تخبّطات رموز المعارضة السورية
خوشناو تيللو
باتت الشبكة العنكبوتية منبراً، يمكن لكلّ مراقبٍ أو مهتمٍ بالشأن السوري أن يتابع على صفحاتها، الآراء و المواقف التي تطرحها بعض رموز المعارضة السورية في المنفى، عن تصوراتها للمستقبل السوري. يُعتَبَرالتباين الشاسع في وجهات النظر وتخبطات رموز المعارضة ترجمةً لتناقضاتٍ تعكس حالة الشرذمة التي تعيشها “المعارضة” السورية و هي في الوقت نفسه تعبيرٌعن حجم مأساة الشعب السوري.
إن بعض رموز المعارضة تشدّد على ضرورة الانتفاضة من أجل التغيير، وهي في الواقع تفتقد إلى أرضيةٍ جماهيريةٍ على الواقع, بينما تطلق رموز أخرى رؤىً ساذجة تتبنى مشروع المصالحة بين السلطة والشعب و تراهن على مشروع الإصلاح كبديلٍ للانتفاضة. أما البعض الآخر من رموز المعارضة فإنه يطالعنا بمواقف متزمتة تجاه المكونات غير العربية في الطيف السوري؛ مواقفٌ تنطوي على إقصاءٍ أكثرُ تطرفاً من الذي مارسته السلطة خلال العقود المنصرمة ضد تلك الأطياف. لايخفى على أحدٍ، أن هذا التنافر في المواقف يعمّق شرذمة الشعب السوري, شعبٌ هو بأمس الحاجة لرصّ الصفوف في هذه المرحلة الحرِجة.
ليس هناك من داعٍ لتكرار تحليلاتٍ سابقة تناولت الحالة السورية، وخصوصياتها كي نفهم صعوبة المشهد القادم في سوريا. فالتجربة التونسية و المصرية نمّت عن شوطٍ من التحضّريبدو صعباً تكراره في سورية, نظراً لمعطياتٍ يعرفها كل مهتمٍ بالشأن السوري. ربما تفي مراقبة المشهد الليبي أكثربالغَرَض، لفهم ماقد يحدث في بلدٍ مثل سوريا من إراقةٍ للدماء، إذا قامت الانتفاضة وكان الشارع السوري بهذا التشرذم. المشكلة الأكثر استعصاءً, كامنة في المعارضة السورية التقليدية, هذا إذا أمكن الحديث عن معارضةٍ بالمعنى الحرفي للمفهوم. ففي الوقت الذي تدق فيه أجراس الإنذار معلنةً الحاجة إلى بلورة مواقف مشتركة تجمع تحت مظلتها أطياف المجتمع السوري لخلق بدائل تقود الانتفاضة، أو أضعف الإيمان تشكيل موقفٍ تفاوضيٍ موحّد وأكثر متانةً، نجد أن بعض رموز المعارضة تلهث مستجديةً الفتات من السلطة متيمّمة بمقولة ” يا روح ما بعدك روح”.
كانت الانتفاضات الشعبية في مصر و تونس مفاجأةً، ذكّرتنا بسباق الأرنب والسلحفاة، بين السلطة والشعب؛ فقد جاءت خلافاً لكل التوقّعات والتحليلات، لتباغت السلطة وتحرمها من فرصة اجتراح تكتيكاتٍ واقيةٍ، مما أوقعها في أخطاءٍ كانت إحدى العوامل المهمة لتتكلّل الانتفاضات بالنجاح. إنّ كل تأخيرٍ للانتفاضة في بلدٍ مثل سورية، هو عامل إجهاضٍ يصبّ في صالح السلطة لأنه يحرم الانتفاضة من أهم ركائزها, أي عامل المباغتة وهذا سوف يكلف الشعب السوري أثماناً باهظة يدفعها لاحقاً.
السلطة تستفيد من عامل الزمن و أخطاء تجارب الدول الأخرى, السابقة وبدل أن تنتظر الحدث شرعت بنفسها بمبادراتٍ واقية كشراء ذمة المواطن بدفوعاتٍ نقدية، أو خطواطٍ تلجم تذمره، وهذه الخطوات هي مجرد عمليات تخدير، ليتسنى للسلطة الاستمرار في دفة الحكم حتى اشعار آخر.
