صفحات العالم

استراتيجية أوباما إزاء العالم العربي والإسلامي

باتريك سيل
فيما ينغمس باراك أوباما في مهماته الرئاسية، يبدو جلياً يوماً بعد يوم أنّ أحد أهداف سياسته الخارجية الرئيسية هو بناء الجسور مع العالم العربي والإسلامي بهدف تحسين صورة أميركا المشوهة وموقفها الدولي الفاسد وبهدف جعلها في مأمن من الهجمات الإرهابية.
وقد أتاح الانتقاد الذي وجهّه أخيراً نائب الرئيس الأميركي الأسبق ديك تشيني إلى قرار أوباما، القاضي بإغلاق معتقل غوانتانامو ومعاملة السجناء بشكل أفضل، للرئيس فرصة الإعلان مجدداً عن وجهات نظره، خلال مقابلة أجراها في 22 آذار (مارس) عبر برنامج «60 دقيقة» الذي يحظى بنسبة مشاهدة عالية على شاشة محطة الـ «سي بي اس».
قال اوباما: «كانت فلسفة تشيني تقوم على الترويج للمشاعر المناهضة لأميركا، ما أدى إلى تجنيد عدد من المحاربين العرب والمسلمين ضد المصالح الأميركية في جميع أنحاء العالم». وتساءل «إلى متى سنظل على هذا النحو؟ إلى أن يحتقرنا العالم العربي والإسلامي برمته؟ هل تظنون أن ذلك سيجعلنا أكثر أماناً؟».
باختصار شديد، يمكن القول إن أوباما اختار التركيز على أربعة مواضيع متداخلة في ما بينها وهي النزاع العربي – الإسرائيلي المستعصي والعلاقة المتوترة مع إيران والمشاكل المعقدة في أفغانستان وباكستان والحاجة الملحة إلى احترام نظام العدالة في أميركا.
ويبدو أن موضوع العراق الذي استحوذ على انتباه أميركا الكامل على مدى السنوات الست الماضية لم يظهر على جدول أعمال أوباما. فلم يكن هو المسؤول عن اندلاع الحرب في العراق بل هو يعمل على وضع حدّ لها وينبغي على العراقيين أن يعيدوا بناء بلدهم المدمر قدر الإمكان، لا سيما أن أميركا على وشك الانسحاب منه.
وفي ما يتعلق بالنزاع العربي – الإسرائيلي، أخذ أوباما مبادرة في الساعات الأولى على تبوؤه منصبه فأعلن من جديد إيمانه بحل الدولتين وعيّن السيناتور السابق جورج ميتشيل وهو مفاوض محنّك، مبعوثه الخاص إلى المنطقة. ومن الواضح أن إدارة أوباما تتأنى في الوقت الحالي، فهي تنتظر نتائج عمليتين مهمتين، جهود بنيامين نتنياهو (أو بيبي) لتشكيل حكومة إسرائيلية ومحاولات مصر لإقناع المتخاصمين، حركتي «فتح» و «حماس» لتشكيل حكومة فلسطينية مشتركة.
فقد أعلن نتانياهو وهو زعيم حزب «الليكود» اليميني عن اتفاق مع حزب ا«إسرائيل بيتنا» المتشدد بقيادة أفيغدور ليبرمان فضلاً عن حزب «شاس» الديني. لكن كي لا يتم اتهام نتانياهو بتشكيل ائتلاف يميني مصغّر، قد يثير امتعاض أميركا ويوشك على عزله دولياً، قام بإقناع حزب العمل بقيادة إيهود باراك بالانضمام إلى ائتلافه. وبحسب عامير أورين من صحيفة «هآرتس»: «إن باراك خائف من أن يبقى في الخارج وبيبي خائف من أن يبقى وحيداً في الداخل».
وقد أطاح باراك بكل مبادئه عند انضمامه إلى نتانياهو. ولا شك أنه يرغب في أن يمنع وزارة الدفاع من تجاوز الاعتبارات الأخرى. ونتيجةً لذلك، ستستمر إسرائيل كما فعلت على مدى عقود طوال في التحدث عن السلام مع الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية. فهل يجرؤ أوباما على الطلب من إسرائيل تنفيذ أقوالها مع التشديد على تجميد الاستيطان؟ هذا هو السؤال الأساسي لأن الحديث عن السلام سيكون مجرد خدعة في حال لم يتم تجميد الاستيطان.
أما في ما يتعلق بالفلسطينيين، فيبدو أنهم لم يدركوا أن أجمل هدية يقدمونها إلى نتانياهو هي حل نزاعهم الداخلي المستمر. وما لم يحلّوا خلافاتهم وبسرعة لن يتمكن أحد ولا حتى أوباما على مساعدتهم. فقد تختفي قضيتهم علماً بأنها في خطر كبير.
