى كل بلاد العرب، لكن حتى لو لم تزهر كل أشجارنا، فيكفي أن شمس الحرية سطعت في بلاد العرب للمرة الأولى منذ مئات الأعوام.
كاتب سوري
الراي