جملكيات الشرق التي نشأت و ترعرت على تناقضات فترة الحرب الباردة، وكل فلسفات حفاظها على البقاء، لها مؤشرٌ واحدٌ، وهو استحالة التغيير بطرق إصلاحية. هذه السرطانات قد قامت على أسس غير شرعية وأحكمت القيد على زمام السلطة بطرقٍ استبداية و قمعية، ثم نهبت البلاد بنهم فسادٍ لا مثيل له كما نكّلت بكل المعارضات وأقصتها, كذلك حافظت على بعبع التطرف الديني لتلقي به على طاولة المساومات كلما اقتضت الضرورة. فهذه الأنظمة غيرقابلة للإصلاح لأن الإصلاح هو نقيضٌ لحق تلك الأنظمة في الوجود، ومن الغباء المراهنة على سذاجة السلطة في إمكان حفرها لقبرها، بيديها أو أن تكون عرّاباً لإصلاحٍ جذريٍ سوف يلغيها. سنّة التاريخ تقول إن التغيير قادمٌ لا محالة، لذلك فإنّ أيّ تأجيلٍ للعملية يزيد الطين بلةً، ويعقد مشهد التغيير, فالوضع سينفجر عاجلاً كان، أم آجلاً، والتشبث برهانات إصلاحٍ حالمة، لا يلغي الانتفاضة بل يزيد من احتمال أن قدومها اللاحق سيكون أكثر دموية من التجارب التي عهدناها حتى الآن.
المواقف المتخبطة لبعض رموز المعارضة تنمّ إمّا عن سذاجةٍ أو وصوليّة، وفي كلتا الحالتين هي مثيرة للسخرية وشر البلية ما يضحك. فتنظيرات بعض رموز المعارضة السورية التي جاءتنا ببدعة” تبويس اللحى” بين الشعب و السلطة على أساس” ما صار شي يا شباب”, أو بطرح توسّلاتٍ إلى” السيد الرئيس” بالبدئ بعملية مصالحةٍ، بين الشعب والسلطة و طرح برنامج إصلاحٍ جذريٍ، تثبت من خلاله سوريا” الصمود والتصدي” مرةً أخرى بأنها الرائدة في العالم العربي بأكتشافها لحلولٍ فاتت على طغاة العالم من قبل، لتفادي الانقلاب, هي مثيرة للاشمئزاز.
أما الرّموز التي تتبنّى التغيير بشكلِ انتفاضةٍ، فلسنا ندري كيف ستوفّق بين منظوماتها الفكرية المبنية على إقصاء المخالف، وعلى أي أساسٍ تطرح تصوراتها للانتفاضة في سوريا، وتحدّد الجغرافيات التي منها سوف تنطلق تلك الانتفاضة. هذه الرموز تتحدث بكل ثقة عن مسيرة الانتفاضة من الشمال السوري نحو العاصمة. ربما قد نسيت تلك الرموز أن العنصر الغالب في الشمال السوري هي أطياف غيرعربية، فهل تتصوّر هذه الرموز بأن تلك الأطياف هي على جهلٍ، من مواقفها المتنكرة لحقوق كل مكوّنٍ سوريٍ، من أصولٍ غير عربية ؟
كيف لكم أن تتصوروا أن مسيرات الاحتجاج سوف تبدأ من الشمال السوري، وأنتم في كل أدبيانكم تتوجّسون من ذكر كلمة: كردي، آشوري، سرياني… بل لواستطعتم لأشرتم إلى سوريا العربية بالخط الأحمر بمناسبةٍ، أو بدون، في إطلالاتكم الموقّرة وإسهاماتكم، في النقاش عن التغيير في سوريا. هل تعني عبارتكم المكرّرة بأنّ “التغيير معنيٌّ به كل مواطن عربي سوري” أنكم قد منحتم المكوّن غيرالعربي إجازة نقاهة من عملية التغيير؟ وما دامت تلك الأطياف في إجازة فكيف لكم أن تقولوا أن مسيرة التغيير ستبدأ من الشمال؟
هل تتصورن أن أبناء الشمال، وكافة الأطياف غيرالعربية، بتلك السذاجة كي تلقوا بها حطباً في نيران انتقاماتكم من السلطة، أوتستطيعون جعلها عود ثقابٍ، تشعلون به نار الانتفاضة، أم لا زلتم مقتنعون بتصوّر، أن تلك الأطياف من البلاهة كي تجعل من أبنائها جسوراً، تمرّ فوقها عربات أحلامكم بالسلطة، أم أنكم تتصورون أن العنصر غير العربي لا يستطيع استشفاف ما يدور في أذهانكم، وأنه من الجهل و الأميّة بما يفي بعدم القدرة على قراءة ما بين السطور في ديباجات إطلالاتكم الإعلامية وضبابيات مواقفكم؟
إذا كان هناك من شيءٍ اسمه معارضة سورية فإنها يجب وقبل أن تحلم بالقيام بأي خطوة أن تجلس إلى طاولةٍ مستديرةٍ، وتحديد اطرافها كل ما له وما عليه. أما التأجيل في تحديد ورقة عمل مشتركة الآن على أساس “خلينا اليوم نغير وبوكرة الله كبير” فلا تنطلي على أحد، وفي النتيجة الخاسر هوالشعب السوري برمته.
ما دمتم بهذه الضبابية والإقصاء المبطّن، ولا زلتم بهذه العقلية المتزمتة فلا تستغربوا إذا دفعتم بمواقفكم تلك, أبناء المكوّنات السورية غيرالعربية، للدخول مع السلطة في تحالفات آنية. و مادمتم مصرّون على التنكّر لوجود وحقوق الأطياف غير العربية في سوريا, فلا يحقّ لكم أن تصفوا الأخذ بخيار التحالف مع السلطة من قبل أي مكوّن غيرعربي بالانتهازية. بناءً على مواقفكم, قد يجد العنصر غير العربي نفسه مدفوعاً للتحالف مع السلطة على أساس “شعرة من جلد الخنزير مكسب” أو المبدأ القائل “عصفورٌ في اليد خيرٌ من عشرة على الشجرة”, خصوصاً وأن السلطة مستعدة لتقديم التنازلات لبعض أطياف الشعب السوري لتعزيز مواقعها، بينما رهان العنصر غير العربي على مواقفكم الملتوية في هذه المرحلة هو الغباء بأم عينه. إنّ السلطة لديها ملموساتٌ تقدمها الآن لتلك الأطياف، بينما أنتم ليس في جعبتكم سوى الإقصاء أو حلولٌ بسمة الغيب والتأويلات. بالطبع ليس في هذا الطرح محاولةٌ لتبرير أي مواقف انتهازية. ليس لاي طيفٍ، الحق في أن يفرض شروطاً غير واقعية كثمن لاشتراكه في عملية التغيير، كذلك ليس لدى أي طيفٍ, مهما كان حجمه, محاولة الالتفاف على حقوق الآخرين أواستهلاكهم لتنفيذ مآرب عفى الدهرعنها.
إنّ التاريخ أسير منطقٍ خاصٍ به، فهو مهما تعثّر في مسيرته وبدا مجنون الخطوات، إلا أنّه يستقيم بعد حينٍ، ويعود إلى رشده؛ لذلك ففي جغرافيات ممتدة من المحيط إلى الخليج، التغيير قادمٌ لا محالة, سواءٌ أكان بصورة ثورات ياسمين, لوتس, جوري, حجارة أو حمم بركانية. أما في في بلدٍ مثل سوريا, مستعصي على ظاهرة ” ثورة الياسمين” فإنّ التغيير أيضاً قادمٌ لا محالة، ولن يكون مخملي القوام أو المضمون لأن المقدمات المنطقية عن تركيبة البنى السلطوية في سورية تلغي فرص التغيير السلمي بطرقٍ إصلاحية. لذلك علينا البحث عن سبلٍ توفّر على الشعب السوري أكبر قدرٍ من أرواح الشباب وهدر الدم المحتمل، ومن هنا نجد إسهامات رموز المعارضة بشكلها الحالي لا تخدم مصالح الشعب السوري لأنها تزيد المشهد تعقيداً، وتعيد النزاعات الطائفية والشرذمة للأذهان. ان لم يكن في جعبة تلك الرموز طرح مغاير لما عهدناه حتى الان فالأولى بها أن تصمت و تتنحى عن المشهد السياسي فاسحةً المجال أمام أجيالٍ أكثر تفتحاً ، تحاول تجاوز كل صراعات الماضي وبناء جسور تواصلٍ ومحبةٍ مفعمة بروح العصر, لديها لغاتٌ وقواسم مشتركة، ومساحات تفاهمٍ أوسع, كي تتبوّأ عملية التغيير في سورية.