والخطوة المفاجئة التي أقدم عليها أوباما كانت انفتاحه على الجمهورية الاسلامية الإيرانية. ففي محاولة واضحة لإنهاء ثلاثين سنة من النزاع، توجه إلى الإيرانيين عبر رسالة مسجلة بمناسبة رأس السنة الفارسية الجديدة بالقول إنه يسعى إلى إقامة «علاقة صادقة معهم تقوم على الاحترام المتبادل».
وجاء جواب الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي على ذلك حذراً إلا أنه لم يكن سلبياً. وأشار إلى أنه في حال غيّرت الولايات المتحدة سلوكها، فستقوم إيران بالمثل. لكنه لم يرد مجرد أقوال من جانب أميركا بل أفعالاً، مثل رفع العقوبات عن إيران وتحرير الأصول الإيرانية المجمّدة ووضع حدّ للاتهامات القائلة إن إيران تسعى إلى حيازة الأسلحة النووية والإقرار بالأخطاء الماضية.
وقد واجه أوباما في محاولته للتقرب من إيران انتقاداً حادّاً من المحافظين الجدد الموالين لإسرائيل في أميركا، فقد اتهموه بأنه «ضعيف» و «انهزامي». ولم يمنعه ذلك من التلميح إلى أنه سيتخذ إجراءات إضافية للتودد إلى إيران. فقد تمت دعوة إيران لحضور مؤتمر حول أفغانستان في مدينة لاهاي في نهاية هذا الشهر. كما من المتوقع السماح بإجراء اتصالات مع الديبلوماسيين الإيرانيين بعد أن كانت ممنوعة في السابق. ويبدو أننا سنشهد انطلاق حوار أميركي – إيراني على رغم محاولات إسرائيل لعرقلته ومخاوف الدول العربية المجاورة لإيران من أن يتم تجاوز مصالحها.
ويبدو أن أوباما مصمم على تحسين العلاقات مع إيران. فهو يدرك جيداً أن الولايات المتحدة بحاجة إلى مساعدة إيران بهدف المحافظة على الوحدة الداخلية الهشة في لبنان ومن أجل دفع الفصائل الفلسطينية المتشددة الى مواقف أكثر اعتدالاً بغية التوصل إلى حل عربي – اسرائيلي، وفي حال وجب كبح جماح حركة «طالبان» في أفغانستان وعزل تنظيم «القاعدة» وإضعافه. ومن الأفضل لإيران أن تقبل هذه اليد الممدودة.
وأشار أوباما إلى أنه يتفهم الحاجة إلى اعتماد مقاربة اقليمية في أفغانستان تشمل باكستان والهند والصين وإيران. كما أنه سعى إلى طمأنة طهران عندما أعلن إنه يجب «إيجاد استراتيجية تسمح بالخروج» من أفغانستان. فإيران تحبذ للغاية انسحاب القوات الأميركية من المناطق القريبة من حدودها.
ويبدو أن أفغانستان، حيث للولايات المتحدة وإيران مصالح مشتركة، قد تشكل اختباراً حقيقياً للعلاقة بين البلدين. فيجب الإعلان عن تفاصيل ما يطلق عليه أوباما اسم «استراتيجية شاملة». فنحن نعلم أن أوباما يؤمن بأن المقاربة العسكرية وحدها غير كفيلة بحل المشكلة. وستكون المفاوضات مع المتمردين أساسية. كما يتم التحضير لإجراءات لإشراك العناصر «المعتدلة» في حركة «طالبان» في المحادثات.
ويظن عدد كبير من الأشخاص البارزين في فريق أوباما أن اساس المشكلة هو على حدود أفغانستان في الاقاليم الواقعة شمال غربي باكستان، حيث تملك حركة «طالبان» وأعضاء تنظيم «القاعدة» ملاذات آمنة لهم. وما لم يتم تطهير هذه المناطق القبلية، لن يمكن القضاء على التمرد كما لن يكون ممكناً ضمان أن «القاعدة» لن تقوم بشن هجوم جديد. وكما قال أوباما في مقابلة مع برنامج «60 دقيقة»، تكمن «أولويته الأولى» في التأكد بأن تنظيم «القاعدة» لن يهاجم الأراضي والمصالح الأميركية وحلفاء أميركا.
والحل الذي تتم مناقشته حالياً في واشنطن هو تقديم مساعدة اقتصادية إلى باكستان بغية تأمين الاستقرار في هذا البلد وتعزيز حكومته المدنية على أمل أن يعطيها ذلك الثقة لإحكام سيطرتها على المناطق القبلية. والمقاربة الأخرى المرتبطة بالأولى تكمن في أن تقوم الولايات المتحدة بالتشجيع على التوصل إلى اتفاق هندي – باكستاني. وإذا كان من الممكن تحقيق ذلك، لن تعود باكستان بحاجة إلى حلفائها الجهاديين لمواجهة تأثير الهند في كشمير وأفغانستان.
لا يزال أوباما يرسم خطوط استراتيجيته المتعلقة بالعالم العربي والاسلامي، إلا أن مقاربته على الجبهات كافة واعدة وهي تتعارض كلياً مع سياسات سلفه السيئة.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى